الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

منابر الإعلام للجميع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما تعيش فى زمان ومكان مختلفين عن الواقع من حولك، فأنت مختّل فى نظر كل عاقل. أما عندما تكون مبصرًا بين عميان لا يعتقدون أن بإمكان إنسان أن يرى أبدًا لأن تلك حدوده على الأرض التى لا يجب أن يتخطاها، فأنت آثِم يجوز عليه أشد عقاب، إذا حاولت أن تصف لهم الأشكال والألوان والأبعاد.. أنت تربك واقعهم المحدود وتجعلهم -معاذ الله- يفكرّون..
يعيش مفكرّو عصرنا القلائل لغاية يعلمها العالمون، فى موضع بائس، حيث لا يراهم ذوو شأن سوى هؤلاء القلّة الشعبية المثقفة، أمّا عن الباقى الذى من أجله يتحدث المتنور علّه يريهم ما لم يعرفوا بوجوده، فلا يطال الا السبّ والشتم والتكفير وتهديدات الاغتيال.
فى زمنٍ كهذا، يصبح فيه التعصّب واجبا والعصبية فرضا، يشعر كل فرد فى المجتمع بأن له صوتا يجب أن يُسمع وأن هذا الصوت سيغير أمرًا، أى أن أعمى من الذين وصفناهم فى أول المقال يأخذ مكانه بجانب المبصر ويبدأ بإحداث بلبلة موهمًا الناس بأنه كذلك يرى. ما يحدث بعد ذلك، هو مناقشات حادة بين الأعمى والبصير، هذا يصف العالم كما يعرفه العميان أمثاله، وذلك يصف العالم كما هو، فمن يا تُرى سيتم تصديقه أكثر؟؟ أكيد الشخص الذى يصف المألوف هو الذى سيفوز بالقلوب، ويربّعونه زورًا على عرش المبصرين ليقودهم فى مسيرتهم.
كل شىء أصبح هزليًا، بدءًا بتعليم جهول وانتهاء إلى إعلام وثقافة هزلية. آسف على بلدٍ كان منبر للعلم والدين، ففقد بفقدان العقول كليهما. حتى أصبح المنبر سوقا لبيع الخرافات بالجملة، والمنارة سجنا عائما فوق مياه راكدة.
جيل التسعينيات التعس، خرج للعالم فلم يجد من يستحق احترامه، فينظر له على أمّل أن يصبح عظيمًا مثله. يكبر هذا الطفل بدون قدوة، فإما يندمج مع عالم المسخ الذى عرفه، فيخرج لنا شاعرًا لا يستحق نعمة الكلمات، أو إعلامى لا يعلم شيئا ليعلمه للناس، ومع كثرة غياب الأمل، وتناقص فرص النجاح فى أى مجال، تصبح الشهرة أسهل ما يمكن الحصول عليه، تحت شعار «كلما كنت فارغًا أكثر، كلمّا زاد عدد متابعيك» فحصلت بدون جهد على هدف فى حياة بائسة، لا ينقص الشعور الدائم بالعدم فيها سوى الإقدام على الانتحار أو هجرّةً أبدية.
العدمية، هو مرض فلسفي، يشعر المرء بأن لا قيمة له فى هذه الحياة، ولد ليتعس ثم يموت فيفنى الى الأبد. بين الفراغ التعليمى إلى الفراغ العملى اللذين يولّدان جيلًا شابًا لا يعرف فى ماذا يجب عليه استثمار الوقت، وما فائدة فعل أى شىء من الأساس، مع نقصان الإيمان أو تحويله إلى طاقة تدمير، نجد أنفسنا أمام شعب، لن يقّدم شيئًا، ولا يعلم فيم يقدّم ولو أراد. أمام شباب لا يجدون وسيلة واحدة نافعة لتفريغ الطاقة أكثر من موقع شبكى لخلق عالم افتراضي، يشعرون عليه أم بإمكانهم تحقيق شىء ما، فى بلد ليس ببلدهم، ومستقبل لا يملكون القدرة أو الجرأة على أن يحلمون بقدومه.
لن تتقدم دولة بتعبير الصغار عن حبّها بالرقص والغناء الشعبي، ولن تتقدم بشخص يحكمها بخطة محكمة لمستقبل أفضل. لن تتقدم إلا عندما يعمل المرء ما يتقن عمله، ويتوقف الشباب عن الانخداع فى قدراتهم قبل حصولهم على أى تدريب أو تعليم يؤهلهم للخروج علينا من كل مكان فى محاولة بائسة لإثبات الذات.. تلك الذات التى لن تكون أبدًا، قبل أن يحصلوا على تعليم يجعلهم يعرفون قدر تفاهتهم فى الماضي، وفرص بعد التعليم، لتحقيق ذواتهم إذا ما استحقوا أن يكونوا فى هذا المجال أو ذاك.