الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الخلافة الإسلامية.. حقائق وأوهام "6"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعتقد أن المتابع لهذه السلسلة من المقالات قد تبين له جليا أن المسلمين قد عانوا أشد المعاناة على مدار تاريخهم من نظام الخلافة الذى يتباكى عليه بعض الأصوليين، ويتمنون عودته مرة أخرى كبديل لأنظمة الحكم الأخرى، وقد استغل هؤلاء جهل الناس بالتاريخ، فراحوا يصورون لنا عصر الخلافة بأنه عصر ازدهار للأمة وبأن جميع الخلفاء كانوا يتقون الله ويحكمون بشرعه، ويبكون ورعا ويغضبون لمظلمة عبد أو أمة، وربما يكون هذا الاعتقاد قد رسخ فى أذهان البعض نتيجة بعض المواقف التاريخية التى لو أحصيناها ما تعدت أصابع اليد الواحدة، وجميع كتب التاريخ التى تحكى هذه المواقف هى نفسها التى تحكى نقيضها، ولكن الثابت أن بحارا من الدم وأمواجا من العنف كانت سمة غالبة طوال عهد الخلافة الأموية ثم العباسية، وأظن أننا قد أوضحنا الحقيقة كاملة عبر هذه البانوراما التاريخية، وكنا ولم نزل نستثنى الخلافة الراشدة، رغم ما وقع فيها من فتن عظيمة أدت إلى انقسام المسلمين إلى أحزاب وفرق ما زالت قائمة حتى يومنا هذا، بعدما كان المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمة واحدة، ونستثنى أيضا حكم عمر بن عبدالعزيز الذى لم يدم لأكثر من عامين، أما باقى الخلفاء فإن التاريخ قد كتب سيرهم بمداد من دماء، فهذا قد قتل والده طمعا فى الخلافة، وذاك قد أشعل حربا مع أخيه لأجل الكرسى، وفى كل الحالات استغل الدين أسوأ استغلال لتوطيد أركان الحكم، وظهرت الأحاديث الموضوعة التى ذكر فيها أسماء خلفاء بعينهم، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تنبأ بأن يكون فلانا خليفة فى يوم ما، ناهيك عن تأكيد أن الخلافة فى نسل فلان، مع أنه صلى الله عليه وسلم قد مات دون أن يضع نظاما للحكم من بعده أو يوصى بخليفة له، ودعونا نتساءل هل ظهرت فكرة التكفير والخروج من الملة عند المسلمين إلا مع الصراع على الخلافة؟ هذا الصراع الذى لم يهدأ يوما، أى أن نظام الخلافة لم يضمن استقرار الأمة كما يظن البعض، فالخروج على الحاكم كان أمرا معتادا فما بين سطر وآخر ستقرأ فى كتب التاريخ الإسلامى أن فلانا قد خرج على الخليفة، وسمى نفسه أمير المؤمنين، وبايعه خلق كثير، ودخلت فى طاعته بلدة كذا وكذا، وعندما أعود بخيالى عبر التاريخ لأضع نفسى مكان المواطن المصرى البسيط الذى كان يعيش فى القرن الثالث الهجرى ويدعو للخليفة العباسى الجالس على عرشه فى بغداد، ولكن بين ليلة وضحاها تحتل بلاده جيوش خلافة أخرى، فيضطر إلى نقض البيعة التى فى عنقه للخليفة العباسى ويصبح تابعا للخليفة الفاطمى، وعليه أن يوافق على تكفير الخليفة العباسى الذى كان يتبعه أمس، وفى فترة من الفترات انقسمت الخلافة وتحولت الدولة الإسلامية الواحدة إلى ثلاث دول، الأولى فى بغداد «العباسية»، والثانية فى مصر والمغرب العربى «الفاطمية»، والثالثة فى الأندلس «الأموية»، والثلاثة يكفرون بعضهم البعض ويحاربون بعضهم البعض، ولك أن تراجع تاريخ الأمم والملوك للإمام الطبرى وتاريخ الخلفاء للسيوطى والكامل فى التاريخ لابن الأثير وتاريخ الإسلام للذهبى، والبداية والنهاية لابن كثير، وأنا أحدثك هنا عن مراجع إسلامية بحتة، ولست بصدد استعراض آراء لمستشرقين أو كتاب من العصر الحديث، وبعض أصحاب كتب التاريخ الإسلامى عايش اللحظة التاريخية، وكتب عنها، وجميعهم أدانوا بين السطور فكرة الخلافة التى يحكم فيها السلطان حكما مطلقا دون مشروطية حسب التعبير الذى استخدم فى العهد العثمانى حين طالب الناس السلطان عبدالحميد أن يضع مشروطية أى قوانين يحكم بها البلاد، وبمناسبة الدولة العثمانية التى اغتصبت الخلافة من العباسية، فلن ننسى ما ذكره ابن إياس عن المهازل التى حدثت فى مصر حين دخلها سليم خان أو سليم الأول فى شهر المحرم سنة ٩٢٣ للهجرة الموافق ليناير ١٥١٧ ميلادية، فقد «جرت أعمال سرقة ونهب فى سائر أنحاء المحروسة، واقتحم الترك الأزهر الشريف، وأحدثوا خرابا به وداسوا ضريح السيدة نفيسة بخيولهم، وتم قتل ما يزيد على عشرة آلاف من العوام فى يوم واحد وسلبت المخازن والأغنام والغلال، وأجبروا أمهر الصناع على السفر إلى الآستانة حتى توقفت الحرف»، وكان المصريون يدافعون عن أرضهم ضد الغازى التركى، ولذا فقد استبسلوا فى موقعتى مرج دابق ثم الريدانية، وحين هزموا، تم الإمساك بقائدهم طومان باى، فحزنوا كثيرا عليه وما زال فى وجدان كل مصرى أن طومان باى كان بطلا، ولم يقل أحدهم إنه كان يواجه جيش الخلافة الجديدة، وليس غريبا أن كل خلافة تتهم الأخرى بالكفر البين وبالأصول اليهودية، فهكذا قالوا عن الفاطميين وعن القرامطة، ولمن لا يعرف فقد ظهر يحيى القرمطى فى القرن الثالث الهجرى وتحديدا فى عهد الخليفة المكتفى بالله، وأعلن نفسه أميرا للمؤمنين وخليفة للمسلمين، فتبعه الآلاف، وكون جيشا كبيرا حارب جيش الخلافة العباسية، فلما قُتل تولى الخلافة شقيقه الحسين الذى أعلن أنه قد بعث لنهضة المسلمين وخلاصهم من الحكم العباسى الجائر، وفى سرعة البرق عظم ملكه حتى وصل إلى مكه، فلما جاء الحجيج لقضاء مناسكهم لاقاهم القرامطة، فقتلوهم جميعا داخل المسجد الحرام وطرحوا القتلى فى بئر زمزم وضربوا الحجر الأسود فكسروه ثم اقتلعوه من مكانه وسرقوه لأكثر من عشرين عاما.. إذن يا سادة فليس غريبا ما يفعله «داعش» الآن، فهم يقومون بما فعله أجدادهم حيث كانت بحار الدم لا تنقطع ولذة القتل لا تنتهى، وللحديث بقية.