الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"سلفية" الأردن.. هنا ولدت "الداعشية"

 صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تناول الباحث الأردني، ظاهرة ونشأت التيار السلفي في المملكة الهاشمية، لافتًا إلى أن ظهور التيار السلفي يعود إلى بداية الثمانينيات، عبر مجموعة من الأفراد المتأثرين بالمدرسة السلفية، من دون أن يكون لهم حضور بارز أو تأثير كبير في المجتمع، ولا حركة تحمل هذا الفكر الديني؛ حيث نقطة التحول الكبرى كانت في بداية الثمانينيات عندما استقر في الأردن أحد أبرز أعلام السلفية المعاصرة، محمد ناصر الدين الألباني، بعدما اختلف مع علماء السلفية فى السعودية على قضايا فقهية، فقرر الاستقرار بعمان، لعدم رغبته في العودة إلى سوريا التي يحمل جنسيتها (وأصوله ألبانية).

عوامل الصعود
أشار إلى أن هناك عوامل ساعدت على تمدد نفوذ «الألباني»، واتساع مجموعته السلفية خلال الثمانينيات (١٩٨٠-١٩٨٩)، في مقدمتها الحرب الأفغانية واغتيال الرئيس محمد أنور السادات، وانتصار ثورة رجال الدين في إيران بقيادة آية الله الموسوي الخميني، والصعود المتسارع لما يسمى بـ«الصحوة الإسلامية» في المنطقة، والصراع بين جماعة الإخوان المسلمون في سوريا، ونظام الرئيس حافظ الأسد بأحداث «حماة»، ولجوء نسبة كبيرة من التيار السلفي السوري إلى الأردن، وكذلك تأثر الأردنيين الذي سافروا لدول الخليج وبخاصة السعودية بالبيئة الدينية المتشددة هناك، كل ذلك ساهم في تعاظم ظهور التيار السلفي في الأردن، ودخول المملكة الهاشمية مرحلة «الظاهرة السلفية».
ورأى الباحث أن مرحلة الثمانينيات بمثابة العقد الذهبي لعبور السلفية إلى المجتمع الأردني، وانتشارها وظهورها السريع في المجتمع، وهو الظهور الذي جاء عبر مراحل متسلسلة متتابعة بدأت بانتشار مجموعة من الوعاظ والشيوخ والدعاة الذين يبشرون بالأفكار السلفية دينيًا، وكانت اهتماماتهم في البداية محض فقهية ودينية، مثل: كيفية الصلاة، وكيفية لباس الرجل والمرأة، واللحية وطريقة الاقتداء بالنبي محمد (صلى الله عليه سلم)، وغيرها من شعائر دينية متنوعة.
واستطاعت خلال فترة قصيرة غزو المجتمع الأردني والاستتباب فيه والتجذّر، حتى أصبحت هي الثقافة السائدة، بينما تراجع وتبدد الحضور الصوفي، مع تراجع دور المؤسسات الدينية التقليدية، خاصة الإفتاء في القوات المسلحة، وأصبح الحضور السلفي بارزًا أيضًا في وزارة الأوقاف الإسلامية، وفي داخل جماعة الإخوان.
ولفت الباحث إلى أن أبرز تلاميذ الشيخ ناصر الدين الألباني، محمد إبراهيم شقرة، وعلى الحلبي، ومشهور حسن، وسليم الهلالي، وحسين العوايشة.. وغيرهم، وكان لهم حضور قوي في الوسط السلفي الأردني.
وأشار الباحث الأردني، إلى أن المفاهيم السلفية الجديدة اصطدمت مع التيار الصوفي في البلاد، الذي شنّ هجومًا مضادًا في الخطب والمواعظ ضد السلفيين، ودخل شيوخ معروفون في الصوفية مثل على الفقير، الذي كان حينها في الإفتاء العسكري، في صدام مع السلفيين، وظهرت الخلافات في المساجد بين الطرفين.

الصراع بين «السلفيات»
أشار الباحث الأردني إلى أن الظاهرة السلفية في الأردن شهدت أربع مراحل «انقسامات» منذ التأسيس وحتى تظاهرات الربيع العربي ٢٠١١، وكان الانقسام الأول في بداية عقد التسعينيات مع بروز الاتجاهات السلفية الجديدة في السعودية والخليج، ومع دخول صدام حسين إلى الكويت، ثم حرب الخليج في العام ١٩٩١، وما أثارته من نقاشات عاصفة في أوساط السلفية السعودية، بين مؤيد للاستعانة بالقوات الأمريكية ومعارض لها.
وأشار الباحث الأردني، إلى أن الخلافات داخل التيار السعودي، والتي كانت لها انعكاساتها على السلفية في الأردن، فالتيار السلفي السعودي، انقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية: الأول هو التقليدي ويتمثل في هيئة كبار العلماء، الشيخ عبدالعزيز بن باز وابن عثيمين، وكان مع الاستعانة بالقوات الغربية، والثاني يتمثل بشباب صاعدين في السلفية السعودية، لهم آلاف الأتباع والمريدون مثل: سفر الحوالي وسلمان العودة، وهم الذين أطلق عليهم التيار الإصلاحي، والثالث هو تيار أطلق عليه الجامي (نسبة إلى شيخه محمد آمان الجاميّ)، وهو متشدد في عداء التيارات الإسلامية الأخرى، وفي التـأكيد على تحريم السياسة وضرورة طاعة الحكام..
وانعكست الخلافات السلفية السعودية على السلفية الأردنية؛ حيث ظهرت في البداية عبر الاختلاف بين الشيخ ناصر الألباني وأتباعه من جهة، والشباب السلفي الجديد الذي يتأثر بالحركة الإصلاحية في السعودية.
والتحول الثاني، كان في منتصف التسعينيات، والتي ساعدت عوامل عدة على ظهوره في مقدمتها حرب الخليج ١٩٩١، ودخول الأردن في عملية السلام مع إسرائيل، والعشرية السوداء في الجزائر، كل ذلك أدى إلى صعود جماعات واتجاهات راديكالية كانت متأثرة في البداية بأفكار سيد قطب، وبأفكار السلفية الإصلاحية السعودية، فظهر «أبو محمد المقدسي» الذي أصبح أحد أبرز منظّري السلفية الجهادية في العالم، ومرجع التيار السلفي الجهادي في الأردن، وأستاذ أحد قادة تنظيم القاعدة، أحمد الخلايلة، الملقب «أبو مصعب الزرقاوي»، ومجموعة أخرى أطلق عليها تنظيم «بيعة الإمام» على انتشار التيار، بل عزز من انتشاره في السجن وخارج السجن، وأصبح هنالك مئات الأتباع من مريدي السلفية الجهادية.
وأشار محمد أبو رمان، إلى أن التيار السلفى الأردني، في النصف الثاني من التسعينيات، انقسم إلى ثلاثة اتجاهات سلفية، الاتجاه الأول هم أتباع الشيخ ناصر الدين الألباني، الذين أطلق عليهم السلفيون التقليديون أو المحافظون أو الألبانيون، وهم الذين يرفضون الدخول فى العمل السياسي والحزبي، ويقتصر عملهم على الجانب العلمي والدعوى، ومبدأهم الواضح في هذا هو «التصفية والتربية»، أي تنقيح علوم الدين وتربية الناس عليها، أما موقفهم من العمل السياسي فيمكن اختصاره بعبارة شهيرة لشيخهم الألباني وهي «من السياسة ألا نتحدث في السياسة».
والاتجاه الثاني وهو السلفي الإصلاحي، ويتمثل في جمعية الكتاب والسنة، وهو اتجاه سلفي في عقيدته الدينية وتفسيره للدين، لكنّه يؤمن بالتنظيم ولا يحارب الإسلاميين، وأقرب إلى المزاج المعارض لسياسات الدولة، لكنه لا يؤمن بالعمل المسلّح.
والاتجاه الثالث هو الاتجاه الصاعد الراديكالي المتأثر بأفكار أبي محمد المقدسي والزرقاوي، ويؤمن بأن النظام السياسي العربي كافر، وأنّ الطريقة الوحيدة هي المواجهة المسلّحة بين الطرفين (الجهاديين والأنظمة)، ويرفض طرق الجماعات الأخرى السلمية والدعوية في التغيير. 

الانقسام الثالث
إذا كان الانقسام الأول داخل السلفية الأردنية ظهر في بداية التسعينيات، والثاني في منتصف التسعينيات، فإن السلفية في الأردن شهدت الانقسام الثاني، مع بداية الألفية الجديدة (عام ٢٠٠٠)؛ حيث بدأت الخلافات والانشطارات داخل كل تيار سلفي من التيارات السابقة تبرز، لينشق التيار نفسه أو ينقسم على نفسه وتتوزع الاتجاهات السلفية إلى خريطة أكثر تعقيدًا وتنويعًا.
وشهد التيار المحافظ وفاة شيخه ناصر الدين الألبانى في العام ٢٠٠٠، ما أدى إلى صراع بين الأقطاب على وراثة المشيخة، في تيار تقوم العلاقة بين أفراده على منطق الشيخ والتلاميذ. وبالرغم من تأسيس مركز الألباني للدراسات الإسلامية، فإنّ الخلافات استمرت في الظهور، وأدت إلى إقصاء عدد من أبرز القيادات المعروفة وتلاميذ الشيخ الألباني المقربين، وأصبح كل من على الحلبي ومشهور حسن هما الزعيمان المعروفان لهذا التيار، لكنّ الحلبي أيضًا دخل في صراع فكري مع مجموعة من شيوخ التيار السلفي السعودي.
وعانى التيار الإصلاحي، أى جمعية «الكتاب والسنة»، ضياع الهوية وارتباكها، بين مجموعة سلفية جهادية دخلت تحت عباءة الجمعية ومجموعة أخرى تؤمن بالعمل السلمي، وظهرت التباينات فى خطاب الجمعية وأثرت الخلافات الداخلية في هويتها واستقرارها، وكادت الحكومة أن تغلقها أكثر من مرّة، وكان يكتشف وجود عناصر مؤيدة للسلفية الجهادية في أوساط الجمعية ومؤيديها.
والتيار الثالث الذي عانى الانشقاق والانقسام الداخلي هو التيار السلفي الجهادي، فقد خرج المقدسي والزرقاوي من السجن في أواخر العام ١٩٩٩، بعفو ملكي، لكن الزرقاوي فضّل السفر إلى أفغانستان، ليقوم بالمعارضة من الخارج وتكوين جماعته هناك، ومن ثم انتقل إلى العراق مع بدء الاحتلال الأمريكي في العام ٢٠٠٣، وأسس جماعته المعروفة «التوحيد والجهاد»، وانضم بجماعته إلى القاعدة في العام ٢٠٠٤، وأصبح أحد أبرز المطلوبين للولايات المتحدة الأمريكية، وخطط عملية تفجيرات الفنادق في عمان ٢٠٠٥، لكنه قُتل في العام ٢٠٠٦ بغارة أمريكية، لم تمت جماعة الزرقاوى بعده، وأصبحت هى ما نراه اليوم «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش)، الذي بقى أمينًا على أفكار الزرقاوى ونهجه المتشدد أكثر من القاعدة نفسها.
وبدأت الخلافات داخل هذا التيار تظهر في مرحلة مبكّرة في السجن بين الزرقاوي والمقدسي، لكنها لم تكشف إلى العلن إلا بعد أن أصدر المقدسي رسالته الشهيرة (فى العام ٢٠٠٥)، بعنوان: «الزرقاوي مناصرة ومناصحة»، وذكر فيها انتقادات حادة للزرقاوي، ولاحقًا بعد مقتل الزرقاوي أصبح المقدسي أكثر جرأة في التعبير عن الخلافات العميقة بينه وبين الزرقاوي، ما أدى إلى انقسام التيار إلى قسمين؛ أتباع المقدسي وأتباع الزرقاوي.

حقبة الربيع العربي وما بعدها
ثم جاءت حقبة الربيع العربي، أي الثورات الشعبية التي اندلعت منذ العام ٢٠١١، فحملت تغييرات وتحولات ملحوظة في واقع التيارات السلفية السابقة، فالثورات الشعبية - التي اندلعت في كثير من الدول العربية وأدت لاحقًا إلى إسقاط زعيمين عربيين، حسني مبارك وزين العابدين- نسفت البنية الأيديولوجية لكل من الجهاديين والمحافظين على السواء، تلك البنية التى كانت تستعدى الديمقراطية ولا ترى أن الثورات السلمية يمكن أن تأتى بنتيجة، وتبتعد عن العمل السياسي العام.
وصدم كل من المحافظين والراديكاليين بالثورات الشعبية، فالمحافظون الذين كانوا يقولون إنّ التغيير السلمي غير ممكن، وأن الأضرار نتيجة محاولة الخروج على الحاكم أكبر من المنافع التى قد تترتب على الخروج السلمي، ودافعوا عن نظريتهم بوجوب طاعة الحاكم وبعدم التدخل في السياسة، وجدوا أنفسهم خارج السياق الشعبي العام، بخاصة بعدما قرر التيار السلفي العام في مصر الولوج إلى العمل الحزبي والسياسي، واجتمعت قوى سلفية في اسطنبول في شهر ديسمبر ٢٠١١، وقررت القيام بتحويله في مسار العمل السياسي السلفي عبر اقتحام الحياة الحزبية والانتخابات.
وحدهم السلفيون الإصلاحيون وجدوا أنّ الثورات الشعبية تؤكد ما ينادون به من ضرورة الاندماج فى العمل السياسي والحزبي، وإمكانية التغيير السلمى في العالم العربي، لكنّهم وجدوا أنفسهم أمام تحديات أخرى، وهي عدم قدرتهم على تنظيم أنفسهم بصورة كافية ليشكلوا تيارًا متجانسًا متسقًا في مواجهة التيارات الأخرى، وثانيًا عدم رغبة الدولة بولادة تجربة حزبية سلفية، وثالثًا عدم وصولهم بعد إلى المرحلة التي يتبنون فيها الديمقراطية بصورة كاملة.
أما الجهاديون فكانت أيديولوجيتهم تقوم على عدم جدوى العمل السلمي أيضًا، لكن النتيجة وفق هذا المنظور لم تكن طاعة الحكام، بل على النقيض من ذلك تمامًا الثورة عليهم والخروج المسلح والمنازلة العسكرية مع الأنظمة العربية إلى أن تسقط، وبالطبع جاءت الثورات الشعبية بأخبار مختلفة تمامًا في البدايات، فأثبتت الثورات السلمية نجاعتها في مواجهة الحكام، من جهة، وتبين أنّ المطالب الشعبية هي بإقامة الديمقراطية والعدالة والحرية، وليس نظامًا أصوليًا على غرار ما تحلم به الحركات السلفية الجهادية.
وبدأ المئات من أبناء التيار يتسربون ويتسللون إلى سوريا في مرحلة لاحقة، وانضم أغلبهم إلى «جبهة النصرة» في البداية، ثم انتقل الخلاف بين «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» إلى الأردن؛ حيث وقف شيوخ السلفية الجهادية ومنظّروها المعروفون، أبو قتادة الفلسطيني وأبو محمد المقدسي مع النصرة، فيما وقفت شريحة واسعة عريضة من أبناء السلفية الجهادية مع داعش.
وفي مرحلة لاحقة، فى العام ٢٠١٦، حدثت مواجهات بين أنصار داعش وقوى الأمن في مدينة إربد، وأسفرت عن مقتل ضابط وعدد من المطلوبين، ثم قام أحد أنصار داعش بالهجوم على مكتب لمخابرات البقعة، وقتل عددًا من المنتسبين، قبل ذلك كان ضابطًا في الأمن الأردني- يعتقد أنه ذئب منفرد- بالهجوم على مركز لتدريب الشرطة والعسكريين،في مركز الموقر العسكري.
ولا تبدو صورة المستقبل أكثر وضوحًا لدى هذا التيار مقارنة بالتيارين السلفيين الآخرين (المحافظ والإصلاحي)، لكن هنالك أسئلة معلقة ومهمة مرتبطة به وبالمجتمع عمومًا؛ ولعل السؤال الأول: ماذا ستكون نتيجة أو انعكاس هزيمة محتملة لداعش فى العراق وسوريا على أنصاره وجاذبيته؟ وكيف سيكون سلوك العائدين من هناك؟ وهل ستنجح خطط الدولة في مكافحة التطرف والإرهاب واستيقاظها على هذا الخطر الكامن في الداخل من تحجيمه والحد من انتشاره وصعوده؟

سياسة الدولة تجاه السلفيين
حول سياسة الدولة تجاه «التيار السلفي»، غلب عليها البعد الأمني السياسي في ترسيم السياسة الرسمية في التعامل مع الحركات الإسلامية عمومًا، والتيارات السلفية خصوصًا، فلم يكن هنالك سياسة تنويرية أو دينية معينة للدولة، بقدر ما كان المعيار المهم هو مدى اصطدام أو توافق تلك الحركات مع اعتبارات الدولة الأمنية وسياساتها العامة.
وفي مرحلة التحول فى العلاقة بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمون، مع عقد التسعينيات، استعانت أجهزة الدولة بالتيار السلفي التقليدي لمواجهة الإخوان وصعود السلفية الجهادية، فوفر لها هذا التيار فتاوى ومواقف مريحة ضد المعارضة السياسية، سواء أكانت السلمية أم المسلحة.
على الطرف المقابل اتخذت الدولة موقفًا متشددًا صارمًا من التيار السلفي الجهادي، منذ بداية صعوده، ووصل عدد القضايا التي تم تحويلها إلى محكمة أمن الدولة مئات القضايا، وآلاف الأفراد الذين اعتقلوا وحولوا إلى القضاء وحوكموا.
وفي العامين الأخيرين طرأ تحول ملحوظ على سياسة الدولة تجاه هذا التيار، وتمثل ذلك بالتمييز بين مؤيدى «جبهة النصرة» ومؤيدي تنظيم «داعش»، إذ حاولت الدولة توظيف فتاوى ومواقف قادة السلفية الجهادية، مثل: المقدسي وأبى قتادة الفلسطيني ضد تنظيم داعش والتيار المؤيد له، وهنالك تفاهمات غير معلنة ولا مكتوبة بين الدولة وأقطاب هذا التيار تتمثل بتحديد المساحات التي يمكن أن يتحدثوا فيها ويتحركوا من خلالها، مقابل عدم سجنهم، والسماح لهم بنطاق محدود من الحركة.
أما التيار السلفي الإصلاحي، فقد ضغطت عليه أجهزة الدولة خلال الفترات السابقة ليتخلص من علاقته بالتيار السلفي الجهادي، وهي المحاولات التى نجحت مع جمعية «الكتاب والسنة» السلفية، التي تبدو علاقتها بالدولة أفضل من الأوقات السابقة، وإن كانت محجّمة في إطار محدد من النشاط المسموح به، بخاصة في المجالين الديني والخيري، مع عدم السماح لها بأى نشاط سياسي وحزبي حتى الآن.
التطور الآخر الجديد على صعيد علاقة الدولة بهذه الجماعات يتمثل بتنامي القناعة السلبية في مراكز القرار ضد الفكر السلفي عموما، وتحميله مسئولية تفريخ الفتاوى والأفكار المتطرفة، بخاصة مع صعود داعش والربط بين ما تقوم به وبين جذورها الفكرية السلفية، وكان لاستخدام التنظيم لفتوى العالم الإسلامي، ابن تيمية (المعروف بوصفه مرجعية فقهية ودينية للسلفيين عمومًا؛ الراديكاليين والسلميين) دور فاعل فى دعم الصوت السياسي المعادي للسلفيين عمومًا، بل ووجود لغط حول منع الأردن كتب ابن تيمية من الدخول إلى المملكة. وأخيرًا، لم تتحول سياسة الدولة من التيار السلفى التقليدي، لكن أصبح هنالك اتجاه رسمى وسياسى وثقافى يرى أن السلفيين جميعًا يصبون فى نهر واحد وهو تعزيز التطرف الديني في المجتمع.. لذلك لم يعد هناك اتفاق في دوائر القرار في تفضيل توظيف التقليديين في مواجهة الجهاديين، وعزز من الحد من أهمية التيار التقليدي بالنسبة للدولة الانقسامات داخل هذا التيار والمشكلات الداخلية التي تواجهه وأثرت في مصداقيته ووحدة أتباعه.