الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"سامراء".. في مرمى نيران "داعش"

داعش
داعش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى ذروة انشغال السياسيين العراقيين بالانتخابات البرلمانية، المقررة فى 12 مايو، ترددت أنباء حول تخطيط تنظيم «داعش» لاجتياح مدينة سامراء فى محافظة صلاح الدين فى شمال البلاد، ما قد يشكل تحولا خطيرا فى مجريات الأحداث، خاصة أن بلاد الرافدين لا تزال تئن تحت وطأة صراعات وانقسامات، لا حصر لها، ولن تحتمل أى صراع مذهبى جديد فى الوقت الراهن. 
ورغم أن البعض يستبعد تكرار سيناريو 2006، عندما تم تفجير ضريح الإمامين الشيعيين على الهادى وحسن العسكرى فى سامراء، وما أعقبه من هجمات انتقامية طالت مساجد وممتلكات السنة، إلا أن المشهد فى العراق، لم يتغير كثيرا عن السابق، بل ازداد تعقيدا، فى ظل ظهور «داعش»، والدمار الواسع، الذى خلفه هناك.
وبالنظر إلى أن الصراعات الطائفية والمذهبية، تشكل بيئة خصبة لظهور وتمدد التنظيمات الإرهابية، فإن «داعش» لن يتوانى عن محاولة تفجير صراع مذهبى جديد واستخدام هذه الورقة الرابحة -حسب اعتقاده- لتعويض خسائره على الأرض، وتجنيد المزيد من العناصر المتطرفة.
ويبدو أن الأجواء المشحونة فى العراق قبل الانتخابات البرلمانية، والدعاية الانتخابية، التى اتسم بعضها بنعرة مذهبية، تساعد «داعش» فى تنفيذ مخططه، خاصة فى ظل ما يتردد حول مساعى بعض الأطراف السياسية المحسوبة على الشيعة، لاستبعاد السنة والأكراد من الحكومة المقبلة، عبر إنشاء نظام سياسى جديد يقوم على «الأغلبية السياسية»، وليس نظام المحاصصة، الذى يضمن تمثيل كل القوى السياسية فى السلطة.
واللافت أن رئيس الوزراء العراقى السابق نورى المالكي، والمدعوم بقوة من إيران، هو الذى يقود تحرك إلغاء نظام المحاصصة، رغم اتهامه مرارا من جانب خصومه، بأنه المسئول عن إشعال الصراع المذهبى فى البلاد، بسبب سياساته، التى تعمدت تهميش السنة، خلال رئاسته للحكومة، ما تسبب فى ظهور داعش، إذ يتردد أن عدد عناصر التنظيم، الذين دخلوا الموصل فى ١٠ يونيو ٢٠١٤، لم يكونوا أكثر من ٣٠٠، ولكن بعد وصولهم، صار هناك تعاطف معهم، نتيجة اضطهاد الأغلبية السنية فى المدينة، ما سهل سيطرة داعش عليها.
وحسب تقرير نشره موقع «بغداد بوست» فى ١٧ مارس، فإن مقولة المالكى حول «الأغلبية السياسية»، خرجت من إيران، وليس من غيرها، والهدف منها وضع مقدرات العراق وموارده تحت سيطرة نظام الملالى فى طهران. 
وجاء فى التقرير، أنه مع سيطرة حلفاء إيران وميليشياتها على المشهد فى العراق حاليا، فإنهم يخططون للحصول على أغلبية شيعية، تنفرد بحكم البلاد فى السنوات المقبلة، وتهضم حق السنة والأكراد تماما فى المشاركة بالسلطة، ما من شأنه أن يطيل أمد الأزمة فى البلاد، ويوفر ظروفا أخرى مواتية لعودة داعش بقوة.
ولعل السياسات الخاطئة، التى اتبعتها الحكومة العراقية الحالية برئاسة حيدر العبادي، فى التعامل مع التراكمات، التى خلفتها الحرب على «داعش»، تخدم أيضا محاولات التنظيم لتفجير صراع مذهبى جديد، إذ تسير مشاريع إعادة الإعمار فى المدن السنية المتضررة ببطء، ولا توجد خطط حكومية واضحة حول كيفية إعادة أكثر من ٣ ملايين نازح إلى المناطق، التى فروا منها خلال العمليات القتالية، بجانب استمرار الفساد، وانتشاره على نطاق واسع.
إضافة إلى أمر آخر، يزيد احتمالات تفجر صراع مذهبى جديد، وهو أن إيران تمددت فى العراق، بشكل غير مسبوق، وأصبح لها ذراع عسكرية، وهى ميليشيا الحشد الشعبى الشيعية، التى قامت قيادات عسكرية إيرانية، بتدريبها، ومساندتها ميدانيا فى القتال ضد داعش، ما يزيد قلق السنة على مستقبلهم، ويجعل بعضهم يرتمى مجددا فى أحضان التنظيمات المتشددة، خاصة فى ظل استفحال نفوذ «الحشد الشعبي»، ورفضه نزع سلاحه، وجعله تحت سيطرة الدولة.

تصريحات خطيرة 

ولعل تحركات «داعش» فى الفترة الأخيرة، تكشف أنه يستغل الثغرات السابقة، ولذا كثف من هجماته فى كركوك الغنية بالنفط، وصلاح الدين، التى يوجد بها مراقد شيعية.
ففى ١٦ مارس، قال القيادى فى الحشد الشعبى الشيعى أبوحسام السهلاني، إن عملية أمنية بدأت للقضاء على مسلحى «داعش»، الذين يتخذون من جنوب غربى كركوك ملاذا لهم. 
وأضاف السهلانى فى تصريحات لموقع «الحشد الشعبي» على الإنترنت، أن العملية الأمنية أسفرت عن العثور على أسلحة ومواد متفجرة تستخدم لتنفيذ العمليات الإرهابية.
وبدورها، ذكرت وكالة «سبوتنيك» الروسية، أن قوات الحشد الشعبى والشرطة الاتحادية، أطلقت فى ١٢ مارس، عملية أمنية واسعة جنوب غربى محافظة كركوك لملاحقة خلايا «داعش»، المتبقية فى تلك المناطق، على خلفية هجمات شهدتها المحافظة مؤخرا استهدفت مدنيين وقوات أمنية.
وفى ١١ مارس، حذر حاكم الزاملي، رئيس لجنة الأمن والدفاع فى البرلمان العراقي، من أن داعش يخطط لاجتياح مدينة سامراء فى محافظة صلاح الدين شمالى البلاد، والتى تضم عددًا من المراقد الشيعية المقدسة.
وأضاف الزاملى خلال مؤتمر صحفى عقده فى سامراء، أن الأجهزة الأمنية وقوات الحشد الشعبى صدت فى ٩ مارس أكبر هجوم للتنظيم الإرهابى جنوب سامراء، ما أسفر عن مقتل ٩ من الحشد. 
ولفت إلى أن منطقة الفتحة جنوب سامراء أصبحت مأوى لخلايا «داعش»، لأنه يستغل الفراغات الأمنية بين المواقع العسكرية لشن هجماته فى تلك المنطقة، تمهيدا لاجتياح سامراء، واستهداف المرافق الدينية فيها، حسب تعبيره.
وتابع: «إن ١١ ألفا من عناصر الحشد الشعبى الشيعى ينتشرون فى المنطقة الصحراوية على مسافة ٧٠ كم جنوب سامراء، لكن هذه المنطقة الواسعة تحتاج إلى أعداد إضافية من قوات الأمن لحمايتها».

أهمية مزدوجة 

وفى ٢٤ فبراير الماضي، قال الزاملى أيضا إنه توجد تحذيرات وإشارات بأن الإرهاب ربما يستخدم الطائرات لاستهداف الأضرحة والأماكن المقدسة فى العراق، الأمر الذى سوف يخلق نوعًا من الهيجان والقلق فى البلد، كما حصل فى تفجير المراقد فى سامراء فى ٢٠٠٦.
وكان مسلحون قاموا فى ٢٢ فبراير ٢٠٠٦ بتفجير ضريح الإمامين الشيعيين على الهادى والحسن العسكرى فى سامراء، فى عملية استخدمت فيها قرابة مائة كيلوجرام من المواد المتفجرة، ما أدى إلى انهيار القبة الخاصة بالضريح حينها، وفى أعقاب التفجير، تعرضت العديد من المساجد السنية فى بغداد لهجمات من قبل مسلحين شيعة، واستمرت هذه الهجمات الطائفية سنوات بعد ذلك.
ويعول «داعش»، فيما يبدو على شيئين، لتكرار سيناريو ٢٠٠٦، هما الأهمية التاريخية لمدينة سامراء، وحقيقة أنها تضم واحدة من أهم العتبات الشيعية المقدسة، رغم أن غالبية سكانها من السنة.
فمعروف أن سامراء، وهى اليوم فى قلب الصراع الدائر حاليا بين داعش، من جهة، والسلطة المركزية فى بغداد، التى يهيمن عليها الشيعة، من جهة أخرى، كانت عاصمة الدولة العباسية فى بعض الأوقات، والعاصمة الثانية للدولة العباسية بعد بغداد، فى أوقات أخرى، فقد اختارها ثامن الخلفاء العباسيين المعتصم بالله لتصبح عاصمة، بينما كانت بغداد على وشك أن تشهد ثورة ضد الدولة العباسية.
وجلب المعتصم بالله حينها مواد البناء والمهندسين من كل المناطق الإسلامية ليبنى مدينة تثير الإعجاب، وسماها «سر من رأى»، ليصبح بعد ذلك سامراء، وقام الخلفاء، الذين تلوا المعتصم بالله، بتطويرها، لتصبح مدينة ذات شهرة واسعة فى الحضارة الإسلامية.
وتميزت المدينة بوجود ضريح يتردد أنه دفن فيه «على الهادى وابنه حسن العسكري، الإمامان العاشر والحادى عشر عند الشيعة، كما يتردد أنه اختفى فى المكان ذاته، الإمام الثانى عشر محمد بن الحسن المهدي، أو المهدى المنتظر، حسب معتقدات الشيعة».
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن الاتهامات، التى توجه لميليشيات الحشد الشعبي، بممارسة التطهير الطائفى فى بعض المناطق، لطرد السنة وإحداث تغيير ديموغرافى، يخدم أيضا مخططات داعش فى سامراء.
وكانت مناطق متفرقة من العراق، خاصة فى محافظات ديالى شرقا، وبابل وسط، وصلاح الدين شمالا، ومدينة سامراء، ومناطق فى محيط بغداد، قد شهدت تهجيرا لسكانها أو منعهم من العودة إليها بعد تحريرها، وذلك تنفيذًا لمخطط يهدف إلى تغيير طبيعتها السكانية طائفيا.
وقال رئيس لجنة الهجرة والمهجرين فى مجلس النواب العراقى رعد الدهلكى فى ٥ فبراير ٢٠١٦، إن هناك ١٠٠ ألف نازح من شمال محافظة بابل، يمنعون من العودة إلى ديارهم فى مناطق جرف الصخر والبو شمسى والخضر وغيرها، على الرغم من تحرير مدنهم من سيطرة داعش، وهى مناطق تسكنها غالبية سنية.
وأضاف الدهلكي، وهو نائب عن تحالف القوى الوطنية السنية، أن أبناء شمالي بابل من المكون السني تعرضوا إلى عمليات قتل وخطف المئات من قبل بعض الميليشيات والعصابات الإجرامية، وتمت تصفية العديد من رموزهم الدينية والعشائرية والسياسية، ومنهم إبراهيم الجنابي عضو مجلس محافظة بابل، والقاضي ابراهيم الجنابي، وآخرون.
وتابع أن تحالف القوى أجرى العديد من الاتصالات والنقاشات من أجل إعادة النازحين، ولكن دون جدوى بسبب عمليات تجري بتغييرات سكانية لطبيعة هذه المناطق، في إشارة إلى ترحيل سكانها السنة، وتوطين آخرين من الشيعة مكانهم.
وبصفة عامة، فإن العراق، يئن تحت وطأة أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية، وتوترات طائفية، وحروب بالوكالة، منذ الغزو الأمريكي في 2003، وهي أمور تمهد لظهور تنظيمات أخرى، على غرار "داعش"، إن لم تكن أكثر دموية. 
ويبقى الأمل معقودا على احتمال حدوث تغيير حقيقي في النظام السياسي العراقي، بما يضمن تمثيل كافة طوائفه ومناطقه، وبناء هوية وطنية مشتركة، لتفويت الفرصة على المتربصين بوحدة واستقرار البلاد.