الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"التحكيم العرفي".. نظام قضائي يُصارع نظام العدالة المصري (ملف)

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

القضاء العُرفى.. وسيلة مُتعارف عليها للتحكيم بين الخصوم عبر عقود من الزمن، كان وقتها منظومة فاعلة فى فض النزاعات، غير أنه خلال السنوات القليلة الماضية تنامى دوره فى التعامل مع الصراعات القبلية والطائفية، خاصة فى ظل تباطؤ القضاء العادى نتيجة لقلة عدد القضاة والمحاكم أمام أرقام القضايا الضخمة، فهناك حوالى 32 ألف قاضٍ وما يُقارب 7 آلاف محكمة تَفصل بين 30 مليون مواطن مصرى فى أكثر من 5 ملايين قضية مدنية وحوالى 13 مليونًا و500 ألف دعوى جنائية، فى حين تستقبل محاكم الأُسرة مليونًا و500 ألف دعوى سنويًا.

ومؤخرًا، كانت أحكام المجالس العُرفية، لدى الكثيرين، بمثابة بوابة للظلم واعتداءً صارخًا على الدستور والقانون، بعدما أضحت بطلةً للفصل فى الكثير من الأحداث الطائفية التى أعقبت ثورة 25 يناير، والتى قدرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بحوالى 45 حادثًا طائفيًا مُنذ اندلاع الثورة وحتى نهاية 2014، مما يُعمق من حجم الأزمة، بينما يراها الطرف الآخر؛ مصدرًا من مصادر التشريع وأحد أساليب التعايش المُشترك فى الدولة المصرية بل وتساعدها على الاستقرار.

«البوابة» تفتح ملف الجلسات العُرفية فى مصر، بدايةً من رَصد طريقة وكيفية تكوينها، مرورًا بشروط اختيار هيئة التحكيم والمُرجح، وصولًا إلى طبيعة وقوة تنفيذ أحكامها، بالإضافة لمدى تأصيل الحُكم العُرفى فى فلسفة القانون المصرى والنتائج التى تترتب على بعض أحكام تلك الجلسات.

خطوات تكوين الجلسات العرفية فى مصر وصولًا إلى إصدار أحكامها معروفة، ومتوارثة، ومتفق عليها مُنذ عشرات السنين، حيث تبدأ بـ«سايرة الخير»، وهو قيام مجموعة من الناس بالتدخل لنزع فَتيل صراع بين طرفين، أو يزيد، ثم أخذ شرطً بالهدنة والاتفاق لحين جلوس الطرفين معًا، فيما يُسمى «شرط معاودة» أو «عمار»، يوقع عليه شخصان من طرفى النزاع، ومشروط أيضًا بدفع مبلغ مالى ضخم فى حالة عدم الالتزام بمدة العمار المُتفق عليها، والتى تتراوح بين أسبوع وشهر، حسبما أكد الحاج ربيع السنوسى، مُحكم عرفى.

المحكمون وراعى البيت

وأوضح السنوسى: «سايرة الخير عادة ما تكون من أهل الخير المُحيطين بطرفى النزاع، سواءً كانوا جيرانًا أو أقارب أو أطراف خارجية تسعى للصُلح، وحتى أخذ شرط العمار أو المعاودة ينتهى دورهم بالاتفاق مع أطراف النزاع على اختيار كُل منهم لمُحكمين أو ثلاثة أو يزيد، ثم اختيار المُرجح أو ما يُسمى بـ«صاحب البيت»، من بين ثلاثة اختيارات تُطرح عليهم، لأن هيئة التحكيم العرفى تكون عددًا فرديًا، يبدأ من القاضى الوحيد، ثم ٣ أفراد أو يزيد، وذلك لترجيح الحكم».

وأضاف: «فى حالة إن كان هناك أشخاص من طرفى النزاع مقبوضا ومُتحفظا عليهم لدى الشُرطة، تتواصل سايرة الخير مع المركز أو القسم التابع لهم، لإخراجهم بعد إبلاغ مأمور المركز أن طرفى النزاع ارتضوا بالتحكيم العرفى»، وأضاف: «لا ننكر هُنا أن الشرطة تتعاون معنا بالكامل لإتمام خطوات الجلسات العرفية، لدرجة أنها ترسل قوة أمنية لحماية الجلسات مُنذ بدايتها، أو حتى الضغط على الطرف الذى يستعصى على سايرة الخير فى أخذ توقيعه على هدنة العمار».

محضر جلسة عُرفية

تبدأ الجلسة العرفية بقراءة الفاتحة، ثم عرض «الصُلح الأبيض» على طرفى النزاع، وتابع: «نبدأ الجلسة بكتابة ورقة تُسمى «محضر الجلسة العرفية شرط جزاء»، يُسجل فيها التاريخ والحضور من المُحكمين وأطراف النزاع والمُرجح، ونثبت فيها أيضًا أنه حدث نزاع أو اشتباك أدى إلى وقوع أضرار على الطرفين، وأن السايرة العرفية تدخلت لوقف نزيف الدم بعد مثول الطرفين إلى القضاء العرفى للفصل بينهم، وأنه تم عرض الصُلح الأبيض من السادة المحكمين وراعى البيت ولم يرتضوا به وأصروا على سرد الحُجج بينهم وأخذ كُل ذى حق حقه امتثالا لقوله تعالى {إن الله يأمر بالعدل».

وبعد سماع الحُجج وتسجيل النقاط المهمة فى محضر الجلسة، يدخل المحكمين إلى «المخلاوية»، غرفة مداولة هيئة التحكيم، لسماع الشهود كُلّ على حدة وبعيدًا عن طرفى النزاع، لتكون شهادتهم سرًا لا يخرُج عتبة المخلاوية، وبناءً على شهادة الشهود وسرد الحُجج يبدأ المحكمان فى النقاش معًا لمدة قد تصل إلى ٥ ساعات حتى يخرجا حكمًا عادلًا يُرضى جميع الأطراف. ويُكمل: «نكتب فى محضر الجلسة نص الحكم النهائى بصيغة مُحددة وهى؛ إن الحكمُ إلا لله، بسم الله ثم باسم الشعب، حكم السادة المحكمين وراعى البيت؛ بأن طرف أول يقوم بكذا وكذا، مثلًا؛ دفع مبلغ نتيجة أخطاء وقعت فى حق الطرف الثانى».

٣ أحكام للعُرف

عن طبيعة أحكام الجلسات العرفية، أوضح «السنوسى» أن الحقوق- الأحكام- أربعة، تبتعد هيئة تحكيم المجلس العرفى عن أحدها، وهو حكم؛ العين بالعين، لتسير فى الثلاثة طُرق الأخرى، إما الدية أو القودة أو التغريب. وأضاف: «فى المجالس نلجأ إلى الحق المادى، الدية، وهو حق مشروع، أو تقديم الكفن «القودة»، وهو حق معنوى يحفظ لأحد طرفى النزاع كرامته بين الجيران، باختيار حامل الكفن من الطرف الآخر، والذى غالبًا ما يكون أكبرهم وأوقرهم وأفضلهم، ثم يأتى «التغريب» كطريق ثالث فى حكم المجلس العرفى». ويواصل السنوسي: «التغريب أخذناه عن النبى محمد- عليه الصلاة والسلام- فى قاتل عمه، سيدنا حمزة، حينما جاءه القاتل يُعلن إسلامه فقال له النبى: «ارتضيت إسلامك شريطة ألا أراك»، على أن يُغرب القاتل فقط، وليست العائلة بالكامل، وألا يكون التغريب خارج المحافظة، بل خارج الحى أو المنطقة، تجنبًا للاحتكاك».

وتابع المحكم العرفى: «نحن لسنا بأولى أمر، وبالتالى لا يصلح أن نحكم على سارق مثلًا بقطع يديه، أو نحكم على زانٍ بالرجم أو الجلد ١٠٠ جلدة، لكن قد نحكم عليه بزواج السيدة التى زنى بها إن كانت مُطلقة أو أرملة أو فتاة بكر، ودائمًا ما نحاول أن تكون الأحكام بالدليل المادى متمثلة فى التعويضات المالية».

إيصالات على بياض

وتستند المجالس العرفية فى قوة تنفيذ أحكامها على «إيصالات الأمانة» والاشتراطات المأخوذة على الطرفين قبل بدء الجلسة العرفية، وغالبًا ما تكون على «بياض» أو مبالغ مالية ضخمة، وفى حالة إن أَخَل أحد الأطراف بالتنفيذ، يتم تحرير محضر بتلك الإيصالات واتخاذ دورتها فى القضاء، لتنتهى بالسجن ٧ أعوام على الأقل للطرف الرافض لتنفيذ الحكم، بحسب السنوسى.

التنازل عن القضايا

وعن مميزات الجلسات العرفية، قال السنوسى إنها تنتهى بتصالح الأطراف بعد إصدار حكم الجلسة مباشرة دون أن يحمل كل منهم ضغينة للطرف الآخر، موضحًا: «الطرفان يوقعان على الموافقة على الحكم قبل أن يسمعاه، وهناك بند فى المحضر أيضًا؛ يضمن التنازل عن القضايا بين الطرفين خلال أسبوع من تاريخ حكم الجلسة، كما أنها لا تستغرق وقتًا كبيرًا كما يحدث فى حالات التقاضى العادى، الذى يتسم بالتباطؤ وقد يتم التلاعب فى قراراته بسبب تحريات المباحث الخاطئة». ٢١ عامًا مَرت مُنذ أن دَخل «السنوسى» أول جلسة عرفية كواحد من أعضاء هيئة التحكيم، ومن وقتها يتَدخل للفصل والصلح فى ما يُقارب ٢٠٠ قضية سنويًا، جميعها دون مُقابل مادى، تطوعى، لـ«وجه الله»، بعضها ينتهى من أول جلسة عرفية، والبعض الآخر، كقضايا الثأر، يظل مُستمرًا للفصل فيه لمدة تُقارب العام ونصف العام، فبعض القضايا غير مُمهدة بالورود- على حد قوله.

 

شروطها.. النزاهة وحسن السمعة

«وراثة.. أبًا عن جد» بدأ بها الشيخ السبعينى، عبدالعظيم أبو غالب العقبى، محكم عرفى حديثه، مؤكدًا أن بدايته مع التحكيم العرفى كانت بمرافقته لوالده كـ«تلميذ» فى جميع الجلسات العرفية، للتعلُم من خبراته وكسب ثقة الناس من خلال معايشته لقضايا ونزاعات عدة ومختلفة ومتنوعة تثقل من خبرته.

أربعة تخصصات للعُرف

بحسب «العقبى»؛ فإن القضاء العرفى ينقسم إلى ٤ تخصصات رئيسية، أولها؛ القضاء الذى يحكم فى أمر النساء «العِرض والعار»، والثاني؛ «منقع الدم»، الذى يفصل فى الخلافات التى أدت إلى وقوع واحد، أو يزيد، من طرفى النزاع ميتًا، ومن أشهر المحكمين فى قضايا منقع الدم يأتى الشيخ سالمان أبو حمدان.

وأضاف العقبى: «التخصص الثالث يتمثل فى الفصل فى نزاعات الأرض والمال، فيما يكون القسم الأخير من القضاء العرفى متمثلًا فى؛ قضايا الجروح والإصابات»، مؤكدًا أن الخبرة تجعل بعض المحكمين العرفيين متخصصين فى الفصل فى النزاعات الأربعة المختلفة: الدم والجروح والعار والمال.

وعن شروط اختيار المحكمين، قال «العقبى» إن الأساس فى أن تصبح محكمًا عرفيًا هو أن يكون الشخص رزينًا، ولم يسبق له أو لعائلته حوادث، ومشهودًا له أيضًا بالكفاءة والصلاحية والدين، موضحًا: «قبل أن أكون محكمًا عرفيًا معروفًا، أو حتى عمدة على قريتى فى مركز الصف بالجيزة، فأنا إمام مسجد وحافظ لكتاب الله، وآخذ أحكامى منه، لذا لا بد أن يكون المحكم له شهود عدة على أفضاله ورزانته وأن يكون نظيف اليد والقلب».

التغريم والتغريب

يُشير «العقبى» إلى أن أحكام المجالس العرفية تستند إلى الشريعة الإسلامية والسنة النبوية، والأحكام لا تخرج عن؛ تغريب، فى حالة نزاعات الزنى والأعراض أو عدم مقدرة القاتل مثلًا على دفع الدية، أو «تغريم» يتم تحديده بناءً على نوع الجُرم، و«كل حاجة لها سعرها» - على حد قوله.

وفى وقائع قضايا القتل، فالحكم يكون دية، منصوص عليها فى القرآن، وهى ١٠٠ ناقة، أى ما يُعادل حاليًا حوالى ٤.٢٥ كيلو ذهب عيار ٢١، وفقًا لفتوى من الأزهر، وهو ما يُقارب مليونًا و٨٠٠ ألف جنيه بسعر السوق الحالية، بحسب ما أكده العقبى.

وأوضح: «وفى حالة إن كان بين طرفى النزاع الذى أدى إلى وقوع قتيل، صلة قرابة قوية، فنتبع القاعدة؛ {ولا تنسوا الفضل بينكم}، والفضل هُنا يكون ٣٧.٢٥ كيلو فضة عيار ١٠٠٠ بالسعر الحالى، أى مبلغ يتراوح بين ٦٠٠ و٨٠٠ ألف جنيه، وفى كل الحالات إذا رفض الأطراف الدية يكون طريق الحكم الوحيد هو؛ «القودة» أو ما يُعرف بتقديم الكفن».

وفيما يخُص أحكام نزاعات الجروح، أضاف «العقبى» أن التغريم فيها يُقدر بـ١٠٠٠ جنيه لـ«الرُزبة» الواحدة- الغرزة- إن كانت فى الرأس أو الجسد، أما إذا كانت فى الوجه فبأربعة أضعاف، وبالنسبة لقضايا السيدات «العار» فنحتكم فيها إلى التغريم حسب التخريب، وإن كان وَقَع فى حق السيدة جُرم فى حدود حرمة المنزل فيكون حقها أربعة أضعاف بدلًا من النصف.

لا وجود لها في القانون

من جانبه، قال المستشار رفعت السعيد، رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق، إنه حال كانت الجلسات العرفية عبارة عن لجان مُصالحات، تُشكل فى مراكز الشرطة لوضح حد للخصومات الثأرية أو حتى لحل المشكلات المدنية، يعُتبر أمرًا محمودًا فى النطاق العرفى السائد فى الريف المصرى، بشرط أن تكون تحت تنظيم ورعاية الدولة.

وأضاف: «لو كان هناك تنظيم فيما يخص تلك اللجان من قِبل الدولة، فإن ذلك يوفر وقتًا وجهدًا وتكاليف بالنسبة للجماهير، خاصة فى الريف والقضايا البسيطة؛ مثل امتناع مستأجر عن دفع إيجار أو امتناع مواطن عن سداد أجر حرفى وغيرهما من المشكلات، فى كل هذه المسائل لا مانع أن يتم اللجوء فيها إلى المجالس العرفية، لتوفير وقت الشرطة ووقت الناس، بشرط أن تكون منظمة».

ونَفى «السعيد» أن يكون للقضاء العرفى تأثير فى الجنائى، مؤكدا أنه لا يمكن أن تستعين النيابة بالمسوغ العرفى لتحريك دعوى جنائية، مؤكدًا أنه لا وجود للقضاء والمجالس العرفية فى فلسفة القانون الجنائى، إلا عن طريق لجان المصالحات؛ لأن النيابة العامة والقانون المصرى لا يعترفان بسلطة المجالس العرفية من الأساس.

وأضاف: «النيابة تعترف بالمجالس العرفية فى حالة الصلح فقط، لذلك لا بد أن يكون للمجالس العرفية ولجان المصالحات تنظيم فى المراكز والأقسام ونقاط الشرطة، عن طريق لائحة تنفيذية توضح عمل تلك الجلسات، ولا مانع أن يتولى رئاستها أحد وكلاء النيابة أو نائب المأمور فى كل مركز».

وأوضح «السعيد» أن المجالس العرفية كانت متواجدة قبل صدور الدولة والقوانين، عندما كانت قبيلة تغير على قبيلة أخرى، فكانوا يلجأون إلى المجالس العرفية لبحث أسباب هذه الإغارة ونتائجها وإعادة الأمور إلى حالتها الطبيعية، لكن بظهور الدولة والقوانين، التى يلتزم الجميع بتنفيذها، وعلى الرغم من ذلك؛ فإن كثرة المشكلات والنزاعات حاليًا جعلت البعض يلجأ إلى المجالس العرفية، بعيدًا عن السلطة الرسمية؛ الشرطة والمحاكم، لذا فإن تنظيم تلك الجلسات أضحى أمرًا ضروريًا.

على الجانب الآخر، يؤكد الدكتور فؤاد عبدالنبى الفقيه الدستورى، أن العُرف يُعتبر من مصادر القاعدة القانونية ولا يتعارض مع الدستور، كما أن الحكم العرفى مُلزم طالما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية والدستور، ووجوده لا يعنى تراجع دور القانون لأن الجلسات العرفية وأحكامها تُسيطر عليها البيئة المحيطة من عادات وتقاليد وموروث يحكم علاقات الأفراد ببعضها.

وأوضح: «لكن لا بد أن يتوافر فى الحكم العرفى ٥ شروط أساسية، وهى؛ أن تكون القاعدة المعمول بها فى الحكم؛ قديمة، ومستمرة ومتكررة، وعامة ومُجردة، وتنال احترام والتزام الأطراف المتنازعة والمُحيطة، وألا تتعارض مع نص تشريعى فى القانون أو الدستور، وفى حالة إن خالفت أو أخلت بأى من تلك الشروط الخمسة؛ فإننا نصبح أمام عُرف يُخالف النظام العام».

الاعتماد على أحكامها «كارثة»

قال محمد الكومى عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، إن الدور المهم للمجالس العرفية يأتى فى إطار استكمال دور القانون وليس استبداله، مضيفًا: «لا يمكن أن يحل كيان آخر محل دولة القانون، وبالتالى لن نوافق على أن تتحول الدولة المصرية إلى دولة حكم عرفى أو قبلى يغيب فيها القانون؛ لأن مثل هذه الدول انهارت كأفغانستان وليبيا وغيرهما، لذا لا بد أن نعلى دائما من القانون».

وتابع الكومى: «تأتى المجالس العرفية لكى تستكمل أدوارًا من الممكن أن تُفيد القانون أو مكملة لما يصبو إليه القانون، ونعارض تمامًا أحكام التهجير التى تصدر عنها أو التعويضات المالية المبالغ فيها، ولا بد أن تكون أحكامها موائمة للقانون ولا تتعارض مع الدستور المصرى، الذى يمنع تلك الممارسات الخاطئة ضد الحقوق الشخصية للمواطنين».

بينما رفضت نادية هنرى عضو مجلس النواب، أن يكون للجلسات العرفية دور يوازى دور القانون فى مصر؛ لأن وجود القضاء العرفى يمثل تحديًا لسيادة الدستور والقانون فى الدولة، موضحة: «إن كان لا بد من وجود جلسات عرفية فلا بد أن يقتصر دورها على الإصلاح بين العائلات أو المواطنين دون أن يكون لها أى دَخل بتحديد العقاب أو رفعه فى حالة النزاعات».

ومن جانبها قالت الدكتورة هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن المجالس العرفية مرتبطة بالبيئة القبلية والبيئة الريفية بدرجة كبيرة، باعتبارها آلية أساسية لحل المشكلات، خلقتها مرجعية «العتاب» بين العائلات، بعيدًا عن الشرطة والمحاكم، اللذين يمثلان مرحلة متأخرة فى فض النزاع.

وأضافت: «إذا رأى كل طرف أنه صاحب حق وغير معنى بالاعتذار، بعد تدخُل أطراف مجاورة لفض النزاع، هُنا؛ يلجأون إلى التحكيم العرفى عن طريق الاستناد إلى أشخاص مشهود لهم بالكفاءة والموضوعية وذوى قيمة مجتمعية بدرجة كبيرة ومدركين لقواعد التحكيم العرفى».

بينما أكد الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، أن بعض المناطق الريفية ما زالت تتعايش مع الأنظمة القبلية، التى لا يصح أن تستمر فى دولة عصرية يحكمها القانون، موضحًا: «لا يوجد بلد متطور فى العالم لديه؛ قعدات عرب ويعمل بنظامين قضائيين، أحدهما تقليدى والآخر قبلى رجعى».

ووصف «صادق» الجلسات العرفية بأنها شكل من التخلف الاجتماعى الذى يضرب بعض ربوع مصر، مضيفًا: «لا بد أن تسعى الدولة إلى فرض القانون على الجميع بدلًا من أن تترك التخلف، بل وتتعايش معه وتسانده أحيانًا، كما لو أننا نعيش فى العصور الوسطى».