الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

المغربي رشيد أيلال مؤلف "صحيح البخاري.. نهاية أسطورة" في أول حوار لصحيفة مصرية: قوى الظلام تستخدم الكتاب كبديل عن القرآن

المغربى رشيد أيلال
المغربى رشيد أيلال
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكد الكاتب والصحفى المغربى، رشيد أيلال، أن التيار الظلامى يقف وراء محاربة الفكر وتنقيح التراث الإسلامى، لافتا فى أول حوار مع صحيفة مصرية، عقب أزمة مصادرة كتابه «صحيح البخارى نهاية أسطورة»، إلى أن أسبابا خفية وراء قرار منع كتابه، فى ظل وجود العديد من الكتب التى تفوق كتاب «صحيح البخارى نهاية أسطورة» جرأة، بل فيها ما يهاجم الدين الإسلامى بشكل مباشر، مشددا على أن الفكر السلفى بحاجة إلى التطور ومواكبة العصر، معتبرا أن أفكار محمد بن عبدالوهاب وسيد قطب ملهمة للعنف وتكفير الآخر، مثمنا دعوة الرئيس السيسى لتجديد الخطاب الدينى.
■ ما آخر التطورات فى أزمة كتاب «صحيح البخارى نهاية أسطورة»؟
- أصبحت كل لحظة من اللحظات تحمل جديدا لا يسر طبعا، فيما يخص كتاب «صحيح البخارى نهاية أسطورة»، فبعد منع حفل التوقيع بإغلاق القاعة التى كانت مخصصة له فى وجهنا من طرف عمدة مراكش المحسوب على حزب إسلامى، وبعد مضايقة مراسلة قناة «الحرة» بالمغرب، من طرف رئيس منطقة المنارة بمراكش، عندما كانت تسجل معى حوارا حول الكتاب، وبعد فتاوى إحراق الكتاب وهدر دمى، من طرف قوى الظلام، وبعد منع ندوتين كنت مشاركا فيهما، الأولى بمراكش والثانية فى مدينة بنجرير، جاء حكم قضائى بحجز نسخ الكتاب من مكتبة «آفاق» بمراكش، وبعدها تقوم السلطات بحجز نسخ الكتاب من مكتبة «شاطر» بحى جليز بمراكش أيضا بدون أى سند قانونى، ولا أدرى إلى أى مدى ستصل المضايقات المتواصلة التى لا تنسجم مع روح الدستور المغربى، ولا تنسجم مع توجهات الدولة، التى قطعت أشواطا مهمة فى سلك الحريات والتى أصبحت مضرب المثل عربيا ودوليا ومصدر فخر للمغاربة.
■ كيف ترى الحكم الصادر بحقكم فى مصادرة الكتاب؟
- أراه حكما خاطئا ومجحفا، ولا ينسجم مع توجهات المغرب ملكا وشعبا، لا سيما وأن هذا القرار يعد سابقة خطيرة فى القضاء المغربى، الذى لم يتورط أبدا فى منع كتاب من التداول، والمكتبات المغربية تعج بالكثير من الكتب التى تفوق كتاب «صحيح البخارى نهاية أسطورة» جرأة، بل فيها ما يهاجم الدين الإسلامى بشكل مباشر، ومع ذلك لم تمنع هذه الكتب، لذلك أنا أستغرب من هذا الحكم الذى سنطعن فيه أمام القضاء الذى سينصفنا بكل تأكيد.
■ لماذا واجه كتابكم هذه العدوانية من قبل التيارات المتشددة فى المغرب؟
- تمت مواجهة الكتاب بهذه العدوانية من طرف قوى الظلام، نظرا لأن كتاب صحيح البخارى تنتعش من خلاله العديد من النصوص الحديثية الواردة فيه، هذه القوى، فالقضاء على هذا الكتاب هو قضاء عليها بالضرورة، وانتقاد هذا الكتاب هو انتقاد لهذه التيارات التى استغنت بهذا الكتاب عن كتاب الله، القرآن، الداعى إلى الحرية والعدل، لكن صحيح البخارى هو من يبرر لها تشددها وإرهابها وظلاميتها، هذه القوى المتشددة التى لم تعد تجد لها مكانا، فهى تحتضر ببطء شديد، لذلك ردة فعلها كانت عنيفة ومتشنجة، وأتوقع منها عنفا أكبر.
■ هل الموقف من الكتاب يفضح الجمود لدى التيارات المتشددة؟
- نعم.. يفضح التشدد والجمود وعدم التجديد والاكتفاء بالانكفاء على ما قام به الأولون من اجتهاد، والعيش عالة عليهم، فالمتشددون، يعتبرون أن الأول لم يترك للآخر شيئا، فأغلقوا باب الاجتهاد، واكتفوا باجتهاد الأموات من سلفنا الصالح، وعاشوا ويعيشون عالة عليهم مع كامل الأسف، لذلك هم يخنقون كل صوت يدعو إلى التجديد، أو إلى التفكير خارج منظومتهم، كما فعلوا مع فرج فودة وغيره من المجددين.
■ كيف ترى الفقيه ورجل الدين الإسلامى الآن.. ومتى نخرج من حالة الجمود؟
- أرى أن الفقيه وعموم رجال الدين الإسلامى ينتحرون على مرأى ومسمع من العالم أجمع، لأنهم وضعوا أنفسهم خارج مساق وسياق الواقع، ورهنوا أنفسهم والأمة فى القرون الثلاثة الهجرية الأولى، وبالتالى فقد تجاوزهم الواقع، فهم يعيشون فى الحاضر بأوهام الماضى مع الأسف، أما متى نخرج من الجمود، فهذا مرهون بالاعتقاد بأن كل ما صدر عن البشر فهو نسبى، ويقبل الأخذ والرد، ثم التخلص من العقلية القياسية التى تقيس كل جديد على ما فى الماضى السحيق، بالعقلية التجريبية التى تشك فى المعرفة وتمتحنها لتصل إلى المعرفة الحقة، بهذا وحده يمكننا الانعتاق من تخلفنا وجمودنا.
■ هل يشكل الحكم بداية لغلق الجهد البحثى فى التراث الإسلامى؟ 
- لا.. بل أرى أنه يفتحه وبقوة، فكل ممنوع مرغوب، مباشرة بعد إصدار الحكم ضد الكتاب، زادت الرغبة لدى الكثيرين فى قراءة الكتاب، بل وصدرت كتب موازية لهذا المنع فى انتقاد التراث الحديثى، فى المغرب ومن نفس المدينة التى صدر فيها الحكم، تم إصدار كتاب بعنوان «التمهيد لنقد التراث الحديثى» للكاتب الحسن العلوى، وهذا سيزيد الكُتاب والمفكرين إصرارا على مواصلة العمل، حتى يسقط الإكليروس الدينى.
■ كيف ترى التراث الإسلامى بمختلف مشاربه ومذاهبه؟
- أراه اجتهادا لزمانه من أجل زمانه، يحمل روح زمانه، ومشاكل زمانه وحيثيات زمانه التاريخية والاقتصادية والثقافية والفكرية والسياسية، فهو لا يعنينى إلا من حيث دراسته فى إطار نسبيته التاريخية، لفهم ظروفه التى تم إنتاجه فيها ولها.
■ هل العرب متراجعون فى عملية تنقيح وتنقية التراث؟
- نعم العرب والمسلمون عامة فى مجملهم يتعاملون مع التراث بخوف شديد، فالجرأة على نقد وتنقيح التراث ضعيفة جدا لدينا، وهذا طبعا بسبب من نصبوا أنفسهم حراسا للتراث وتحويله إلى دين وجب اتباعه ودون ذلك قطع الرقاب.
■ ما أهم المدراس فى العالم التى تهتم بالتراث الإسلامى؟
- الاهتمام بدراسة التراث بدأ مع فجر القرن الماضى، من طرف بعض الفقهاء، أمثال محمد عبده والأفغانى وغيرهما، إلا أنه فى عصرنا هناك انتقاد لاذع للتراث الإسلامى، والدعوة إلى التخلص منه من طرف القرآنيين على وجه الخصوص، كما أن فئة عريضة من المفكرين الحداثيين المتنورين أمثال الدكتور محمد شحرور، قد عملت على تفكيك البنية التراثية الدينية وإعادة ترتيبها بمفاهيم وقواعد جديدة تتناسب مع العصر وروحه.
■ كيف تقيم أمر العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز، بإنشاء هيئة للتدقيق فى استخدامات الأحاديث النبوية، والقضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة وأى نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام وتبرر ارتكاب الجرائم والقتل وأعمال الإرهاب؟ 
- بادرة طيبة سيكون لها تأثيرها الكبير على باقى الدول الإسلامية، باعتبار مركزية المملكة السعودية ورمزيتها الدينية فى العالم الإسلامى، كما أن هذا العمل من شأنه تراجع بعض الرموز الدينية السلفية عن الكثير من الفتاوى المتشددة بهذا الخصوص.
■ كيف ترى فكر التيار السلفى.. وهل للسلفية مستقبل؟
- سؤال مهم، فالسلفية سرعان ما تغير جلدها مع كل رجة سياسية، والرجة السياسية والدينية بالسعودية الآن بدأت فعلا تؤثر على هذا التيار الدينى، فبدأوا يغيرون فتواهم بخصوص المرأة والغناء والموسيقى، والتصوير، فإذا أراد هذا التيار العيش بيننا مستقبلا فعليه أن يتأقلم مع المتغيرات، ويقدم تنازلات أكثر، منها أن السلف الصالح عليهم أن يبقوا فى متاحف التاريخ، وإذا حدث هذا فإنه يعنى بالضرورة انتهاء الفكر السلفى وهو ما أتوقعه قريبا.
■ هناك العديد من العمليات الإرهابية قامت على مؤلفات سيد قطب والمستمدة من التراث.. كيف ترى تأثير ذلك على مسار الأمة العربية والإسلامية؟ 
- لقد جعل منها أمة غير مرغوب فيها، ولها سمعة سيئة فى العالم أجمع، لكن التنوير يسير فى طريقه للقضاء على قوى الظلام، حتى تعود للأمة حيويتها ومكانتها التى تستحقها فى المحفل الدولى، فالتعايش مع الآخر سمة فقدتها أمتنا عندما تم الاعتماد على كتب ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب وسيد قطب وصحيح البخارى وغيره من كتب التراث الفقهى الداعية للكراهية، والقائمة على مبدأ دار السلم ودار الحرب، وعقيدة الولاء والبراء، فإذا رجعنا إلى كتاب «معالم فى الطريق» لسيد قطب، سنجد كراهية عظمى ودعوة صريحة للعنف تجاه الآخر المخالف، وتكفير المجتمع بشكل غريب.
■ إلى أى مدى يمكن أن يساهم تنقيح وتنقية التراث فى إنهاء حالة الكراهية والتطرف بين أبناء المذهب الواحد والدين الواحد؟ 
- تنقيح التراث يجب أن يتم على أساس ينتمى إلى زمانه ولا علاقة له بزماننا، فلا يمكن أن نعيد مثلا الصراعات المذهبية التاريخية إلى عصرنا، فقط لأن الأجداد عاشوا هذه الصراعات، تنقيح التراث عليه أن يتم بناء على أنه تاريخ وليس دينا، وعليه أن يبقى داخل متاحف التاريخ نستفيد منه ونعتبر، لكى لا نعيد تلك الصراعات، التى راحت أرواح بريئة ضحيتها، وأسهمت بشكل فعال فى تأخرنا وعيشنا على الماضى وأنغامه وحروبه وواقع مبارزاته الكلامية، بهذا وحده يمكننا أن نقطع الكراهية والتطرف بين المذهب الواحد والدين الواحد، بل والكراهية بيننا وبين الإنسانية جمعاء والتى ننتمى إليها شئنا أم أبينا.
■ الرئيس عبدالفتاح السيسى يدعو إلى تجديد الخطاب الدينى.. كيف ترى هذه الدعوة؟ وما رؤيتك بشأن تجديد الخطاب الدينى؟
- هى دعوة لا مفر عن الامتثال لها، فإذا كان خطاب الله لكل الناس، فى كل الأجيال والعصور، هنا يمكننا أن نتحدث عن عالمية الخطاب القرآنى، ولكى يكون خطابنا الدينى للناس كافة، فعليه أن يتقمص روح العصر، بكل الآليات، وعليه أن يراعى مبادئ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وإلا فسيصبح خارج التاريخ، تجديد الخطاب الدينى يجب أن يرتكز على مبدأ الحرية ثم الحرية ثم الحرية، فى إطار احترام القانون الذى تواضع عليه الناس، مع تفعيل مبدأ «وأمرهم شورى بينهم»، ومبدأ «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا» ومبدأ «لا إكراه فى الدين»، على هذه الأسس يجب أن يتم تجديد الخطاب الدينى.