الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس فايز فارس عن "خميس العهد": عداوة شيوخ الشعب اليهودي للمسيح واضحة

الكنيسة الأرثوذكسية
الكنيسة الأرثوذكسية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحتفل اليوم الكنائس المصرية بكل طوائفها، بذكرى ليلة العشاء الأخير، أو ما يطلقون عليه «خميس العهد»، والذي نعيش فيه أحداث درب الصليب، وطريق الآلام الذي مر به السيد المسيح.
وترصد «البوابة» الطقوس التي حدثت بالعشاء الأخير، بين ما قاله القساوسة المصريون والعرب، وكتابات وترجمات النص المقدس، إضافة إلى سرد الليلة الأخيرة التي عاشها السيد المسيح مع تلاميذه (الحواريين) قبل أن يسلم إلى يد اليهود. 
وقال القس فايز فارس، واصفا «العشاء الأخير» في كتابه في «رفقة المسيح»، تحت عنوان «عند العشاء الأخير»، بأنه كان في حجرة كبيرة مفروشة فى أحد بيوت أورشليم، ولأنها كانت في سطح البيت لذلك أطلقوا عليها اسم «علية»، والجو كان مكفهرا في تلك اللحظات، وكانت عداوة رؤساء وشيوخ الشعب اليهودي قد زادت إلى درجة كبيرة للسيد المسيح، أينما كان يذهب كان يجد من يتربص له لينتقده أو يشتكيه، والبغضاء ظاهرة في عيون الفريسيين، والحسد يأكل قلوب الكهنة، وكان يسوع يحس بهذا، وما أكثر ما احتمله من إهانات منهم، وها هو عيد الفصح قد جاء وأحس يسوع بحاجته إلى فرصة اختلاء منفردة مع تلاميذه، بعيدا عن العيون المتربصة، وأصوات النقد والشكاية، كان يريد أن يجلس مع أحبائه يكلمهم ويفتح لهم أعماق قلبه.
وكان المسيح يحس بأن أيامه على الأرض قد أوشكت على الانتهاء، وعندما كان يتحدث بذلك إلى تلاميذه، كانوا لا يفهمون قصده.
وأرسل المسيح اثنين من تلاميذه إلى داخل المدينة، إلى بيت معين، وحملهما رسالة تقول: «المعلم يقول أن وقتى قريب، عندك أصنع الفصح، وهو عيد من الأعياد اليهودية مع تلاميذي».
لقد تعجب التلاميذ من هذا التعبير «إن وقتي قريب» لقد أحسوا أن شيئا غريبا مخيفًا سوف يحدث لكنهم لم يعرفوا ما هو.
وذهب التلاميذ مع يسوع إلى ذلك البيت، وقابلهم صاحبه، والذي لم يكونوا يعرفونه، لكنهم أدركوا أنه أحد أحباء يسوع المجهولين، وما أكثر من كانوا يحبون يسوع دون أن يعرف ذلك أحد.
ويبدو أن يسوع اختار ذلك المكان لأنه رأى أنه غير معروف لعامة الناس ولرؤساء اليهود، وهنا يستطيع يسوع أن يفتح قلبه لأحبائه في الساعات الأخيرة من حياته على الأرض، وهنا- دون مقاطعة- يستطيع أن يأكل معهم الفصح لآخر مرة.
ويضيف القس فايز فارس في كتابه «في رفقة المسيح»: كان التلاميذ منشغلين بإعداد الفصح، وكل واحد منهم كان يعد شيئًا، بعضهم أخذ يجهز الفطير، ويبيد الخمير من البيت، طبقًا للتقاليد اليهودية.
وبعضهم كان يجهز أهم عنصر في الفصح وهو «خروف الفصح» وآخرون أعدوا إناء من الماء المالح لوضعه على المائدة، والبعض أعدوا مجموعة من الأعشاب المرة، ثم أعدوا نوعا من الحلوى عبارة عن خليط من التفاح والبلح والرمان والبندق، ثم وضعوا في هذا الطبق أعواد القرفة، وبعض التلاميذ أعدوا أربع كئوس من الخمر.
وكان الفطير يشير إلى سرعة خروجهم، بحيث لا يستطيعون انتظار اختمار الخبز العادي، فخبزوا فطيرا.
وكان الخروف يذكرهم بالأغنام التي ذبحها آباؤهم ورشوا دمها على العتبة والقائمتين ليعبر عنهم الملاك المهلك قاتل الأبكار، وكان الماء المالح يذكرهم بالدموع التى سكبوها وقت العبودية، ووضع أعواد القرفة تشير إلى القش الذى كانوا يستخدمونه في صنع قوالب الطين، مسخرين.
لقد كانوا يعيشون في الماضي تماما، كل شيء يذكرهم بما حدث منذ قرون عدة. لقد استحوذ الماضي على أفكارهم لدرجة أنهم نسوا كل شيء عن الحاضر، والمستقبل.
ويستكمل الكتاب قصة العشاء الأخير: جلس جميعهم على مائدة العشاء الأخير، كانوا يجلسون على الأرض، ويتكئ كل واحد منهم على يديه اليسرى ويستخدم يده اليمنى في تناول الطعام- كانوا جالسين على شكل نصف دائرة تقريبا، وكان يسوع «السيد المسيح عليه السلام» في الوسط، وعلى يمينه اتكأ يوحنا، وكنت تنظر إليه كأنه متكئ على صدر يسوع، وعلى يساره اتكأ يهوذا الإسخريوطي، وهكذا جلس باقي التلاميذ.
وكان يسوع يجلس ويفيض بعاطفة جياشة من الحب والحنان وهو يجلس معهم قبل أن يتركهم وكان ينظر إلى كل واحد منهم نظرة ملؤها الإعزاز والحب، وكانوا جميعًا صامتين ساكتين، وفتح يسوع فمه وقال لهم: «شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتالم».
وتحير التلاميذ من هذا الكلام، لكنهم سكتوا، ويبدو أن يسوع أراد أن يهيئ أذهان التلاميذ لما سيحدث له فقال لهم: «الحق أقول لكم إن واحدا منكم يسلمني».
ويضيف القس فايز فارس في كتابه: ويا ليتكم رأيتم أثر هذه العبارة في نفوس التلاميذ، لقد ساد صمت رهيب، لقد صدم هذا مشاعر التلاميذ، فلم يكونوا يتصورون أبدا أن واحدا منهم خائن، يسلم يسوع!! لا، لا يمكن أن يحدث هذا، ولكن يسوع قال لهم ذلك، فلا بد أنه يعرف أن هذا حقيقي، ولقد سبق أن اختبروا معرفته لأعماق نفوس البشر.
وملأ الحزن قلوبهم، وكانوا ينظرون كل واحد إلى الآخر وهم محتارون فيمن يكون هذا الشخص.
ثم ابتدأ كل واحد منهم يقول ليسوع: «هل أنا هو»، ونظر إليهم يسوع، وقال لهم: «واحد منكم.. نعم.. واحد ممن.. يأكلون معي.. ممن يغمسون أيديهم معي في الصفحة هو يسلمني».
وارتعش الجميع خوفًا ورهبة، واسترسل يسوع في كلامه «إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان، كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد».
وكان التلاميذ فى حزنهم يتساءلون: «هل هو أنا يا سيد»، ومن بين المتسائلين كان يهوذا الإسخريوطى فقد سأل: «هل أنا هو يا سيدي؟»، ونظر إليه يسوع، ومال عليه وهمس فى أذنه بكلمة، لم يسمعها التلاميذ إلا يوحنا الذي كان بجوار يسوع، وكان رد يسوع عليه «أنت قلت».
وظل التلاميذ في حيرتهم وحزنهم، وأومأ بطرس إلى يوحنا أن يسأل يسوع من عسى أن يكون هذا الشخص، واتكأ يوحنا على صدر يسوع وسأله بصوت هامس وقال له: من هو يا سيد؟ وهمس يسوع في أذن يوحنا قائلًا: «الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه».
وكان يسوع متعودا أن يغمس اللقمة ويعطي تلاميذه، وفي تلك اللحظة غمس اللقمة وأعطاها ليهوذا الإسخريوطي، ثم قال له: «ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة».
ولم يكن التلاميذ قد سمعوا همس يسوع، كل ما سمعوه أمره ليهوذا بالإسراع، فتصورا أنه يطلب منه شراء بعض الأشياء بمناسبة العيد أو تقديم بعض المال للفقراء، إذ كان الصندوق عنده، وخرج يهوذا الإسخريوطى من الحجرة.
وكانوا قد انتهوا من فريضة الفصح، ولعل يسوع أراد أن ينقلهم من الماضى السحيق إلى الحاضر ثم إلى المستقبل.
أمسك يسوع الخبز، وبارك، ثم كسر وأعطى تلاميذه قائلًا: لقد أكلتم من الفصح، وذكرتم خروف الفصح، تذكار خلاص من عبودية جسدية.
لكننى أوجه نظركم إلى ذبيحة أعظم، وخلاص أثمن، فكما أكسر هذا الخبز معكم الآن، هكذا سوف يكسر جسدي، لأخلصكم من عبودية الروح.
ثم أمسك الكأس وشكر قائلًا: «لقد ذكرتم دم الخروف الذى رش على الأبواب والعتبة لخلاص الأبكار من الملاك المهلك، لكني أريدكم من الآن أن تذكروا دمي. نعم دمى الذي سيسفك عنكم» هذا هو العهد الجديد.