السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الديمقراطية الموؤودة.. بأي ذنب قتلت؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل المصريون جاهزون للممارسة الديمقراطية؟!،سؤال دأبت الأنظمة السياسية على إجابته بالنفى واضعة فى اعتبارها عدة معطيات منها ارتفاع نسب أمية القراءة والكتابة، وزيادة معدلات الفقر، وضعف الأحزاب السياسية، وغياب النخبة الواعية، ما يعنى شيوع الأمية الثقافية والسياسية بين مختلف الشرائح الاجتماعية بما فى ذلك فئات المثقفين والسياسيين الذين يشكلون قوام النخبة المصرية.
فى المقابل احتفظت النخبة بإجابة واحدة مفادها أن المصريين جاهزون للممارسة الديمقراطية طوال الوقت وبغض النظر عن أية عوامل.
إقبال المصريين غير المتوقع على صناديق التصويت مستوى من الوعى السياسى يؤهلهم للممارسة الديمقراطية.
لكن التنافس داخل صناديق الاقتراع يعد ذروة اكتمال شكل المجتمع الديمقراطي، وتسبق هذه الذروة مراحل تشكل الوعي، والفهم لقيم الديمقراطية الحقة، متمثلة فى القدرة على نقد الذات وقبول رأى الآخر فيها، وهى قيمة تقود حتما إلى فهم وممارسة قيم التسامح وقبول الآخر، والاعتراف بتعدد المصالح والروئ، ومن ثم تطور القدرة على فهم الواقع، والفصل بين المصلحة الخاصة والصالح العام، بل والقدرة على تطويع مصلحة فئة ما أو طبقه بعينها بحيث تتوافق مع الصالح العام دون أن تتعارض أو تتناقض معه.
هذه المراحل وغيرها التى تساهم فى تكوين المجتمع الديمقراطى لا تتحقق إلا من خلال تنظيمات اجتماعية وسياسية ينتظم المواطنون الفاعلون داخل أطرها، وهى ما نسميه بالمجتمع المدنى فى تعريفه الشامل والذى يضم النقابات المهنية والعمالية والأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية التنموية والمؤسسات الحقوقية بالإضافة إلى وسائل الإعلام.
وكلما صح بنيان تلك التنظيمات وأسس على قواعد ديمقراطية زادت قدرة المجتمع فى مجملة على اجتياز مراحل الوعى والفهم التى تؤهله لممارسة الديمقراطية فى شكلها الأخير.
هنا يطرح السؤال الصحيح هل النخبة مؤهلة لممارسة الديمقراطية؟!،الإجابة فى ظنى لا، فقد وئدت هذه النخبة الديمقراطية بينما كانت جنينا أخذ فى التشكل داخل رحم الدولة، وتخلت عن مسئوليتها فى نقض نخبة الخمسينيات والستينيات ومحاولة فهم الواقع السياسى والاجتماعى والاقتصادى والثقافى الذى جد على مصر مع تولى الرئيس الراحل محمد أنور السادات وتمسكت بأجندة ومنهج نخبة الستينيات وقبضت عليه كالقابض على الجمر لتحوله إلى مجرد شعارات جامدة جعلت منها معيارا تقيس به الواقع المتغير.
قوام هذه النخبة فى أغلبه من الناصريين واليساريين الذين رفضوا الإصلاحات السياسية والاقتصادية التى شرع الرئيس السادات فى إدخالها على المجتمع المصري، وجعلوا من تجربة الستينيات كتابا مقدسا لا يمكن الاقتراب من نصوصه بالنقد والتحليل لمراجعة الأخطاء وإصلاحها بروئ جديدة تتواءم مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، فلم تستوعب فكرة المنابر ثم عودة الأحزاب على النحو المطلوب ولم تع أن الإصلاحات الاقتصادية التى أجراها الرئيس السادات باتجاهه نحو السوق الحرة والانفتاح الاقتصادى على العالم، مقدمة ضرورية لبناء مجتمع يؤمن بتعددية المصالح الاقتصادية، ومن ثم تعددية الروئ السياسية، فكانوا جزءا من وقود ما أسميها بانتفاضة الحمقى فى (19-18) يناير 1977،إذ من الطبيعى أن تثور الجماهير دفاعا عن الدولة الأبوية التى توفر كل شىء بالمجان لكن ليس من الطبيعى أن تنساق النخبة وراء الجماهير لرفض إصلاحات أدى تأخرها أربعين عاما إلى الأوضاع الاقتصادية التى نعيشها اليوم.
الفيلسوف الماركسى الإيطالى أنطونيو جرامشى وبتعريفه للمثقف العضوى هو من قال بسقوط هذه النخبة وانعدام صلاحيتها، فوفقا لجرامشى يصبح المثقف مثقفا عضويا اذا كان قادرا على نقد ما سبقه، ونقد واقعه وذاته ليكون قادرا على تقديم رؤية تناسب الحاضر وتتطلع للمستقبل.
من أدلة سقوط النخبة انهيار أغلب الأحزاب السياسية المعارضة الكبيرة التى نشأت فى حقبة مبارك وفى القلب منها الحزب الناصري، عجز النقابات المهنية والعمالية والمؤسسات الحقوقية عن القيام بدورها، حيث إدارتها النخبة بطريقة أحالتها إلى منابر سياسية، وتحالفها المتواصل مع جماعة الإخوان الإرهابية وتبنى خطابها فى نقد الدولة، بخلاف عامل المصلحة الشخصية الذى يحكم أداء وسلوك مكونات هذه النخبة والذى كان سببا فى تدمير أحزاب وإغلاق صحف، والتفويت على مصر فرصة بناء مجتمع مدنى ديمقراطى حديث، حتى أن البناء الداخلى لأغلب الأحزاب السياسية والمؤسسات الحقوقية أسس على قواعد ترسخ لديكتاتورية رئيس الحزب أو المؤسسة وهذا ما يفسر بقاء معظم رؤساء الأحزاب والمؤسسات الحقوقية على رأس بنائها الهرمى حتى وفاته أو تجميد حزبه.
ذات العيوب تعانيها النخبة التى تؤيد النظام السياسى الحالى فقد جبلت على التأييد دون وعى بحقيقة ما يجرى ودون أدنى قدرة ليس على نقده بل وحتى شرحه وتفسيره للرأى العام.
------
كوتيشن: المجتمع الديمقراطى لا يتحقق إلا من خلال تنظيمات اجتماعية وسياسية ينتظم المواطنون الفاعلون داخل أطرها، وهى ما نسميه بالمجتمع المدنى فى تعريفه الشامل والذى يضم النقابات المهنية والعمالية والأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية التنموية والمؤسسات الحقوقية بالإضافة إلى وسائل الإعلام