الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

اللي فاضحنا ومسرب بياناتنا.. "فيس بوك" يواجه شبح السقوط

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مش عارف ليه كان جوايا احساس لدرجة اليقين أن آخرتنا هتكون على ايد ذلك الاختراع الجاسوسي المدهش الذي يسمونه مواقع التواصل الاجتماعي .. وبكل اسف "وقعت الفاس في الراس" و "كل شيء انكشفن وبان" .
حيث كشف النقاب مؤخراً عن فضيحة تسريب أو سرقة بيانات ملايين المستخدمين لموقع "فيس بوك" ، التي منيت بخسائر فادحة في قيمة أسهمها السوقية قدرت بنحو 70 مليار دولار أمريكي منذ تفجر هذه الأزمة التي تعد الأخطر والأسوأ في تاريخ "فيس بوك" منذ تأسيسه عام 2004، وبصورة تهدد بشكل فادح مصداقية ومستقبل هذا الموقع .
إذ أن هذه الأزمة لا تتعلق فقط باستغلال بيانات بعض مستخدمي الموقع للتأثير على أحداث سياسية معينة كما حدث في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، ولكنها تفتح جدلا واسعا حول مدى احترام إدارة موقع (فيس بوك) لخصوصية وضمان سرية بيانات مستخدميه، ومنع إمكانية وصولها إلى جهات أو دول معينة، الأمر الذي قد يؤدي إلى شكل جديد من الرقابة أو الترويج لمعلومات وبيانات مضللة.
وكانت فضيحة سرقة بيانات المستخدمين لموقع "فيس بوك" قد تفجرت بعد أن كشف خبير في تحليل البيانات بشركة ( كامبردج أناليتيكا ) البريطانية، عن وجود ثغرة رئيسية في نظام "فيس بوك "سمحت لهذه الشركة بجمع البيانات الشخصية لنحو 50 مليون مستخدم لهذا الموقع، بدون إذنهم أو علمهم منذ عام 2014.. ما دفع الكثيرين إلى توقع سقوط الموقع بعد تورطه في أخطر فضيحة إليكترونية .

تأثير متفاوت
في الواقع فإن قوة تأثير هذا الموقع تختلف من بلد إلى آخر .. ففي حين تشير المعلومات إلى أنه في الغرب وأمريكا لا يتعدى كونه أحد وسائل قياس اتجاهات الرأي العام والتعرف على "المزاج" الجماهيري.
إلا أنه في بلد مثل بلدنا المحروسة مصر توغل هذا الموقع واستوحش وطغى نفوذه واستبد في أوامره ونواهيه حتى تحول إلى "الحاكم بأمره" من خلال حالة الضغط الشديدة التي يمارسها على صناع القرار والجهات الرقابية لتوجيه الانتباه إلى أمر ما أو ممارسة مزيد من الضغوط إلى الدرجة التي تدفع الحكومة في أحيان كثيرة لاتخاذ قرارات ربما تكون غير سليمة أو متسرعة إرضاء لجمهور "فيس بوك".

ثورة التكنولوجيا
وقد أدى تسارع التطور التكنولوجي في منتصف التسعينات من القرن الماضي إلى حدوث طفرة على كافة المستويات العلمية ، وانطلاق ثورة حقيقية في عالم الاتصال , حيث انتشرت شبكة الإنترنت في أرجاء العالم التي ربطت العالم كله بأجزائه المترامية ، و هو ما جعل العالم يشبه القرية الصغيرة , حيث أصبحت المجتمعات أكثر انفتاحا على بعضها البعض و بات من السهل التعارف وتبادل الآراء والأفكار والخبرات, ويعد الإنترنت الآن أفضل وسيلة اتصال بين الأفراد والجماعات, ومع ظهور المواقع الإلكترونية والمدونات الشخصية وشبكات المحادثة اختلف شكل الاتصال ، وظهرت أنواعا أخرى أكثر انتشارا وانفتاحا وتأثيرا , حيث يؤثر أصحاب المواقع على المستخدمين ويؤثر المستخدمين على بعضهم البعض .

امبراطورية "فيس بوك"
تشير الأرقام المنشورة إلى أن أعداد مستخدمي موقع فيس بوك يبلغ نحو المليار و200 مليون متابع في منطقة الشرق الأوسط وحدها.. ووفق الاحصاءات فان أعداد مستخدمي تلك المواقع تزداد زيادة مطردة في كل ثانية فعلى سبيل المثال موقع فيس بوك يتراوح أعداد مستخدميه نحو المليار وما يقارب ال60 مليون في منطقة الشرق الأوسط وحدها ، لذلك يعد أكبر موقع اجتماعي حول العالم, ويليه موقع تويتر حيث يصل عدد مشتركيه إلى 290 مليون مشترك حول العالم منهم 6 ملايين مشترك في العالم العربي , أما موقع مثل اليوتيوب فقد وصلت عدد مرات المشاهدة في العالم العربي إلى 170 مليون مشاهدة في اليوم ، وذلك حسب آخر إحصائية لعام 2013, وجوجل بلس والذي نشط مؤخرا حيث تشير الإحصاءات أن عدد مستخدميه وصل إلى ما يقارب 340 مليون مستخدم , والجدير بالذكر أن تلك الإحصاءات قابلة للزيادة والتطور في كل ثانية .
بعد ان اثبتت تلك المواقع اهميتها وفعاليتها وحجم تأثيرها الهائل على قطاعات مختلفة من المتلقين خاصة السباب بدأت الحكومات حول العالم في التفكير في الاستفادة من وجود تلك المواقع ، حيث استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية في كشف بعض الجرائم عن طريق تتبع الحسابات الشخصية للأشخاص المشتبه بهم, كما استخدمتها بعض المؤسسات التعليمية حول العالم كوسيلة لمساعدة الطلاب على البحث العلمي والتحصيل الدراسي .

العالم قرية صغيرة
ولما كان العالم العربي جزءا من العالم الكبير بات لزاما عليه مواكبة هذه التطورات التكنولوجية الحديثة, وهو ما حدث بالفعل حيث ظهرت أجيالا من الشباب العربي لديها أحلام وتطلعات وآمال جديدة وكبيرة حول مستقبلها ومستقبل أوطانها, تلك التطلعات خلقت لديه مزيدا من الشغف والتعطش لمعرفة المزيد عن العالم الذي نعيشه ومحاولة بناء طرق للتواصل والتعارف مع هذا العالم, حيث أصبح لكل شاب على مواقع التواصل الاجتماعي صفحته الخاصة به والتي تمكنه من التواصل بيسر وأيضا الالتقاء بزملاء قدامى كزملاء الدراسة مثلا.
اللافت في الأمر هو الإقبال الشديد من الشباب العربي ليس على استخدام الإنترنت كوسيلة اتصال فقط وإنما إقبالهم على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ( فيس بوك وتويتر) وهما الأكثر انتشارا في العالم العربي, وهو ما ظهر جليا بعد ثورات الربيع العربي على وجه الخصوص وكأن المشكلات والقضايا السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية التي تؤرق العالم العربي كلها كانت معلقة ومؤجلة إلى حين ظهور تلك المواقع, حيث انطلق الشباب العربي بكامل قوته وجعل تلك المواقع ساحة لمناقشة هذه القضايا التي كانت تنتظر متنفسا لتخرج منه, الأمر الذي أدى إلى ظهور تساؤلات كثيرة حول إمكانية قيام مواقع التواصل الاجتماعي بتحريك الجماهير والتأثير في مشاعرهم, ويثبت مدى تراجع دور الصحف والمقالات وحتى دور التليفزيون في تنظيم العمل الجماعي في تطور يغير مفهوم الاتصال بشكله المعروف.

سلاح الشباب
وأن اختلف البعض حول مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن على سبيل المثال فلم تنجح تلك المواقع في حشد الناس بشكل كبير وإنما ساهم في ذلك عوامل أخرى, أما الثورة السورية فكانت مواقع التواصل الاجتماعي عبارة عن سلاح ذو حدين حيث أنها لم تساعد الشباب السوري فقط فى الحشد بل أنها ساعدت النظام السوري على تعقب هؤلاء الشباب من خلال البصمة الرقمية .
وقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تشكل جزءا من الحركات الاحتجاجية ضد الأنظمة الاستبدادية وكسر احتكارها للمعلومات, كما أنها شكلت عامل ضغط على المسئولين والحكومات من خلال اتحاد مجموعات من الأفراد حول أفكار وآراء متقاربة وهو ما أدى إلى ثراء المجتمعات فكريا, وانتشار وعى أفراد المجتمع بحقوقهم وواجباتهم, كما اختلفت طريقة تعامل الدول مع مواقع التواصل الاجتماعي حيث أصبحت مؤشرا على درجة التحول السياسي والديمقراطية في تلك الدول وبدأت تأخذ في عين الاعتبار أهمية التوازن بين هذه المواقع كوسائل للحرية والتعبير وبين ضرورة وجود ضوابط تحكم عملية استخدامها للوقوف دون تحولها لأداة تهدد أمن المجتمع أو استقرار الأنظمة كما حدث في بعض الدول .
على الرغم من استخدام الشباب تلك المواقع في البداية للدردشة وإقامة الصداقات وتفريغ الشحنات العاطفية إلا أنه ومع مرور الوقت تطورت العلاقة بين الشباب ومواقع التواصل الاجتماعي فبدئوا يستخدمونها في تبادل وجهات النظر والمطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, كما أنها نجحت فى نقل الأحداث لحظة بلحظة وقت وقوعها ويمكن تبادل المعلومات ومشاركتها مع دائرة المعارف داخل مواقع التواصل الاجتماعي, ساعدت تلك المواقع الكثير ممن يعانون من مشاكل العزلة أو الخجل من التعامل مع الآخرين على التغلب على هذه المشاكل واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في علاجها.

نتائج سلبية
ويرى بعض علماء النفس أن لمواقع التواصل الاجتماعي تأثيرات أخرى على المجتمعات العربية لا توصف بالإيجابية كلها, ويمكن تصنيفها بالتأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي على الشباب العربي, تلك المواقع على الرغم من أنها تعزز الاتصال المجتمعي ، إلا أنها على الجانب الآخر يرى علماء النفس أن استخدامها يؤدي إلى نوع من أنواع الإدمان الذي يقود إلى العزلة تكسب مستخدميها نوع من الانطوائية وتعطيهم فرصة للهروب من مجتمعهم حيث أن المستخدمين يتعاملوا مع عالم افتراضي ومع أشخاص غير حقيقيين إن صح التعبير, أو على الأقل لا يدخلوا في نطاق دائرة المعارف والأقارب ولا يستطيع أن يراهم في نطاق مجتمعه فهم غرباء لا يستطيع أن يتعامل معهم بشكل مباشر ، وهو ما يسميه البعض العيش في عالم الأحلام والرومانسية الزائدة حيث تدني الأوضاع في أرض الوقع فيلجأ الشباب إلى خلق عالم خاص بهم يرتقي لتطلعاتهم وآمالهم.
ويؤثر التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي أيضا على رؤية المستخدم لنفسه وليس فقط لمجتمعه ، حيث تضع تلك المواقع مستخدميها تحت المجهر ، و تجعلهم في محاولة دائمة للظهور بصورة مثالية وتقديم أنفسهم للعالم الافتراضي بصورة مغايرة للواقع, عن طريق نشر صورهم و أخبارهم وما يحدث في حياتهم من أحداث هامة وينتظرون الحكم عليها من قبل أصدقائهم على مواقع التواصل الاجتماعي وهو ما يؤدى إلى تزايد القلق والترقب الدائم للحكم الذي يحكمه الأصدقاء على ما هو منشور على الصفحة الشخصية للمستخدم وهو ما يشعره بالأمان والأهمية الوهمية .

نافذة للتنفس
وقد امتد تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على طريقة استخدام الشباب العربي للغة العربية حيث وصلت تلك المواقع إلى جميع المؤسسات والهيئات وأصبح هناك قطاع كبير من الشباب العربي يتواصلون من خلالها ويعبرون عن آرائهم وأفكارهم المختلفة وسيلتهم في ذلك مفردات اللغة, أوجد الشباب المستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي وطبيعة الإنترنت الذي يحتم على مستخدميه السرعة فى الأداء لغة خاصة بهم ومفردات غريبة إلى حد ما عن مجتمعاتهم متمثلة في مجموعة من المفردات أو الرموز المختصرة تستخدم في غرف الدردشة وغيرها, أدى ذلك إلى ضعف المستوى اللغوي لدى هؤلاء الشباب حيث ما عادوا يعتمدون في حواراتهم على اللغة العربية الرصينة بل ظهرت لغة أخرى ركيكة من حيث التعبيرات والمفردات وهو ما أثر سلبا على اللغة العربية, وما ظهر مؤخرا في شكل لغة جديدة وهي لغة الفرانكو آراب التي تعتبر مزج بين المفردات العربية والأحرف الإنجليزية وهو ما يعد تشويها صريحا للغة العربية .
كما جذبت تلك القنوات الجديدة للتواصل فئات عمرية مختلفة وخصوصا فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25 إلى 35 وعدد كبير منهم وصل استخدامه لتلك المواقع إلى حالة الإدمان التي تجعلهم يستخدمونها أثناء العمل مما يؤدي إلى ضعف الإنتاجية وتكبد خسائر اقتصادية كبيرة.

التعبير عن الذات
وكنافذة للتعبير عن الذات .. استطاع الكثير من مستخدمي تويتر وفيس بوك التعبير عن مواهبهم و هواياتهم المختلفة ومنها الكتابة الأدبية والشعر ونشرها على صفحاتهم الشخصية ، وهو ما أدى إلى ضياع حقوق الملكية الفكرية لهؤلاء الأفراد حيث يستطيع أي شخص نسخ ما كتب على صفحة شخص آخر وسرقة محتوى صفحته دون دليل يثبت ملكية الأول ولا سرقة الثاني.
وتواجه مواقع التواصل الاجتماعي تهمة تسببها في تدهور العلاقات الأسرية حيث فرضت على مستخدميها نوعا من العزلة والانقطاع عن الحياة العامة والاجتماعية, فالوقت الذي يمضيه الشباب على تلك المواقع هو وقت مستقطع من علاقاته الاجتماعية, بالإضافة إلى الوقت الذي يضيعه المستخدمين فى متابعة تحديثات أصدقائهم والتواصل معهم والتعليق على أحداثهم, وأيضا الألعاب على مواقع التواصل الاجتماعي تسهم في إهدار الكثير من الوقت.
كما أدى الاستخدام غير منضبط ونشر صور ومقاطع مخالفة للأعراف الاجتماعية والقواعد الدينية إلى تنامي الدعوات بإطلاق فتاوى دينية تحظر استخدام تلك المواقع أو على الأقل تضع ضوابط تقنن استخدامها بعد أن بات من المستحيل حظر استخدامها, وتزايد الجدل حول إمكانية تأثير تلك الفتاوى من عدمه على جمهور المستخدمين من الشباب حيث يستخدم هؤلاء الشباب مواقع التواصل الاجتماعي في المقام الأول للتحرر من السلطة السياسية والاجتماعية وحتى الدينية على حد سواء.
الواقع الذى نعيشه وفى ظل التأثير الكبير للإعلام الرقمي لا بد من الاعتراف بان مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت من الحتميات في العالم العربي نظرا لانتشارها المتزايد والإقبال الشديد عليها من الشباب العربي ، كما أنها خلقت بيئة أكثر ثراء في المحتوى المعلوماتي في العالم العربي ، ولكن مثلها مثل أي من الاختراعات الحديثة لديها من الإيجابيات ومن السلبيات, العمل على نشر الوعي للحد من السلبيات والاستخدام الأمثل لمواقع التواصل الاجتماعي هو التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمعات العربية في المستقبل القريب.