الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

التحكيم العُرفي.. يبدأ بـ"سايرة الخير" و"وثيقة العمار".. وأطراف النزاع يختارون "صاحب البيت" من 3 مُرشحين.. و"الصُلح الأبيض" قبل الجلسة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

خطوات تكوين الجلسات العرفية فى مصر وصولًا إلى إصدار أحكامها معروفة، ومتوارثة، ومتفق عليها مُنذ عشرات السنين، حيث تبدأ بـ«سايرة الخير»، وهو قيام مجموعة من الناس بالتدخل لنزع فَتيل صراع بين طرفين، أو يزيد، ثم أخذ شرطً بالهدنة والاتفاق لحين جلوس الطرفين معًا، فيما يُسمى «شرط معاودة» أو «عمار»، يوقع عليه شخصان من طرفى النزاع، ومشروط أيضًا بدفع مبلغ مالى ضخم فى حالة عدم الالتزام بمدة العمار المُتفق عليها، والتى تتراوح بين أسبوع وشهر، حسبما أكد الحاج ربيع السنوسى، مُحكم عرفى.

المحكمون وراعى البيت

وأوضح السنوسى: «سايرة الخير عادة ما تكون من أهل الخير المُحيطين بطرفى النزاع، سواءً كانوا جيرانًا أو أقارب أو أطراف خارجية تسعى للصُلح، وحتى أخذ شرط العمار أو المعاودة ينتهى دورهم بالاتفاق مع أطراف النزاع على اختيار كُل منهم لمُحكمين أو ثلاثة أو يزيد، ثم اختيار المُرجح أو ما يُسمى بـ«صاحب البيت»، من بين ثلاثة اختيارات تُطرح عليهم، لأن هيئة التحكيم العرفى تكون عددًا فرديًا، يبدأ من القاضى الوحيد، ثم ٣ أفراد أو يزيد، وذلك لترجيح الحكم».

وأضاف: «فى حالة إن كان هناك أشخاص من طرفى النزاع مقبوضا ومُتحفظا عليهم لدى الشُرطة، تتواصل سايرة الخير مع المركز أو القسم التابع لهم، لإخراجهم بعد إبلاغ مأمور المركز أن طرفى النزاع ارتضوا بالتحكيم العرفى»، وأضاف: «لا ننكر هُنا أن الشرطة تتعاون معنا بالكامل لإتمام خطوات الجلسات العرفية، لدرجة أنها ترسل قوة أمنية لحماية الجلسات مُنذ بدايتها، أو حتى الضغط على الطرف الذى يستعصى على سايرة الخير فى أخذ توقيعه على هدنة العمار».

محضر جلسة عُرفية

تبدأ الجلسة العرفية بقراءة الفاتحة، ثم عرض «الصُلح الأبيض» على طرفى النزاع، وتابع: «نبدأ الجلسة بكتابة ورقة تُسمى «محضر الجلسة العرفية شرط جزاء»، يُسجل فيها التاريخ والحضور من المُحكمين وأطراف النزاع والمُرجح، ونثبت فيها أيضًا أنه حدث نزاع أو اشتباك أدى إلى وقوع أضرار على الطرفين، وأن السايرة العرفية تدخلت لوقف نزيف الدم بعد مثول الطرفين إلى القضاء العرفى للفصل بينهم، وأنه تم عرض الصُلح الأبيض من السادة المحكمين وراعى البيت ولم يرتضوا به وأصروا على سرد الحُجج بينهم وأخذ كُل ذى حق حقه امتثالا لقوله تعالى {إن الله يأمر بالعدل».

وبعد سماع الحُجج وتسجيل النقاط المهمة فى محضر الجلسة، يدخل المحكمين إلى «المخلاوية»، غرفة مداولة هيئة التحكيم، لسماع الشهود كُلّ على حدة وبعيدًا عن طرفى النزاع، لتكون شهادتهم سرًا لا يخرُج عتبة المخلاوية، وبناءً على شهادة الشهود وسرد الحُجج يبدأ المحكمان فى النقاش معًا لمدة قد تصل إلى ٥ ساعات حتى يخرجا حكمًا عادلًا يُرضى جميع الأطراف. ويُكمل: «نكتب فى محضر الجلسة نص الحكم النهائى بصيغة مُحددة وهى؛ إن الحكمُ إلا لله، بسم الله ثم باسم الشعب، حكم السادة المحكمين وراعى البيت؛ بأن طرف أول يقوم بكذا وكذا، مثلًا؛ دفع مبلغ نتيجة أخطاء وقعت فى حق الطرف الثانى».

٣ أحكام للعُرف

عن طبيعة أحكام الجلسات العرفية، أوضح «السنوسى» أن الحقوق- الأحكام- أربعة، تبتعد هيئة تحكيم المجلس العرفى عن أحدها، وهو حكم؛ العين بالعين، لتسير فى الثلاثة طُرق الأخرى، إما الدية أو القودة أو التغريب. وأضاف: «فى المجالس نلجأ إلى الحق المادى، الدية، وهو حق مشروع، أو تقديم الكفن «القودة»، وهو حق معنوى يحفظ لأحد طرفى النزاع كرامته بين الجيران، باختيار حامل الكفن من الطرف الآخر، والذى غالبًا ما يكون أكبرهم وأوقرهم وأفضلهم، ثم يأتى «التغريب» كطريق ثالث فى حكم المجلس العرفى». ويواصل السنوسي: «التغريب أخذناه عن النبى محمد- عليه الصلاة والسلام- فى قاتل عمه، سيدنا حمزة، حينما جاءه القاتل يُعلن إسلامه فقال له النبى: «ارتضيت إسلامك شريطة ألا أراك»، على أن يُغرب القاتل فقط، وليست العائلة بالكامل، وألا يكون التغريب خارج المحافظة، بل خارج الحى أو المنطقة، تجنبًا للاحتكاك».

وتابع المحكم العرفى: «نحن لسنا بأولى أمر، وبالتالى لا يصلح أن نحكم على سارق مثلًا بقطع يديه، أو نحكم على زانٍ بالرجم أو الجلد ١٠٠ جلدة، لكن قد نحكم عليه بزواج السيدة التى زنى بها إن كانت مُطلقة أو أرملة أو فتاة بكر، ودائمًا ما نحاول أن تكون الأحكام بالدليل المادى متمثلة فى التعويضات المالية».

إيصالات على بياض

وتستند المجالس العرفية فى قوة تنفيذ أحكامها على «إيصالات الأمانة» والاشتراطات المأخوذة على الطرفين قبل بدء الجلسة العرفية، وغالبًا ما تكون على «بياض» أو مبالغ مالية ضخمة، وفى حالة إن أَخَل أحد الأطراف بالتنفيذ، يتم تحرير محضر بتلك الإيصالات واتخاذ دورتها فى القضاء، لتنتهى بالسجن ٧ أعوام على الأقل للطرف الرافض لتنفيذ الحكم، بحسب السنوسى.

التنازل عن القضايا

وعن مميزات الجلسات العرفية، قال السنوسى إنها تنتهى بتصالح الأطراف بعد إصدار حكم الجلسة مباشرة دون أن يحمل كل منهم ضغينة للطرف الآخر، موضحًا: «الطرفان يوقعان على الموافقة على الحكم قبل أن يسمعاه، وهناك بند فى المحضر أيضًا؛ يضمن التنازل عن القضايا بين الطرفين خلال أسبوع من تاريخ حكم الجلسة، كما أنها لا تستغرق وقتًا كبيرًا كما يحدث فى حالات التقاضى العادى، الذى يتسم بالتباطؤ وقد يتم التلاعب فى قراراته بسبب تحريات المباحث الخاطئة».

٢١ عامًا مَرت مُنذ أن دَخل «السنوسى» أول جلسة عرفية كواحد من أعضاء هيئة التحكيم، ومن وقتها يتَدخل للفصل والصلح فى ما يُقارب ٢٠٠ قضية سنويًا، جميعها دون مُقابل مادى، تطوعى، لـ«وجه الله»، بعضها ينتهى من أول جلسة عرفية، والبعض الآخر، كقضايا الثأر، يظل مُستمرًا للفصل فيه لمدة تُقارب العام ونصف العام، فبعض القضايا غير مُمهدة بالورود- على حد قوله.