الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الصناعات اليدوية ثروة مصرية تنهار.. قرية "الفخارين" غير مطابقة للمواصفات.. تراجع حركة السياحة يضرب "الخيامية".. الحفر الكيميائي على النحاس يقتل الحرفة التقليدية

الصناعات اليدوية
الصناعات اليدوية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تنفرد مصر بتميز أبنائها فى الحرف اليدوية بما تتضمنه من إبداع، تم توارثه عبر الأجيال، يحمل معه بصمة الدقة والإتقان، ورغم ذلك؛ فإن هذه المهن فى طريقها للانقراض، خاصة بعد غزو المنتجات الصينية للأسواق، وارتفاع أسعار الخامات وانخفاض حركة السياحة، غير أنها ما زالت علامة من علامات إبداع الإنسان بيديه وقدرته على التشكيل والفن.
«البوابة نيوز» ترصد أبرز الحرف اليدوية بأحياء القاهرة.
الفخار
صناعة الفخار من أكثر الصناعات إبداعا وجمالا فى الصناعة اليدوية، وتعتبر من الحرف التقليدية التى عمل بها أبناء مصر منذ القدم، فهى منتشرة منذ آلاف السنين، لوجود مواد صالحة لهذه الصناعة واحتياج السكان إلى الأدوات الفخارية فى طهى الطعام وحفظ المياه قديما.
بمجرد دخولك مدينة «الفسطاط» بمصر القديمة، وبالتحديد قرية «الفخارين»، تشعر أنك فى أقدم مكان لصناعة الفخار فى مصر، رغم حداثة إنشائه، فسر الصنعة ينتقل من جيل إلى جيل، يتوارثه الأبناء عن الآباء والأجداد، وهذا ما أكده الحاج «سيد فؤاد» الذى بدأ فى مهنة صنع الفخار منذ 37 عامًا، وكان عمره 10 سنوات. 
وقال: صناعة الفخار سحر يحتاج إلى فنان، لتحويل الطين إلى أشكال فنية رائعة، فالعمل نتاج يد العامل ومهاراته، فالأفكار من نسيج خيال العامل أو طلب محدد من الزبون.
وحكى عن أسرار الصناعة وعن مراحل صناعة الفخار، أضاف: يشترط لعامل الفخار الجيد أن يكون عمره لا يزيد على عشر سنوات حينما يبدأ، لأنها مهنة إحساس والإحساس لا بد أن يزرع فى الطفل وهو صغير.
وعن مراحل صناعة الفخار، قال نحصل على الطين الأسوانى من منطقة «شق الثعبان» فى المعادي، ثم نقوم بعملية تقليب وتجميد، ومن بعده عملية التسوية بالرجل أو باليد، ونقوم بتشغيله على حجر تصنيع الخزف، وهو ما يسمى بـ«الدولاب»، ويترك الفخار ليجف فى الهواء والشمس، ثم يتم إحراقه، من خلال مرحلتين، الأولى تسمى مرحلة «البسكويت»؛ حيث يتم إحراقه بطريقة التهوية والتحكم فى الهواء لإعطاء اللون الذى نريده سواء الأحمر أو الأسود، ثم تأتى مرحلة «الجلين» وهو دهان اللون العسلى المحمر الذى يعطية اللمعان.
وأضاف الحاج «زايد تمام فضل الله»، بدأت العمل فى الثمانينيات، وتعتبر هذه المهنة الهواية المفضلة لدى، ويصل الفخار قبل أن يدخل إلى الفرن للرسم عليه، وأتركه ليجف ثم أضعه بالفرن، أما الأدوات التى أستخدمها فهى «الضفرة» لصناعة الخطوط، و«السلاح» لقطع الفخار، و«البرجل» لصنع أشكال هندسية.
وأشار إلى أن الفن المستوحى منه هذه الأشكال متعدد، فمنه الفن الإسلامى والفرعوني، والقبطي، والمكسيكي، واليوناني، والروماني، مؤكدا انه فى الوقت الحالى اندثرت مهنة تشكيل الفخار بشكل كبير، رغم أنها مهنة مربحة جدا فى أى مكان، أما فى مصر فهى مهنة فقيرة جدا رغم أن مصر بها «الفسطاط» أقدم مدينة فى التاريخ لصناعة الفخار.
ونوه إلى أن مهنة الفخار تحتاج لدعم ورعاية للعامل بها من قبل الحكومة، من خلال الاهتمام بصانع ودعمه، وشكى أن قرية «الفخارين» تحتاج إلى إدخال الغاز الطبيعي، مضيفا أنهم يحتاجون أيضًا للتشجيع المعنوى وتقدير فنهم، وعدم وضع العراقيل أمامهم خاصة بعد غلاء أسعار المواد الخام.
وأكد أنه إذا اهتمت الحكومة بصناعة الفخار فإنهم يستطيعون أن ينافسوا بها عالميا ويصدرون لكل دول العالم، مشيرا إلى أنهم يعانون حالة كساد تجارى واقتصادي.
وأكد عم «سعيد الجمل»، أن قرية «الفخارين» تعانى عدة معوقات، منها أن المبانى غير مطابقة للمواصفات المتعاقد عليها مع المحافظة، وتعانى شروخا من قبل التسليم، إضافة إلى عدم الانتهاء من التشطيبات رغم الوعود المتعددة، وكذلك عدم الانتهاء من المرافق الخاصة بالمبانى، وغياب الإنارة والحياة والصرف الصحى، لافتا إلى أنه تم تحميل المحافظة لأصحاب الورش أعباء مالية رغم أن جميع المبالغ المخصصة للمرافق مسددة بالكامل.
مسعد عمران: شركة الغاز تطالب أصحاب الورش بدفع 40 ألف جنيه لكل وحدة
ومن جانبه، قال مسعد عمران، رئيس غرفة الصناعات اليدوية باتحاد الصناعات، أن هناك عدة ورش لصناعة الفخار بقرية «الفخارين»، تمتنع عن دفع الـ400 جنيه قيمة الإيجار المطلوبة، ويريدون خفضها إلى250 جنيها، وهذا يجعلهم غير مقيدين بالغرفة، وبالتالى لم يحصلوا على المرافق الخاصة بالورشة من أفران للعمل وعدادات كهربائية للإنارة وصرف صحى، مضيفًا أن هناك عدة ورش تؤجر الوحدة من الباطن بـ 4000 جنيه شهريًا مما يجعل العقد لاغيا. 
وأشار «عمران» إلى أن أصحاب الورش تسلموا الأفران، ولكن شركة الغاز تطالبهم بدفع 40 ألف جنيه لتوصيل الغاز الطبيعى لكل وحدة، وتعمل الغرفة على حل تلك المشكلة من خلال التواصل مع محافظ القاهرة، وطلب تقسيط المبلغ أو تخفيضه لعدم قدرة العمال على دفعه كاملًا.
وأضاف أن ركود حركة البيع والشراء فى قرية «الفخارين» يرجع إلى عدم تطويرهم فى شكل المنتج واستمرارهم فى صنع الأوانى الفخارية و«القلل»، لذلك تعجز الغرفة عن إقامة معارض لعرض منتجاتهم مما يجعلهم مغمورين لا يعرف عنهم أحد شيئا، مؤكدًا أن غرفة الصناعات اليدوية تعمل على حل جميع قضايا الحرف اليدوية وتوصيل حقوق العاملين بها بشرط الالتزام بالقوانين المطروحة كافة.
الخيامية 
ووسط صخب شوارع «الغورية»، بمنطقة «باب زويلة» يقع شارع صغير، لكنه الأكبر تاريخيا بين شوارع تلك المنطقة القديمة، تجمع بين قدامى الصناع والتجار، الذين أفنوا حياتهم فى رحابها وتوارثها معظمهم عن آبائهم وأجدادهم، فكانوا بمثابة حراس لها من الزمن، حتى لا تندثر كغيرها ويطلق عليها «الخيامية»، وتعنى صناعة الأقمشة الملونة التى تستخدم فى عمل السرادقات، وانفردت بها مصر بين دول العالم.
تعانى صناعة الخيامية التدهور والتهديد بالاندثار، ولكنها ما زالت تصارع من أجل البقاء والاحتفاظ بهويتها كفن يدوى يواجه التطور والتكنولوجيا فى صناعة النسيج؛ حيث أصبح لا يوجد أحد يتعلمها فى الوقت الحالي، فهى صنعة لا يعرف عنها الكثير، وتحتاج إلى الصبر فى صناعتها.
من جانبه قال الحاج مجدى توفيق عبدالفتاح، الذى ورث المهنة أبا عن جد، ويعمل فى ورشة صناعة «الشنط» الجلد اليدوية، إن العامل هو المصمم والمفكر والمنفذ فهى هواية تتطور من عصر إلى عصر، ومن جيل إلى جيل، حسب احتياجات كل جيل، فلا بد من الابتكار والتغيير ومواكبة العصر لجذب الزبون.
وأكد عم أحمد على، أحد العاملين «بالخيامية»: أن أول مرحلة تبدأ برسم التصميم الذى سيتم تنفيذه على القماش، وغالبًا ما يستخدم قماش التيل لأنه سميك، ثم نقوم بتخريم الرسم، وتوضع بودرة مخصصة لطبع الرسم على القماش، حتى يقوم الفنان بعملية التطريز بعد قص وحدات القماش، وغالبا ما تكون التصميمات إما فرعونية أو إسلامية، بالإضافة إلى الآيات القرآنية والمناظر الطبيعية.
وأشار سيد أحمد، صانع «الخيامية، إلى أن أول شىء لا بد أن يتعلمه الصبى الجديد على المهنة هو كيفية «لضم الإبرة»، والتى تتطلب سرعة فائقة حتى يستطيع صانع اللوحة الانتهاء منها بسرعة، فقد تتطلب قطعة القماش الصغيرة أياما وشهورا للانتهاء منها، معربا عن حزنه الشديد لحالة الركود التى تشهدها السوق لقلة الأفواج السياحية، لأنهم أساس حركة البيع والشراء فى سوق «الخيامية».
تطعيم الخشب 
أما تطعيم الخشب بالصدف، أو فن تحويل الخشب إلى تحف رائعة ومميزة، يلقى رواجًا واسعًا فى مصر لكونه من الحرف التقليدية، ويتطلب من الحرفى الدقة والحس الفنى والذوق العالي، فهى مهنة تعتمد على الإحساس والإبداع، يتهافت عليها السائحون كونها تحظى بجماليات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي.
وفى أحد شوارع «المعز»، داخل ورشة لتطعيم الخشب بالصدف، قال إبراهيم يوسف، توارثت المهنة أبًا عن جد، وعملنا بها منذ أكثر من 100 عام، أعيش مع الصدف وأصنع قطعا تبهر من يراها، وكان العمل فى الأربعينيات بدائيا، ولكن مع بداية الخمسينيات بدأ والدى فى عمل الماكينات لكى تساعد العمال على عمل وإنتاج أفضل؛ حيث وصل فى الستينيات إلى أكثر من 100 عامل فى الصنعة.
واشار الى ان الستينيات كانت العصر الذهبى للحرف اليدوية فى مصر، عصر «جمال عبدالناصر»، لأنه كان مهتمًا جدًا بالحرف اليدوية على عكس الوقت الحالي.
ينظر العم «إبراهيم» إلى عمله مرددا: الشىء الأصيل كلما يتقدم به الزمن يرتفع سعره، لكن فى زمننا هذا أصبح الشىء الأصيل نادرا جدا، والناس فى الزمن الماضى كانت تبحث عن التحف والفن، لكن الآن يبحثون عن الأرخص كما ساعدهم فى ذلك المنتجات الصينية التى أثرت بشكل كبير فى الصنعة.
ويشرح عم «إبراهيم» المراحل المختلفة للتطعيم بالصدف، قائلا: «يمر الصدف أولا بعملية صنفرة لكى يصبح أملس، ثم تأتى مرحلة وضعه على الخشب، وهنا تحتاج القطعة للرسم عليها بالقلم الرصاص لكى يتم وضع الصدف وفقا لشكل هندسى معين، أو نقوم بابتكار أشكال متناسقة، وأقوم بتثبيت الصدف بالصمغ وبعد تثبيته أقوم ببرده حتى يصبح على مستوى واحد ثم دهانه بزيت معدنى حتى يظل لامعًا لأطول وقت ممكن».
وبنبرة يملؤها الحزن والأسى أضاف، المهنة لم تعد كما كانت فى الماضي، فالخامات أسعارها ترتفع كل يوم، ولا يوجد عمال جدد يتعلمون صنعة تطعيم الصدف، كما أن أصحاب المهنة تركوها ليعملوا بمهن أخرى توفر لهم دخلا أعلي.
وواصل حديثه قائلًا: الصناعة تنقرض بسبب ما تمر به من كساد منذ سنوات، فأغلب الزبائن كانوا من السائحين، ومع قلة عددهم أصبحت المهنة تعانى الكثير من الأزمات.
وأضاف أنه يعمل فى الورشة بمساعده إخوته وأبنائه الذين يعملون بجانب مؤهلاتهم العليا، فهو يحرص على توريث الصنعة لكى تظل مستمرة، متمنيًا أن كل شخص يمتلك ورشة يعلم عماله حتى تظل المهنة، ولكن لا يوجد أحد يفعل ذلك لأن ليس لها عائد مجز، رغم انبهار الأجانب بهذا.
العم «إبراهيم» المسئول عن جمعية خان الخليلى منذ سنة 1958، لمنتجات «خان الخليلي»، قال ان الغرض من الجمعية هو جمع الحرفيين القدامى لعمل برامج تأهيل لإعادة ممارسة العمل لورشهم، بالتنسيق مع وزارة التنمية المحلية أو محافظ القاهرة فهم مصدر الدعم لأصحاب الورش.
النقش على النحاس 
أما النقش على النحاس، فهو من أبرز الفنون الشرقية، وهى حرفة تعبر عن الفن الإسلامي، الذى يعد من أروع الفنون اليدوية، فلم تأت أمة من الأمم فى فنونها بما يتساوى العبقرية التى تتجلى فى الفن الزخرفى الإسلامي.
يقول أحد أسطوات النقش على النحاس بخان الخليلي، سيد حسين، الذى يجلس أمام قطعة من النحاس يقوم بتشكيلها ونقشها ودقها، إنه مارس المهنة هواية منذ أكثر من 20 سنة، وقام بالنقش على النحاس بشغل «روباسيه تركي» وأيضا نقش عربى بقلم حفر.
وأشار إلى أن الصنعة تعتمد على رواج السياحة، التى أصابها الركود، ولذلك نقوم بعرض البضائع فى معارض بالسعودية وقطر والإمارات، وهذا الذى يجعل شغل النقش على النحاس مستمرا حتى الآن.
وأضاف أن شغل النقش على النحاس مكلف جدا، والمحال فى مصر لم تأخذ كميات كبيرة منه لقلة السياحة، وأقوم بالنقش على النحاس لإبراز تفاصيله عن طريق الدق عليه، ثم يدخل بعد ذلك لمراحل أخرى مثل التلميع ليصل هذا الشغل فى النهاية لشكله اللامع.
ويرى «سيد» أن من أهم هذه المشكلات التى تواجه المهنة، تزايد أسعار النحاس بشكل كبير خلال هذه الفترة، ما أدى إلى هروب الكثيرين من أبناء المهنة إلى مهن أخرى نظرًا إلى قلة الربح، وأدى ذلك إلى تغيير نشاط كثير من الورش الكبيرة التى كانت تعمل فى النحاس، لتنتقل إلى العمل فى الصاج، بالإضافة إلى قلة صبر أبناء الأجيال الجديدة الذين لا يعرفون قيمة ذلك الفن الرفيع، بالإضافة إلى استيراد الكثيرين منتجات النحاس من الصين، والذى يعتمد على الشكل الخارجى فقط، فى حين أن ألوانه تمحى بعد فترة قصيرة من الزمن وجودته ضعيفة جدًا، خاصة أن رخص أسعارها يجعل الكثيرين يقبلون عليها، وهناك بعض المصانع والورش التى تعتمد على الحفر الكيميائى للنحاس، ما أضعف مهنة النقش اليدوى بصورة كبيرة وبات يهددها بالانقراض، إلا أنه رغم ذلك تبقى هذه المهنة هى الأكثر عراقة وبراعة وتدل على الفنون الإسلامية.