الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قديس الصحافة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ودعنا منذ أيام قليلة الكاتب والصحفى الكبير لويس جريس (27 يوليو 1928- 26 مارس 2018).. هذا الرجل النبيل الذى وصفه المقربون بالقديس، وهو ما كنا نستشعره بالفعل من لقاءاته التليفزيونية القليلة، والتى كنا نستمتع بها وبأسلوبه السلس والممتع، وإن كانت أغلب اللقاءات التى كان يتم استضافته فيها فى السنوات الأخيرة للحديث عن زوجته الراحلة، وهى بالطبع عملاقة الفن سناء جميل التى تركت بصمة لا تمحى فى ذاكرة السينما والتليفزيون.
وكان هو مثالا نادرا للإخلاص والوفاء والحب لها، منذ زواجهما فى منتصف الستينيات، وحتى بعد رحيلها عام 2002، فظل لمدة ستة عشر عاما محبا لها ووفيا لذكراها.. وكان الرباط الوحيد بينهما طوال هذه السنوات هو الحب.. فقد احترم رغبتها فى عدم الإنجاب، رغم أنها ندمت بشدة بعد ذلك!!.. ومنذ رحيلها كان مصرا على الاحتفال بذكرى ميلادها.. وكان دائما يرسل كلماته الرقيقة لروحها الطاهرة، وكأنه يعلمنا كيف يكون الحب والرومانسية وتزاوج الأرواح حتى ولو افترقت الأجساد.. ولكن بكل أسف لم يع الكثيرون، خاصة الأجيال الجديدة قيمة هذا الرجل من الناحية الأدبية والثقافية.
إنه أحد عمالقة الصحافة فى أزهى عصورها، تتلمذ على يد آباء المهنة الكبار، وعاصر أهم القامات الصحفية والأدبية فى عصره.. كما كان له الفضل على كبار الكتاب والصحفيين فى عصرنا الحالى، والذين تتلمذوا على يديه أو كان هو أول من منح لهم الفرصة، فكانوا يحكون عن مدى تشجيعه للشباب، فلم يتعال أو يغلق بابه فى وجه أحد، بل كان يحمسهم ويدفعهم للنجاح.. وكما وجد من يمدون أيديهم إليه فى بداياته، كان يمد يده للجميع.. ولولا إخفاقه فى تحقيق حلمه الأول بالالتحاق بكلية الطب بسبب المجموع، ربما لم تكن لتظهر موهبته الصحفية الرفيعة.. حيث التحق بكلية العلوم وأصبح عضوًا بفريق الصحافة فيها، وطُلب منه أن يجرى حوارًا مع أحد الأساتذة العائدين من أوروبا، وبعد أن رأى اسمه يتصدر الحوار، شعر بأنه قد وجد نفسه فى هذه المهنة، فقرر ترك كلية العلوم، والتوجه لدراسة الصحافة.. وبالفعل أقنع والده بالالتحاق بالجامعة الأمريكية، والتى حصل منها على بكالوريوس الصحافة والأدب عام1955.. ثم قرر استكمال دراسته فى جامعة ميتشجان وحصل على دبلوم الدراسات العليا عام 1958.
وقد بدأت رحلته المهنية فى مؤسسة التحرير- التى كان الرئيس أنور السادات رئيسًا لها- حيث عمل بها لمدة ثلاثة أشهر، ثم انتقل إلى «دار الهلال»، وبعد أن تعرف على الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، الذى كان يرأس تحرير مجلة «صباح الخير»، بدأت رحلته الطويلة التى امتدت لعقود فى هذه المجلة التى تميزت بأسلوبها الرشيق، فعمل محررا بها بدءًا من عام 1961.. وجاءته الفرصة بعد اضطرار بهاء الدين للسفر، والذى لم يجد خيرا من الصحفى الشاب ليترك له أمر المجلة، فصار جريس مديرًا للتحرير، ثم رئيسًا للتحرير عام 1968 خلفا للشاعر المبدع صلاح جاهين، أى بعد 7 سنوات فقط من عمله كمحرر بها، وفى عام 1971 أصبح مراسلًا بمجلتى «روزاليوسف» و«صباح الخير» من الأمم المتحدة، ثم شغل منصب العضو المنتدب لـ«روزاليوسف» منذ 1972 وحتى 1980، ثم عاد بعدها ليترأس تحرير مجلس «صباح الخير» منذ 1982 وحتى 1989.
وقد كان من بين المناصب التى تقلدها عضوية المجلس الأعلى للصحافة، وعضوية لجنة الصحافة بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضوية لجنة الرقابة العليا على المصنفات الفنية.. كتب العديد من القصص القصيرة، بالإضافة لبعض الترجمات.. وقد أجرى العديد من الحوارات الهامة مع شخصيات عديدة، كان من أهمها حواره مع الزعيم الكوبى فيدل كاسترو، ورفيقه فى الكفاح المناضل الثورى شى جيفارا، وذلك أثناء زيارته لكوبا عام 1975.. وقد روى باعتزاز عن الكلمات التى وجهها كاسترو له: «أنت يا مصرى قوم فز.. أنا عايز أزور بلادك.. ليس لكى أشاهد أبو الهول أو الأهرامات.. ولكن لكى أطلب لقاء الفلاح المصرى، وأصافحه لأهنئه لقيامه بزراعة الأرض أربع مرات فى السنة، وهذا يوفر الغذاء لأبناء مصر وغيرها من البلدان المجاورة..الفلاح المصرى هو المعجزة الحقيقية لمصر وليست الأهرامات أو أبو الهول.. اهتموا بالفلاح عندكم فهو الكنز الذى يعطيكم الغذاء ويجعلكم لا تحتاجون لشراء الغذاء من البلدان الأخرى.. الفلاح المصرى هو الذخيرة التى يجب أن تحرص عليها مصر فى كل وقت وفى جميع العصور».. وبكل أسف لا نملك من مؤلفاته ومقالاته سوى القليل!!.. لذلك نتمنى أن تقوم مؤسسة روزاليوسف بتجميع أعماله الكاملة من مقالات وحوارات ومؤلفات، حتى نتعلم ونستفيد من أسلوبه الصحفى المتميز والرصين.. وحتى تظل تلك الكتابات القيمة باقية للأجيال القادمة.. وأعيد مناشدتى للجهات الثقافية والإعلامية المعنية بالاهتمام بالقامات الكبيرة فى كافة المجالات، ومحاولة تحقيق الاستفادة المثلى منهم قبل أن يرحلوا عن دنيانا، فكل منهم لديه من الخبرات المهنية والحياتية ما يمكن أن يفيدنا فى حل مشكلاتنا، كما أننا فى أشد الحاجة للقدوة والمثل العليا التى يمكن أن نستلهمها من هؤلاء القامات الرفيعة، حتى لا نظل نبكى على اللبن المسكوب!!