الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

ريم بنّا.. فراشة الغناء الفلسطيني

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"لن أقول عن ريم بنّا رحلت.. ولكنني سأقول إن هذه الأخت الفلسطينية الغالية اختارت أن تحلق فجر هذا اليوم مع الملائكة في سماء الوطن.. صعدت ريم بنّا نحو الأبدية وهزمت سرير المرض.. وبقيت لنا الذاكرة.. وبقي الصوت يغني فلسطين، وسيظل، يغني فينا فلسطين، رغم رحيل الجسد". 
بهذه الكلمات الحزينة نعى وزير الثقافة الفلسطيني إيهاب بسيسو الفنانة الكبيرة ريم بنّا، والتي رحلت عن عالمنا فجر أمس السبت بعد صراع طويل مع مرض السرطان، لم تتوقف فيه يومًا عن الغناء، لتلحق روحها بالأبدية، بينما يبقى صوتها واحدًا من رموز المقاومة الفلسطينية ضد سرطان الاحتلال.
"صوتي كان سلاحي الوحيد ضد الاحتلال، ضد إرهاب إسرائيل التي قتلت وشردت وذبحت وحاصرت ونفت، وما زالت تمارس أبشع جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، ولكن إذا بت غير قادرة على العودة إلى الغناء، فهذا لا يعني أن سلاحي سقط.. سلاحي لم يسقط، لأني ما زلت قادرة على تقديم الكثير لخدمة شعبي وفلسطين الوحي الأول والأخير بالنسبة لي.. فلسطين الخطوط الحمراء، وأتحدث عن فلسطين التاريخية، فلسطين الكاملة من الشمال إلى الجنوب.. بالنسبة لي هذا التكريم هو لفلسطين التاريخية، ولأرواح الشهداء، وكل الأسرى والمعتقلين، ولكل اللاجئين الفلسطينيين الذين ننتظر يوم عودتهم إلى بلداتهم الأصلية"، هكذا قالت "بنّا" في حفل اختيارها شخصية العام الثقافية في فلسطين عام 2016.
كانت المغنية التي وُلدت في العام 1966، بمدينة الناصرة في الأراضي الفلسطينية المحتل، وهي ابنة الشاعرة الفلسطينية زهيرة صباغ، قد قاست كثيًا في ذلك العام، وكانت وقتها مُهددة بفقدان صوتها للأبد بسبب المرض الخبيث وفقما ذكرت حينذاك لمحبيها عبر صفحاتها على موقع التواصل الاجتماعي.
مثّلت أعمال ريم، التي درست الموسيقى والغناء في المعهد العالي للموسيقى في العاصمة الروسية موسكو وتخرجت منه عام 1991 بعد ست سنوات أكاديمية درست خلالها الغناء الحديث وقيادة المجموعات الموسيقية، قيم الصمود والبنّاء والعمل؛ حيث حملت فلسطين بصوتها كلمات وتنهيدات ومعان وقيم، أصرت فيها على الثبات والحياة والإصرار على الذهاب إلى الغد بخطى واثقة. اختصرت في أغنياتها الكثير عن فلسطين ونضال شعبها ضد الاحتلال، وعن المرأة الفلسطينية التي لا تكل في الدفاع عن وطنها وحريتها.
تميز أسلوبها الموسيقي بدمج التهاليل الفلسطينية التراثية بالموسيقى العصرية، وأخرجت الكثير من الأعمال بشكل عصري ساهمت في الكثير منها بالتلحين وليس فقط الغناء؛ وكانت قد بدأت مسيرتها بمحاكاة لتجربة فلسطينيّة أخرى تمثّلت في جورج قرمز، الذي برز واختفى في الثمانينيّات. مع اختفاء تجربة قرمز كانت تطلق باكورة أعمالها "جفرا" عام 1985، ثم في العالم التالي "دموعك يا أمي"؛ ثم "الحلم" عام 1993 الذي قدمته بالتعاون مع زوجها الموسيقيّ الأوكرانيّ ليونيد ألكسيينكو.
يأتي أشهر ألبومات ريم بنّا "تجليات الوجد والثورة"، والذي جاء بدعم من وزارة الخارجية النرويجية وجمعية صوت وصورة، وتكّفل بإنتاجه وتوزيعه الموسيقي عازف البيانو العالمي الفنان النرويجي بوجي وزلتوفت؛ ويتضمن الألبوم اثني عشرة أغنية، ست منها صوفية وهي قصائد لرابعة العدوية، وابن الفارض، والحلاج، وابن عربي؛ أما بقية الأغاني فهي لشعراء عرب بينهم أبرز شعراء فلسطين محمود درويش، وراشد حسين شاعر المقاومة الفلسطينية الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في السبعينيات من القرن الماضي، وبدر شاكر السّياب، بالإضافة إلى قصيدة من كلمات المناضل التونسي عمارة عمراني الذي عانى ويلات التعذيب وقضى فترة من عمره في زنزانات السجون أيام حكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي؛ ويُعّد هذا الألبوم هو الأكثر تداولًا بين أعمالها حتى الآن.
في رثائها، وصفت وزارة الثقافة الفلسطينية رحيلها بأنه خسارة كبيرة للثقافة الفلسطينية، وقالت "فهي الفنانة التي قدمت لفلسطين أجمل الأغنيات حتى كبر جيل فلسطيني وهو يستمع لأغنياتها التي جابت الأرض، تحمل في كلماتها ألوان علم استشهد من أجله الكثيرون، وكوفية ثوار، وأحلام آلاف الأسرى وشعب بأكمله بالتحرر والدولة". لتبقى الفنانة التي تألقت كواحدة من تجليات الوجع والثورة والتي هللت كثيرًا بصوتها لأطفال كبروا قليلًا، على رأس الجبل يستنشق هواء البلاد راسمًا مرايا الروح، لتحكي للعالم عن "بيت كسروا قنديله".