الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

سهيل سعود يكتب: "ما وراء غسل الأرجل"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خميس الغسل
"ما وراء غسل الأرجل"
تُسمّي بعض الكنائس الشقيقة يوم خميس، أسبوع الآلام، بخميس الغسل، وذلك تيمنًا بغسل المسيح لأرجل تلاميذه، لكن إذا ما تأملنا بنص غسل الأرجل (يوحنا 13:1-20)، نرى أن فعل الغسل الذي قام به المسيح، قد حدث في سياق روحي واجتماعي، يعطي الفعل، معنى أوسع وأعمق وأبعد، من ذات الفعل. 
يبدأ القديس يوحنا قصة الغسل، بمقدمة هامة تهيئ للفعل. يقول: "إن يسوع قبل عيد الفصح وهو عالمٌ أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم الى الآب، إذ كان قد أحبّ خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى" (يو 1:13). هناك أمران مهمان يجب ملاحظتهما في هذه المقدمة. الأول، أن فعل الغسل تمّ عندما حلّت ساعة المسيح لينتقل من هذا العالم بموته وقيامته. والثاني، نوعية العلاقة التي تربط المسيح بخاصته التي هي علاقة محبة الى المنتهى. 
فعندما كان يسوع، في العشاء الأخير مع تلاميذه. قام عن المائدة وأخذ منشفة واتزر بها. ثم صب ماءً في مغسل وابتدأ بغسل أرجل تلاميذه ويمسحها بالمنشقة، الى أن غسل أرجل جميع التلاميذ (يوحنا 13: 4-10). ان المفتاح الأساسي لفهم ما قام به المسيح، يكمن في سؤاله لتلاميذه: "أتفهمون ما قد صنعت بكم؟ "
إن غسل الأرجل على زمن المسيح، كان عملًا يقوم به العبيد، بناء لطلب ساداتهم وأرباب بيوتهم، فيغسل العبيد أرجل الأصدقاء الذين يأتون لزيارة أصدقائهم، وذلك لسببين: الأول لينظفوها من غبار الطريق، والثاني، ليعبّروا لهم عن حفاوة استقبالهم في بيوتهم، ورغبتهم في اقامة علاقة حميمة معهم. بهذا الفعل كانت تسقط وتزول كل الحواجز والعوائق والمسافات بين المضيف والضيوف. بعد انتهاء المسيح من غسل أرجل تلاميذه، قال لهم: "أنتم تدعونني معلمًا وسيدًا وحسنًا تقولون لأني أنا كذلك. فإن كنت أنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم، فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض"(يو 13:13). 
فالأعراف والأصول الاجتماعية، إن كان في الماضي أو في الحاضر، كرّست، وتكرّس تبجيل وتكريم وخدمة المعلم والسيد. الجميع في خدمة السادة والمسؤولين والقيادات. وهذا ما يتوقعونه السادة من الناس، لكن المسيح رفض هذا المفهوم الاجتماعي رفضًا قاطعًا. قال المسيح لتلاميذه، "إن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخْدَم بل لِيَخْدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (متى 28:20. هذه هي الهوية التي أراد أن يقترن بها المسيح. عندما وصل المسيح الى بطرس ليغسل رجليه، رفض بطرس قائلًا، "يا سيد أنت تغسل رجلي". فقد أراد بطرس أن يلتزم بالأعراف والأصول الاجتماعية السائدة آنذاك، والتي لا تزال سائدة اليوم، والتي تشدد على أنه يجب التعاطي مع المعلم فقط كمعلم وسيد، وليس كخادم. لهذا أجابه المسيح: "يا بطرس لست تعلم الآن، ما أنا أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد" (يو 7:13). وعندما قام المسيح بمحاولة ثانية، أصّر بطرس ثانية على عدم السماح له بغسل رجليه،قائلًا: "لن تغسل رجلي أبدًا" (يو 8:13). عندها أجابه المسيح جوابًا قاسيًا جدًا، قائلًا له: "إن كنتُ لا أغسلك، فليس لك معي نصيب" (يو 8:13). حذّر المسيح بطرس من امكانية خسارته للنصيب معه في ملكوت الله، ان هو أصرّ على موقفه. لكن عندما سمع بطرس إجابة المسيح القاسية، تأكد أنه لا بد أن هناك معنى ما، أبعد من الحدث، وحقائق روحية حول ملكوت الله تتجاوز فعل الغسل، عندها قبل بطرس بأن يغسل المسيح رجليه، قائلًا له: "يا سيد ليس رجلي فقط بل أيضًا يدّي ورأسي" (يو 9:13). وهكذا بقبول بطرس للمسيح في دوره المفاجىء هذا كسيد خادم، حصل بطرس على فرحة المشاركة في نصيب ملكوت الله. 
في عالم التربية والقيادة، أدخل حديثًا مفهوم جديد استمد من مفهوم يسوع المسيح للقيادة، هو القيادة الخادمة (Servanthood Leadership). يشدد هذا المفهوم الجديد على أن القائد والرئيس في أي مؤسسة تربوية هو قبل أي شيء خادم، يقدم لجميع الذين يعملون معه مثالا في الخدمة. فرسالة القيادة الخادمة هي الرسالة التي أراد المسيح أن يوصلها لتلاميذه في الماضي ولنا اليوم وفي اللحظات الأخيرة قبل توجهه الى الصليب ليعلن لتلاميذه بأن عن الأهمية القصوى للخدمة في ملكوت الله. قال المسيح "من أراد أن يكون فيكم عظيمًا، فليكن لكم خادمًا. ومن أراد فيكم أن يكون أولًا، فليكن لكم عبدًا" (يوحنا 13: 25). وبقوله هذا، وضع الرب يسوع المسيح مفهومًا جديدًا للخدمة، يتعارض مع المفهوم السائد في المجتمعات. تجد الناس في المجتمعات العظمة في التسلط والمراكز والسيادة على حياة الناس، لكن يقول المسيح: "لا يكون هكذا فيكم". فالعظمة بمفهوم المسيح، هي في خدمة الناس لا سيما المتألمين والمحتاجين منهم، في غسل أرجلهم الناس، "فمن أراد أن يكون فيكم أولا، فليكن لكم عبدا". 
قال احد اللاهوتيين: "عندما تجسد جماعة الإيمان محبة المسيح بخدمتها للآخرين، فهي لا تكشف فقط عن حقيقة هوية يسوع المسيح، لكنها تخلق هوية جديدة لها. هوية تؤكد أن المشاركة في حياة المسيح تقتضي المشاركة في خدمة الآخرين".