الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"الآثار" تكشف دور المسكوكات الإسلامية في إبراز الجوانب التاريخية

 الدكتور محمد عبد
الدكتور محمد عبد اللطيف مساعد وزير الآثار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكد الدكتور محمد عبداللطيف، مساعد وزير الآثار، أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة المنصورة، أن للمسكوكات "العملات" دورا كبيرا في دراسة التاريخ والآثار لما تمثل من وثائق لا يمكن الطعن بها، فهى بحق مرآة العصر الذى ضربت فيه، وبذلك فهي تبرز لنا أوجه الحضارة الإنسانية كافة وما تزال تمدنا حتى الآن بمعلومات غاية فى الأهمية وتكشف لنا جوانب حضارية كانت خافية علينا جميعا.
كشف عبد اللطيف خلال المحاضرة التى ألقاها اليوم فى المؤتمر الدولي الذي نظمه المعهد العلمي الفرنسي بالقاهرة عن تاريخ فكرة استخدام النقود، أنه كان لبلاد الرافدين السبق في اتخاذ المعدن وسيطًا للمبادلة، ويتفق علماء النميات "المسكوكات" والتاريخ على أن مملكة ليديا القديمة (بالقرب من أزمير في تركيا حاليا) شهدت صناعة المسكوكات وانتشارها في بلدان العالم أجمع، وقد تطورت صناعة المسكوكات بتطور الفن اليوناني وتشير المصادر التاريخية إلى أن العرب عرفوا المسكوكات وقلدوا الطراز الإغريقي في المسكوكات، وضربت بعض الممالك العربية كسبأ ومعين وحمير النقود.
أضاف "أن اشتغال قريش بالتجارة ساعد على انتشار العملة في بلاد الحجاز، واستمر تداول النقود البيزنطية والساسانية في عهد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) بالإضافة إلى بعض النقود المحلية الأخرى، وقد وردت أسماء بعض النقود المتداولة في القرآن الكريم كالدينار والدرهم.
قال إن دراسة المسكوكات الإسلامية على جانب كبير من الأهمية في الدراسات الأثرية والتاريخية حيث إنها تعد وثائق رسمية لا يسهل الطعن في قيمتها أوالتشكك في أصالتها ومن ثم يمكن الاعتماد عليها في تصحيح الكثير من الأخطاء التاريخية من جهة وإضافة حقائق تاريخية جديدة مستمدة منها ولم ترد في المصادر التاريخية من جهة أخرى، وعلى حد قول عالم النميات الأمريكي جورج مايلز في مقدمة كتابه عن تاريخ النقود" لا يوجد حقل في التاريخ خدمته مسكوكاته بالقدر الذي خدمت به المسكوكات الإسلامية التاريخ الإسلامي".
أضاف إن النقود حظيت باهتمام خاص في الدولة الإسلامية واهتمت الشريعة بها لارتباطها بالزكاة والصداق والعقود والوقف وغيرها، كما كانت تعتبر الجهاز الإعلامي لدى الدولة إذ هي في متناول يد الجميع وسريعة الانتشار فكانت وسيلة التخاطب بين الحاكم ورعيته كما أنها أداة سياسية قوية ولعبت دورًا مهمًا في الحياة السياسة فكانت تمثل أهم شارات الملك والسلطان.
عن تعريب السكوك.. أوضح عبد اللطيف أن المصادر التاريخية أشارت إلى المحاولات الأولى المبكرة التي قام بها الخليفة عمر بن الخطاب في سنة 18هـ/639م، لضرب الدراهم الإسلامية على غرار الدراهم الفارسية، بعد أن زاد فيها عبارة الحمد لله أو محمد رسـول الله أو لا إله إلا الله وحده، كما أشارت المصادر إلى ضرب الخليفة عثمان بن عفان في الذى حكم فى الفترة من (23- 35هـ / 644 – 655 م ) للدراهم بعد أن زاد فيها عبارة التكبير الله أكبر.
أضاف أن الخليفة معاوية بن أبي سفيان الذى حكم فى الفترة من (فى عام (41 - 60هـ / 661 –680 م) قام بضرب الدراهم ونقش عليها اسمه.. لافتا إلى أن المتحف البريطاني بلندن يحتفظ بنماذج من دراهم معاوية، كذلك ينسب بعض المؤرخين إلى معاوية بن أبي سفيان ضربه لدنانير ذهبية نقش عليها صورته وهو متقلد سيفه، وإذا صح هذا، يكون معاوية هو أول من ضرب صورته في العملات والنقود الإسلامية.
لفت إلى أن التعامل بالنقود الرومية والفارسية ظل قائمًا، ولم تمنع تلك المحاولات السابقة من تداولها، إلى أن جاء الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان في عام 74هـ / 693 م وضرب النقود الإسلامية الخالصة التي خلت تماما من النقوش والشارات والرموز الفارسية والرومية، وبعث بالسكة أي (الحديدة المنقوشة) التي تُضرب عليها الدنانير والدراهم إلى أرجاء الدولة الإسلامية لتستخدم في عمل النقود، وقد نُقش على أحد وجهي الدينار أو الدرهم عبارة لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعلى الوجه الآخر سورة الإخلاص ﴿قل هو الله أحد * الله الصمد* لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوًا أحد﴾ صدق الله العظيم، وعلى ذلك يعد الخليفة عبد الملك بن مروان هو أول من اتخذ عملة رسمية من الذهب والفضة لا يجوز التعامل بغيرها، ولذا لم يختلف المؤرخون العرب في نسبة الطراز العربي للسكة الإسلامية إلى الخليفة عبد الملك بقدر اختلافهم في الدافع الذي أدى به إلى عملية التعريب.
تطرق الدكتور محمد عبد اللطيف ـ فى محاضرته ـ إلى النقود في العصور الإسلامية المختلفة، قائلا إنه في العصر العباسي، استمر استعمال النقوش القرآنية بالخط الكوفي على الدنانير الجديدة، كما حافظ العباسيون في بداية الأمر على استمرار ضرب الدنانير الذهبية في كل من مصر ودمشق حتى عام 198هـ/813م، حيث بدأت الإشارات الأولى نحو التغير تظهر على العملة العباسية منذ عهد الخليفة المهدي الذي أمر بنقش علامات منقوطة، أو حروف تفيد بضبط العملة وتحديد صلاحيتها للتدوال.
أضاف أنه في عهد الخليفة هارون الرشيد، سُكَّت دنانير نادرة في دور الضرب ببغداد والفسطاط، وفي عهد الرشيد أيضًا الذى حكم فى الفترة من (170- 193هـ / 786 – 809م)، حدث تطور رئيس في نظام السَّك إذ حيث أمر أن ينقش اسمه واسم ابنه الأمين على العملة الذهبية، وشجع هذا النظام الإداري الجديد الولاة والعمال في الأمصار على نقش أسمائهم، فظهرت لأول مرة أسماء ولاة مصر على الدنانير الذهبية، ومن أمثلتها الدينار الذي يحمل اسم الأمير علي بن سليمان بن علي العباسي، الذي تولى أمر مصر فى الفترة من (169-171هـ / 785- 787م)، وقد أحدث هذا التغير أثرًا سلبيًا على العملة العباسية وبخاصة الدنانير الذهبية، حيث بدأ حجمها يكبر وسمكها يقل، وأصبحت الكتابات تنقش على الهامش في سطرين عوضًا عن سطر واحد، وأصبح الخط الكوفي أكثر رشاقة.
بالنسبة للنقود الفاطمية، قال إن الخلفاء الفاطميين ضربوا الدنانير الذهبية بأسمائهم ونقشوا عليها العبارات الشيعية، كما ابتدع الفاطميون نوعًا من النقود التذكارية الذهبية صغيرة الحجم خفيفة الوزن تسمى (خراريب) ومفردها خرُّوبة، وتقدر قيمة وزنها بـ 0،194 جم. وكان الغرض من ضرب هذه الخراريب هو توزيعها على عامة الشعب في المواسم والأعياد، كما ضرب الفاطميون نوعًا آخر من النقود التذكارية تسمى الغرة، وهي مجموعة من الدنانير والرباعيات والدراهم المدورة تضرب بأمر الخليفة في العشر الأواخر من ذي الحجة. 
قال إنه بسقوط الخلافة الفاطمية في سنة (567هـ/1171م) وانتقال الحكم إلى الأيوبيين، عمل هؤلاء في بادىء الأمر على إصدار عملتهم الذهبية على طراز العُملة الفاطمية ذات النقوش الدائرية، وذلك على مدى الثلاثين سنة الأولى من حكم الأيوبيين، ولما تولى السلطان العادل في عام (596هـ /1200م)، أعاد إصدار العُملة على غرار العُملة التقليدية أي نقش النصوص الكتابية في سطور أفقية احتلت وجه العُملة وظهرها،كما أدخل السلطان العادل بعض التعديلات على العُملة منها تسجيل اسمي السلطان والخليفة العباسي وألقابهما بالخط الكوفي، بدلًا من الشهادة وسورة الإخلاص في الطراز التقليدي، مع الإبقاء على الأطر الخارجية التي بدأت تنحسر تدريجيًا حتى اختفت تمامًا. 
أما في العصر المملوكي.. أشار الدكتور محمد عبد اللطيف إلى العملة التي ضربها السلطان الناصر محمد بن قلاوون فى عام 724هـ / 1323م، والتي تضمنت نقوش العُملة المملوكية اسم السلطان ولقبه، بالاضافة إلى مكان الضرب وتاريخه وشعار السلطان الذي كان يُنقش أحيانًا في أعلى النص أو أسفله أما ظهر الدينار المملوكي فكان ينقش عليه عبارة دينية تتألف عادة من الشهادة وفقرة من آية قرانية.
أكد أنه من خلال المسكوكات يمكن تتبع التطور في تكون الدولة الإسلامية وتوسعها، إذ يمكن من خلال تصنيف النقود أن نحصل على قوائم الأسر الحاكمة فى العالم الإسلامى وضبط تواريخ حكمها بكثير من الدقة، وهناك أيضًا بعض العبارات والألقاب التى تم كتابتها على النقود ذات مغذى ونذكر منها بعض الآيات القرآنية، كالآية الكريمة "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" صدق الله العظيم، وهو الشعار الذي ضربه محمد النفس الذكية وأخية إبراهيم أثناء ثورتهم ضد الخليفة أبو جعفر المنصوري.
أضاف "كما تمت كتابة الآية الكريمة "فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ" صدق الله العظيم، ووردت على النقود العباسية منذ عهد الخليفة المأمون بعد مقتل أخية الأمين عام 198هـ/ 813 م وهي تعبر عن ذلك الحدث، وعبارات أخرى غير قرآنية مثل (عز نصره) ظهر على نقود المماليك البحرية والجراكسة كدعاء للسلطان للتغلب على أعدائه، وعبارة (خلد ملكه) على النقود العثمانية.
كما أكد أن النقود تعبر عن الحالة الاقتصادية للبلاد فإن كانت ذات وزن وعيار عال دلت على قوة اقتصاد البلد كما في النقود الفاطمية والطولونية والعكس صحيح كما في نقود المماليك الجراكسة ونستطيع من خلال فحص هذه النقود أن نتعرف على نقاء المعدن الذى سك منه أو على الخلائط المعدنية وكذلك طريقة السك ودقة الصنع..مشيرا إلى أنه يمكن من خلالها كذلك معرفة عقيدة الحاكم ومذهبه، وكذلك التعرف على العديد من المذاهب والفرق الدينية المختلفة.
أوضح أن جميع النقود تحمل بالإضافة للتاريخ الهجرى اسم الخليفة أو الملك أو السلطان أو الأمير أو الوالى وأحيانا اسم المشرف على الضرب والوزير حيث يحرص الحكام على ذكر ألقابهم بالكامل على النقود لأنها إحدى شارات الحكم الثلاث، ويفيدنا ظهور أسماء بعض الثوار والمغتصبين للحكم فى استنباط الكثير من الحقائق التاريخية.