الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سمعنا وأطعنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أفعال الإنسان وسلوكه العملى انعكاس لأفكاره ومبادئه التى يؤمن بها، ومن العسير أن نجد تفسيرا مقنعا لموقف من يزعم اقتناعه بمبادئ تخالف سلوكه العملى الذى يأتيه طواعية واختيارا . وكيف يستطيع الإنسان أن يتفهم موقف من يزعم – على سبيل المثال - أنه اشتراكى أو ليبرالى بينما سلوكه العملى مخالف لمبادئ الاشتراكية أو الليبرالية؟! 
وهذا الذى يخالف سلوكه المنهج الذى يدعى الانتساب إليه، إذا أضاف إلى تلك المخالفة توجيه النقد لهذا المنهج، وإظهار الاعتراض عليه، فإنه يثبت بنقده واعتراضه - بما لا يدع مجالا للشك- إما عدم فهمه للمنهج الذى يدعى الانتماء إليه، وإما عدم صدقه فى الانتساب لهذا المنهج. 
من هنا نقول إن الذى يؤمن بالله ربا خالقا، وبالإسلام دينا ، يجب عليه الإيمان بشريعة الإسلام منهجا، كما يتحتم عليه الالتزام بهذه الشريعة سلوكا عمليا، فالإسلام الذى اشتمل على العقيدة اشتمل كذلك على الشريعة التى وضعت الضوابط والمنهج لأجل ضمان تحقيق الإنسان غايات وجوده . فالعقيدة أصل والشريعة فرع ، والشريعة الإسلامية هى الجانب العملى من الإسلام، والتزام الإنسان بها هو العنوان لعقيدته، والبرهان على إيمانه .
والأحكام الشرعية لا تخلو من الحكمة سواء منها ما يتعلق بالعبادات كالصلاة والصوم ونحو ذلك من الشرائع التى تقرب الإنسان إلى ربه ويظهر بها الإنسان عبوديته لله، وما يتعلق منها بالمعاملات كأحكام الزواج والطلاق التجارة ونحو ذلك من الأحكام التى تنظم علاقة الإنسان بغيره من الخلق، وتضع القوانين الخاصة بالفرد والمجتمع.
لكن الحكمة الإلهية فى العبادات والمعاملات لا تكون بالضرورة ظاهرة للإنسان، بل قد يخفى عليه وجه الحكمة فى بعض التشريعات، وبالرغم من ذلك فإن التزام من آمن بالله بأحكام شريعته لا يتوقف على معرفته وجه الحكمة فيها، بل يكون صدور الأمر أو النهى من الله كافيا وحده لامتثال هذا الأمر والنهى، دون الحاجة إلى معرفة سبب ما حرمه الله أو سبب ما أحله.
وقد أشار المولى سبحانه إلى ذلك فى قوله تعالى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة : 275] إذ لم يفصل الله عز وجل الرد على الذين زعموا أن البيع مثل الربا، ولم يذكر الفروق بينهما - بالرغم مما بينهما من فروق كثيرة – وإنما اكتفى فقط بقوله (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) مشيرا بهذا إلى أن حكم الله هو وحده إقناع كاف لمن يعظم أوامر الله ونواهيه.
لهذا كان من علامات الإيمان ودلائله الامتثال التام لأمر الله ، وعدم وجود اختيار للمؤمن يخالف ما شرعه الله عز وجل، قال تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب :36].
والامتثال لأوامر الله ونواهيه، والوقوف عند حدود ما شرع رب العالمين، إنما يفعله المؤمن لا عن اضطرار، وإنما يفعله انطلاقا من حبه لربه، وحب الامتثال لأوامره ونواهيه كما قال سبحانه (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) [المائدة : 54 ] ، وقوله تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة : 165] . وإسلام الوجه لله على هذا النحو هو العبودية الخالصة التامة. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به".
والانقياد للخالق ولتكاليفه الشرعية دون مناقشة أو اعتراض بل دون شعور بالضيق والحرج من تلك التكاليف الشرعية فيه كل الخير للإنسان وإن ظهر له خلاف ذلك، قال تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوه إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) [النساء: 66].
وقد ظهر فى الآونة الأخيرة من يتجرأ على أحكام الشريعة بدعوى حرية الفكر تارة ، وبدعوى الاجتهاد والتجديد لتحقيق التلاؤم بين الأحكام الشرعية ومقتضيات العصر تارة أخرى.
والإسلام لم يمنع مطلقا حرية الفكر، ولم يحظر الاجتهاد بل دعا إليه، لكن التلاعب بأحكام الله وشريعته لا علاقة له بحرية الفكر أو الاجتهاد المشروع. والذين يستدركون برأيهم على خالقهم، ويجتهدون ليصححوا ما يتوهمونه خطأ من أحكام الشريعة عليهم أن يدركوا أن تلك الأحكام أنزلها الله لتحكم الإنسان لا لكى يحكم هو عليها بما يراه فيقبل منها ما يقبل، ويرفض منها ما يرفض، ويعدل منها ما يراه فى حاجة إلى تعديل، فالإسلام دين أنزله الله وليس وجهة نظر شخصية.