الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أسماك القرش الدولية والفريسة السورية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قد يعتقد البعض أن الحرب قد انتهت بعد استئصال داعش من سوريا. ليس ذلك صحيحا بالمرة. يسيطر الآن نظام بشار الأسد، الذى تدعمه كل من روسيا وإيران، على أكثر من نصف البلاد، ومع ذلك لا نستطيع رؤية المخرج من هذه الأزمة، ولا نرى نهاية النفق.
ما كان يبدو، منذ سبع سنوات، كحرب أهلية، قد تحول إلى صراع دولى حلت فيه القوى العظمى محل حلفائها الإقليميين، فنجد كلا من الروس والإيرانيين، والأتراك، والإسرائيليين والأمريكان، منخرطين فى هذا الصراع.
لقد سقط طيلة هذه السنوات السبع ٣٥٣ ألفا و935 قتيلا، من بينهم ١٠٦ آلاف و390 مدنيا، و20 ألف طفل، و63 ألف جهادى، فضلا عن ٦٢ ألف متمرد ومعارض، و3 ملايين مصاب، من بينهم ١.٥ مليون من ذوى الإعاقة الدائمة، ونتج عن هذا الصراع ٦٠١ مليون نازح داخل سوريا، و٥.٦ مليون آخرون فى دول الجوار مثل الأردن ومصر ولبنان وتركيا، دون أن ننسى أوروبا خصوصا ألمانيا. لم يعد هذا الصراع يخص مصير بشار الأسد فقط ومصير الشعب السورى أو حتى الدولة الإسلامية التى فقدت ما يقرب من كل الأراضى التى كانت تسيطر عليها، ولكن تحول هذا الصراع إلى ساحة لمعركة جغرافية- سياسية فى الأساس.
وحتى لو اتفق كثير من المراقبين على القول بأن المحرك الأساسى لهذا الأمر روسيا، فإننى أعتقد بأن اللاعب الأساسى هو إيران التى تلعب أيضا دورا حاسما، فلقد نجحت فى بسط أذرعها كالأخطبوط على جميع الأراضى السورية.
فى بداية هذا الصراع، ظهرت إيران من أجل مساندة نظام بشار الأسد، ومنذ ذلك الحين، وقع بشار الأسد رهينة للمصالح الاستراتيجية الإيرانية، حتى ولو لم ننس أن هناك أيضا نوعا من التغلغل الاستراتيجى الروسى الذى يرجع لعام 1970 عندما تولى الحكم حافظ الأسد، والد بشار الأسد الذى كان يعتبر صناعة روسية. واليوم وقع الروس مؤخرا عقد إيجار لمدة 49 عاما، يحفظ لهم تواجدهم فى قاعدتين عسكريتين: الأولى هى قاعدة بحرية فى طرطوس، أما الثانية فهى قاعدة جوية فى حميميم.
أما بالنسبة للجار الإسرائيلى فتعتبر إيران وحليفها حزب الله هما أكبر تهديد عسكرى، تماما مثل العدو الزاحف على حدوده والمتربص بكل شىء. وليس هناك ما يدعو للدهشة حين نرى فى الوضع الراهن أن الجار الإسرائيلى قد شن بعض الغارات الجوية التى استهدفت مواقع عسكرية إيرانية فى الأراضى السورية.
و لكن حتى الآن، فإن ما يمكن أن يؤدى إلى الحرب هو قيام السوريين بمهاجمة مقاتلة إسرائيلية من طراز «إف ١٦»، وتحول الأمر ذلك الحين إلى توتر دائم على الحدود بين كلا الطرفين.
وما تغير الآن منذ عام 2011، عندما بدأت الحرب، هو نظام الدفاع الجوى السورى الذى أصبح أكثر تطورا ونجح فى استهداف الـ«إف ١٦» الإسرائيلية، مما يعد إنذارا لإسرائيل، التى يجب أن تعترف أنها لم تعد تسيطر على المجال الجوى السورى كافة - كما فى السابق - عندما قامت بغاراتها.
وبالنسبة لـ«تركيا أردوغان»، فإن ما يهمها هو القضاء على الميليشيات الكردية التابعة لوحدات حماية الشعب «YPG»، وهى الجناح المسلح لحزب الوحدة الديمقراطى السورى، والموجودة على الحدود مع سوريا فى شمال شرق البلاد، وتعتبر تركيا هذه الميليشيات تهديدا وجوديا لها.
أردوغان طويلا الذى عارض لفترة طويلة بقاء بشار الأسد فى الحكم استسلم الآن، وقبل ببقائه، بعد أن دعمه بقوة كل من الإيرانيين والروس.
وبالنسبة للأمريكان الذين يأملون فى التصالح مع تركيا باعتبارها ثانى أقوى جيش فى حلف شمال الأطلسى بعد الولايات المتحدة، فإن الميليشيات الكردية التى يقومون بتدريبها وتسليحها والتى ساهمت بشكل كبير فى استئصال داعش يمكن أن تفقد مساندتهم.
وهذا يعنى أن الأمريكان لديهم النية لإبقاء القوات على الحدود التركية السورية مع ما يتضمنه ذلك من مخاطر الصدام مع تركيا إذا لم يتوصل أردوغان إلى إنهاء مقاومة أكراد «وحدات حماية الشعب».
وفى خضم كل ذلك، فإن نظام بشار الأسد استطاع بمساعدة الروس والإيرانيين إبادة كل ما كان يعتبر من المتمردين المعارضين لنظام بشار والجماعات الإرهابية داخل الغوطة الشرقية، ذلك المعقل الموجود فى دمشق، عاصمة سوريا، الذى كان يعيش فيه ٤٠٠ ألف مواطن.
وفى هذا الإطار، فقد أظهرت منظمة الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وبقايا المعسكر الغربى عجزها فى مواجهة نظام لم يتردد فى كثير من المرات فى استخدام السلاح الكيماوى لإبادة المعارضين والمدنيين.
واليوم فإن حل الصراع لا يمكن أن يحمل شعار «صنع فى أمريكا»، خصوصا فى ظل وجود دونالد ترامب المتناقض، بل الذى لا وجود له شأنه فى ذلك شأن أوباما.
يبدو أن بوتين يمتلك مفتاح حل الصراع أكثر من أى وقت مضى، إذ إنه على تواصل مع الغرب ومع العرب الذين أثاروا الأزمة، خاصة أنه يعلم كيف يستفيد من الفراغ والمواقف المتناقضة التى يتخذها الغرب لكى يعود بقوة ويوطد نفوذه بشكل دائم على المسرح السياسى الشرق أوسطى.