السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

قبل أن يكمل عامه الأول.. ماكرون يواجه ربيعًا اجتماعيًا قاسيًا

الرئيس الفرنسي إيمانويل
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل أن يكمل عامه الأول على عرش الإليزيه، يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذه الأيام تحديا صعبا واختبارا حقيقيا مع بدء سلسلة من الإضرابات التي دعت إليها النقابات العمالية الرئيسية في قطاع السكك الحديدية وبدأت أولى إضراباتها أمس، أو ما أطلق عليه "الثلاثاء الأسود"، لتكون بمعدل يومين كل خمسة أيام وتستمر حتى نهاية يونيو، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى حالة من الفوضى والارتباك في مختلف أنحاء البلاد.
جاءت حركة الإضراب احتجاجا على الإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس ماكرون لتحويل الشركة الوطنية للسكك الحديدية "اس ان سي اف" إلى شركة مساهمة تحقق أرباحا مثلما يشترط قانون الاتحاد الأوروبي، وهو ما اعتبره كثيرون تمهيدا لخصخصتها رغم نفي الحكومة نيتها القيام بذلك.
ويخشى موظفو السكك الحديدية إلغاء الوضع الخاص الذي يحظون به والذي يوفر لهم ضمانات وظيفية مدى الحياة، من بينها زيادة سنوية تلقائية وسياسة التقاعد المبكر السخية، في الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة ضرورة القيام بعملية الإصلاح لإنعاش الاقتصاد ومواجهة عبء الديون الثقيل الذي تحمله الشركة ووصل إلى 46.6 مليار يورو، مشيرة إلى "أن تكلفة تسيير قطار في فرنسا أعلى بثلاثين بالمئة من أي مكان آخر".
وفي اليوم الأول للإضراب شارك أكثر من ثلاثة أرباع سائقي القطارات وثلث العاملين في شركة "اس ان سي اف" وتم تسيير قطار واحد فائق السرعة "تي جي في" من أصل ثمانية، فضلا عن خُمس القطارات المحلية وهو ما تسبب في اضطراب حركة النقل في البلاد، وتتوقع الشركة الوطنية أن يكون ذلك أحد أكبر الإضرابات في فرنسا منذ سنوات خاصة مع إعلان موظف من كل اثنين تقريبا المشاركة فيه.
وانضم إلى عمال السكك الحديدية في إضرابهم أمس موظفو جمع النفايات وموظفو قطاع الطاقة، كما شارك في الإضراب موظفو شركة "ايرفرنس" للمرة الرابعة خلال شهر لإعطاء زخم لموجة الاستياء والمطالبة بزيادة في الأجور بنسبة 6%.
ومن المقرر تنظيم إضراب 3 أيام أخرى في 7 و10 و11 أبريل، وهذه الإضرابات غير مرتبطة مباشرة بإصلاحات ماكرون، لكنها تساهم في تشديد الضغط على الحكومة.
ويرى المراقبون أن ملف إصلاح السكك الحديدية يمثل أمرا حاسما ومصيريا لكل من الرئيس الفرنسي والنقابات العمالية، فمن ناحية، يبدي ماكرون تمسكا شديدا بخططه الإصلاحية ومن بينها تلك المتعلقة بشركة السكك الحديدية حيث أن هذا الملف كان دائما مثار جدل وقد تراجعت أمامه العديد من الحكومات الفرنسية السابقة، من أبرزها حكومة آلان جوبيه عام 1995 التي اضطرت إلى تغيير موقفها أمام الإضرابات التي اجتاحت البلاد على مدى أسابيع. 
وبناء على ما سبق من المستبعد أن يبدل ماكرون موقفه إزاء هذه المسألة حيث إن ذلك من شأنه أن يؤثر على مصداقيته ويؤدي إلى اهتزاز صورته أمام المواطنين، أما في حالة نجاحه في الصمود أمام النقابات فإن ذلك سيرسخ مكانته أمام شعبه ويساعده في المضي قدما بخطوات ثابتة في مسيرته الإصلاحية التي تشمل أيضا إصلاح نظام المعاشات والتعليم.
من ناحية أخرى، تراهن النقابات عل قدرتها على الصمود أمام الحكومة في ملف إصلاح السكك الحديدية معتمدة على تأييد الرأي العام لها، وبالتالي تنظر إلى هذا الملف وكأنه اختبارا لقوتها إن أرادت التأثير مستقبلا على ملفات أخرى تخص العاملين بالدولة ونظام المعاشات، كما ترغب النقابات في التشديد على فكرة أن المساس بقطاعات حيوية مثل قطاع السكك الحديدية، يمثل خطا أحمر لا يجب على الفرنسيين التنازل عنه.
وأيا كان الطرف الذي سيخرج فائزا في معركة توازن القوى التي تشهدها فرنسا حاليا، فإن المشهد الراهن يكشف عن أن الرئيس ماكرون يواجه ما يمكن أن نطلق عليه "ربيعا اجتماعيا قاسيا"، والمتمثل في اتساع نطاق الاحتجاجات والإضرابات اعتراضا على الخطط الإصلاحية، وهو أمر لم تشهده البلاد منذ سنوات طويلة ويشكل مؤشرا رئيسيا في تحديد ملامح المرحلة القادمة في ولاية ماكرون الرئاسية، فإذا نجح في المضي قدما في مسيرته الإصلاحية والتغلب على المعارضة، فإنه سيعزز مكانته ويفتح المجال أمام إصلاحات أكثر جذرية، أما إذا تراجع أمام معارضيه ورضخ لحركة الإضرابات فإنه سيفقد الكثير من أسهمه السياسية وثقة مؤيديه، وهو ما سيؤثر سلبا على سياساته خلال السنوات المتبقية من حكمه.