الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

عبدالرحيم علي يكتب.. الانتهازيون 2: رحلة صعود الإخوان إلى الهاوية

الدكتور عبد الرحيم
الدكتور عبد الرحيم علي عضو مجلس النواب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تكن الأهداف التى حددها لدعوته واضحة المعالم كما أنه نزل بالدين إلى العوام فى المقاهى
أشهر الجماعة كمنظمة ضغط سياسى على الحكومة لإقامة الدولة الدينية وليس كحزب يهدف إلى إدارة الحكم
أراد أن يستثمر الساحة السياسية ولا يتورط فيها وظن أنه يتزعم حزبًا تحقق فيه الكمال ولا معنى معه لأحزاب أخرى
الدولة الدينية هى الهدف الأسمى للجماعة، ومن المنطقى والبديهى أن يقود الإخوان هذه الدولة، لأنهم حماة الدين دون غيرهم
رحلة الإخوان بدأت من المجهول، ولا بد أن تنتهى إليه، الصعود كان مفاجئًا بشكل لا يشبه «السقوط».. الهاوية.. الحفرة التى وقعت فيها الجماعة بعدما طردت من رحمة المصريين، وستظلّ طريدة إلى ما شاء الله.
لن تجد الجماعة الرحمة فى عين أحد، ليس لها حبيب ولا غالٍ، ولا وطن، الذاكرة الشعبية لن تتذكر لها إلا ما ارتكبته من مذابح فى الشارع.. الاتحادية، ومكتب الإرشاد، ورابعة، والنهضة.. محمد مبروك، والحسينى أبو ضيف، وجابر صلاح «جيكا». لن يكون لـ«الإخوان» شهيد تذكره الجرائد بالخير، رفعوا شعار «شهداؤنا فى الجنة، وقتلاهم فى النار».. فلم يدخلوا النار فقط، بل أصبحوا هم حطب جهنم.. التى لم تحرقهم فقط، ولكن حرقت أصدقاءهم، وأعوانهم، وحلفاءهم، فى مصر، وخارجها.. «6 إبريل» و«الاشتراكيين الثوريين» والأمريكان، وغلمان قطر، والخروف التركى، أردوغان. الانتهازيون.. ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين، كما قال مرشدهم الأول والأعلى، حسن البنا، رحلة صعودهم انتهت.. فئران فارّة إلى جحورها أو هاربة إلى قطر، أو محبوسة فى السجون، قصتهم مع «الحزب الوطنى» ليست أقصى ما فعلوه، ليست أفدح ما عندهم، منذ أن كان الحزب الوطنى وطنيًا حتى تحوّل إلى حزب يقود مصر إلى «الخراب».. أو ما وصلت إليه فى «25 يناير».. مرورًا بالحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة، كانت لهم قصص وأسرار تأتى فيما بعد لن تقرأها إلا فى سياق الانتهازية الدينية قبل السياسية.. ستعرف إجابة صريحة لسؤال: 
كيف دخل «الإخوان» التاريخ من باب «الخدّامين»؟ 
ادّعى أنه تلميذ «الأفغانى» و«محمد عبده» و«رشيد رضا»
حسن البنا.. «المفسد» فى دين الله
يمكن القول إن تاريخ مصر الحديث، ليس فقط هو تاريخ تلك المعارك السياسية العنيفة والمضطربة، التى تصادمت فيها الشخصيات والأحزاب فى تسابقها على الحكم، وإنما هو أيضا تاريخ لأحد فصول تلك الدراما الطويلة التى تدور رحاها منذ نهاية القرن الثامن عشر داخل العقول الإسلامية، بعد احتكاك الإسلام بالحضارة الغربية، وهنا تكمن القيمة الحقيقية لهذا التاريخ. 
منذ عصر الخديو إسماعيل، وجمال الدين الأفغانى، الذى ساقه القدر إلى القاهرة فى إحدى رحلاته، يدعو بحماس وعزم إلى إصلاح دينى، وقد استمرت هذه الدعوة وتطورت، ولكن بعد أن أفرغت من محتواها الثورى على يد تلميذه الشيخ محمد عبده الذى ظل حتى موته عام ١٩٠٥ يبشر بتطور بطيء متنامٍ للإسلام حتى يتلاءم مع العصر الحديث، وليس من السهولة على الدوام أن نوضح أثر هذين الرائدين على الجيل الذى تلاهما. ومع ذلك فثمة شيء مؤكد، ذلك أنه عندما تبذل المحاولات لجعل الدين يتوافق مع العلم الحديث، وعندما تتقبل إعادة النظر فى الشريعة الإسلامية كضرورة حتى تتسق مع مقتضيات العصر، فلابد أن ندخل فى اعتبارنا أن جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده هما اللذان هيآ النفوس بالتدريج لتقبل مفهوم للدولة وللدين يختلف عن مفهومهما فى القرن السابق. وغداة الحرب العالمية الأولى، شاءت الظروف أن يجعل علماء الأزهر من أنفسهم فى هذا الصدد المثل المحسوس والمؤلم على صحة هذه الدعوة. 
بعد ثورة ١٩١٩، وهزيمة تركيا، وتهافت الخلافة قبل سقوطها رسميا، تزايدت الأفكار التجديدية ذات الطابع المدنى الحديث.
ومن العوامل المهمة التى ساعدت على نشاط الفكر العلمانى والقومى إلغاء «مصطفى كمال أتاتورك» الخلافة الإسلامية سنة ١٩٢٤ وتحويله تركيا إلى دولة علمانية، وقد أدى ذلك إلى ظهور مؤلفات تنتهج نهجا علمانيا فى مقدمتها كتاب «الإسلام وأصول الحكم» الذى ألفه الشيخ «على عبدالرزاق» القاضى بمحكمة المنصورة الشرعية فى أغسطس سنة ١٩٢٥.
وكان من نتيجة الظروف السياسية، وما تبعها من صراع فكرى بين التيار التحديثى والتيار المحافظ، أثر واضح على الحياة الاجتماعية. والذى يقارن الحياة العامة فى المدن المصرية فترة ما قبل الحرب الأولى، وما بعدها يستطيع أن يدرك أبعاد هذا التغيير.
وسعى التيار المحافظ لنشر الأفكار الدينية، وتوالى ظهور الجماعات والجمعيات الإسلامية الممثلة فى جماعة «الشبان المسلمين» التى نشأت فى نهاية عام ١٩٢٧، ثم جماعة الإخوان فى عام ١٩٢٨، وغيرهما من الجماعات الدينية.
فى ذلك الوقت ساند حسن البنا إقامة جمعية الشبان المسلمين عام ١٩٢٧ كما عمل مندوبا محليا لمجلة «الفتح» التى تأسست حديثا والناطقة بلسان التجمعات الإسلامية المحافظة فى ذلك الوقت، والتى أشرف على تحريرها محيى الدين الخطيب مدير المكتبة السلفية وأحد مؤسسى جمعية الشبان المسلمين.
البدايات
فى سبتمبر سنة ١٩٢٧، توجه الشاب حسن البنا إلى مدينة الإسماعيلية، حيث بدأ العمل مدرسًا فى مدرستها الابتدائية. ومنذ الأيام الأولى له هناك، بدأ يحقق ما تمناه فى سلك طريق التعليم والإرشاد والدعوة. وقد شرع الشيخ البنا فى نشر آرائه فى مجتمع الإسماعيلية، كان ينتظر ردود الفعل، لكى يتبين اتجاهات الناس ثم يكيف خطته مع هذه الظروف، وقد استفاد إلى حد كبير من هذه الدراسة التطبيقية. كما استطاع أن يحدد العوامل المؤثرة فى هذا المجتمع، والتى حددها بأربعة: العلماء ثم مشايخ الطرق ثم الأعيان ثم رواد الأندية.
وكان من أثر محاضرات ودروس البنا أن حضر إليه ستة من الذين تأثروا بها من أهالى الإسماعيلية فى إبريل ١٩٢٨ هم: حافظ عبدالحميد «نجار»، أحمد الحصرى «حلاق»، فؤاد إبراهيم «مكوجى»، عبدالرحمن حسب الله «سائق»، إسماعيل عز «جناينى»، زكى المغربى «عجلاتى»، وحدثوه فى شأن الطريق العملى الذى يجب أن يسلكوه «لعزة الإسلام وخير المسلمين»، وعرضوا عليه ما يملكون من مال بسيط، وحملوه تبعة أمرهم، فكان القسم والبيعة، وبعد مشاورة معه على تحديد تسمية أنفسهم قال لهم: «نحن إخوة فى خدمة الإسلام، فنحن إذن الإخوان المسلمون».
وفى الفترة من عام ١٩٣١ وهو العام الذى أخذت فيه الجماعة صفتها القانونية- إلى عام ١٩٣٢- وهو عام انتقال البنا للعمل بالقاهرة- برز نشاط الجماعة بشكل ملحوظ، فقد استطاع البنا أن يوسع من دائرة دعوته إلى خارج الإسماعيلية، حيث تمكن وبمجهود ذاتى فى الغالب أن يؤسس عددا من الشعُب فى كل من شبراخيت والمحمودية وأبوصوير وبورسعيد والبحر الصغير والسويس والبلاح وجميعها قريبة من الإسماعيلية.
وفى أكتوبر سنة ١٩٣٢ انتقل البنا من الإسماعيلية إلى القاهرة ليزاول عمله كمدرس بمدرسة عباس بالسبتية، وكان ذلك إيذانا بدخول الجماعة مرحلة جديدة.
لقد اندفع حسن البنا فى طريق الوعظ للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، كرد فعل لما شاهده فى القاهرة من سلوك وأفكار، بدت له كمحاولات لإضعاف شأن الدين، وشجعه على مضاعفة نشاطه ما توصل إليه من تحليل للأوضاع الفكرية والاجتماعية السائدة فى المجتمع، والأثر المتعاظم لدعاة المدنية الحديثة الذين ركزوا نشاطهم بين الصفوة من المثقفين، واستطاعوا أن يستقطبوهم، بينما أهملوا العامة، فانتهز حسن البنا هذه الفرصة، وعمل على نشر فكرته بين هؤلاء العامة الذين يستطيع أن يؤثر فيهم، بما يملك من قوة تأثير خطابية فيحتويهم، خاصة وهو يضرب على الوتر الدينى، وهو نزعة طبيعية وفطرية فيهم.
وهو حين تحدث فى المؤتمر الخامس للإخوان والذى انعقد فى سنة ١٩٣٩م - ١٣٥٧هـ بعد عشر سنوات من تأسيسها، ذكر أن الإخوان كانت فكرة فى نفوس أربعة، ثم تحدث عن العهد الذى قطعه مع هؤلاء ومع غيرهم وعن هموم الأمة التى كانوا يحملونها ويفكرون فى علاجها، «ليس يعلم أحد إلا الله كم من الليالى كنا نقضيها نستعرض حال الأمة، وما وصلت إليه فى مختلف مظاهر حياتها، ونحلل العلل والأدواء ونفكر فى العلاج وحسم الداء، ويفيض بنا التأثر لما وصلنا إليه إلى حد البكاء. وكم كنا نعجب إذ نرى أنفسنا فى مثل هذه المشغلة النفسانية العنيفة والخليعون هاجعون يتسكعون بين المقاهى ويترددون على أندية الفساد والإتلاف». 
مرحلة التأسيس ١٩٢٨ - ١٩٤٥
أوضحنا فى الحلقة السابقة مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية التى شهدتها مصر منذ بدايات القرن العشرين، خاصة بعد الحرب العالمية الأولى، من تشكيل حركة وطنية تطالب بالتحرر والاستقلال وانتشار مفاهيم الديمقراطية، والعمل الحزبى وظهور الفكر الاشتراكى وإلغاء الخلافة الإسلامية، والتواصل الفكرى والثقافى مع الاتجاهات والمدارس التى اجتاحت العالم وقتها، وتبلور اتجاه تحررى حداثى (علمانى أو شبه علماني) فى مقابل اتجاه محافظ تقليدى مقيد بالأساس على مرجعية دينية، وهو ما عبر عنه حسن البنا عقب وصوله للقاهرة للدراسة فى كلية دار العلوم عام ١٩٢٤ حيث رأى فى القاهرة عالمين بتعبيره «معسكر الإباحية ومعسكر الإسلامية».
ويمكن اعتبار البداية الفعلية لظهور فكر الإخوان متمثلة فى النشاط الدعوى «الوعظ» فى المقاهى، والذى اختبر البنا جدواه وقت دراسته فى القاهرة ومقاهيها، وتبلور حسب رواية حسن البنا فى مارس ١٩٢٨ عندما تجمع حوله ستة أشخاص تأثروا بدروسه فى المقاهى والزوايا بالإسماعيلية، عندما تسلم عمله هناك كمعلم، حيث تعاهد الإخوان الستة على خدمة الإسلام ومبايعة حسن البنا وإطلاق التسمية «الإخوان»، ولكن كان قد سبق هذه التجربة تجربة خاضها حسن البنا مع مجموعة من تلاميذ الإمام محمد عبده، وبعض الشخصيات الإسلامية البارزة وبعض أنصار الحزب الوطنى بغرض تطوير موقف إسلامى عملى يواجه «الإباحية والإلحاد»، فكان إشهار جمعية الشبان المسلمين فى نوفمبر ١٩٢٧، وتوافقت مع قانون الجمعيات وقتها بشأن عدم التدخل فى المنازعات السياسية، وتمحورها حول النشاط الاجتماعى والثقافى والدينى والرياضى، إلا أن دوافع تأسيسها وما عكسه ميثاقها يظهر اقترابها من هموم وأطياف فكرية وسياسية ودينية. وهنا يبرز السؤال لماذا سعى «البنا» بعد شهور من إشهار جمعية «الشبان المسلمين» لتأسيس جماعة «الإخوان»، وهو أحد المؤسسين الأوائل للشبان المسلمين؟.
وهل كان البنا يسعى لتكوين جماعة دينية أم سياسية؟ وما هو مفهوم البنا لجمعية الإخوان ومبتغاها؟
لم تكن هذه الجمعية «الإخوان»، مختلفة فى شكلها أو أهدافها عن جمعية الشبان المسلمين، غير أن البنا الشاب لم يعتبرها فرعا لهذه الجمعية الأخيرة، مع أنه كان عضوا فيها ولم يقطع صلته معها. وإذا كان ذلك يعبر عن طموحاته الحركية المستقلة ونزعته القيادية الاستقلالية المبكرة، فإن البنا ـ وكما بيّن لاحقا ـ لم يكن يرى فى جمعية «الشبان المسلمين» سوى «جمعية خيرية إسلامية» يشكل نشاطها مجرد بعد من أبعاد دعوته الإسلامية الجامعة، ويختلف أسلوبها فى الدعوة عن أسلوب الإخوان، من هنا، وفى الوقت الذى تعاون فيه «الإخوان» مع «الشبان»، فإن البنا عارض فعليا التوحيد بينهما، وترك ذلك للمستقبل.
«لم تكن الأهداف التى حددها حسن البنا، وصاغها فى بداية الأمر واضحة المعالم، فهى لا تعدو الدعوة إلى مكارم الأخلاق والسلوك القويم وسلامة العقيدة وحسن التدين والعبادة وتربية النفس وهى أهداف شديدة العمومية وقضايا معهودة ومكررة».
جماعة دينية أم جماعة سياسية؟
السؤال الذى نطرحه هنا: هل تمثل جماعة الإخوان حزبًا سياسيًا أم جماعة دينية؟!. فى المرحلة التى نتوقف عندها، كان الشيخ حسن البنا حريصًا على إبراز الإخوان باعتبارها جمعية دعوية، تعمل بأسلوب «الحكمة والموعظة الحسنة». مترجما ذلك فى عدة مذكرات متتالية رفعها ما بين عامى ١٩٣٦ و١٩٣٩ إلى «أولى الأمر» من ملك وقادة أحزاب ورؤساء حكومات ووزراء. إلا أنه خرج فى مايو ١٩٣٨ عن طمأنته المعهودة للأحزاب والحكومات بأن الجماعة ليست طرفا سياسيا، بل مجرد طرف ناصح أو واعظ، وأعلن التحول من «دعوة الكلام وحده إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال»، وشدد على أن الجماعة ستخاصم جميع الزعماء والأحزاب، سواء كانوا فى الحكم أم خارجه «خصومة لا سلم فيها ولا هوادة معها»، إن لم يعملوا على نصرة «الإسلام» واستعادة «حكمه» و«مجده». وطرح البنا هنا لأول مرة الشعار الإخوانى الشهير الذى سيظل يتمسك به الإخوان طوال تاريخهم وحتى الآن «الإسلام دين ودولة، ومصحف وسيف، لا ينفك واحد من هذين عن الآخر».
أشهر البنا بذلك الجماعة كمنظمة ضغط سياسى وأيديولوجى على الأحزاب والحكومات المصرية، كى تتبنى إقامة الدولة الإسلامية أكثر مما أشهرها كمنظمة حزبية سياسية، تهدف بنفسها إلى إدارة الحكم. غير أن ذلك كان من شأنه أن يمهد بعد فترة وجيزة للخطوة النوعية التالية، وهى إعلان المؤتمر الخامس (يناير ١٩٣٩) الجماعة كهيئة سياسية.
ارتبط إعلان الجماعة لنفسها كـ«هيئة سياسية»، أى كحزب سياسى بمصطلحات الثلاثينيات، بالمؤتمر الخامس، إذ تحولت الجماعة هنا من جماعة حيادية تجاه الهيئات السياسية المختلفة إلى طرف من أطرافها. وتبنى المؤتمر لأول مرة فى تاريخ الجماعة نوعا من المنطلقات النظرية والسياسية المنهجية تجاه أسلوب العمل، والموقف من مسائل الحكم والدستور والقانون والخلافة والوحدة العربية والوحدة الإسلامية، والمعاهدة المصرية الإنجليزية الشهيرة بمعاهدة ١٩٣٦، وتنسجم هذه المنطلقات مع دليل نظرى وسياسى لمنظمة سياسية، أكثر مما تنسجم مع جماعة دعوة ووعظ وتبليغ. ورغم ذلك كان بإمكان الجماعة أن تدعى فى أغسطس ١٩٣٩ بعد إعلان نفسها «هيئة سياسية» أنها ليست «حزبا من الأحزاب يؤيد أو يعارض تبعا لمصلحة حزبية أو شخصية وإنما دعوة إسلامية محمدية، كما كان بإمكان البنا نفسه الذى أعلن فى رسالة «بين الأمس واليوم» (١٩٣٨) أن الإخوان ليسوا «حزبا سياسيا»، أن يعلن فى ٤ إبريل ١٩٣٩ أن الإخوان، وإن كانوا ليسوا حزبا سياسيا، فإن السياسة على قواعد الإسلام من صميم فكرتهم، ثم يعلن فى مرحلة لاحقة أن الإخوان حزب سياسى نظيف».
الإخوان جماعة دينية تعمل فى السياسة.. أم هى جماعة سياسية ترفع شعارات دينية؟
الانشغال بالسياسة من منظور فكرى محدد، يعنى أن هؤلاء المنشغلين المشتغلين يمثلون حزبا من الناحية الموضوعية، فكيف لمن يرفضون الحزبية ويعادون الأحزاب أن يتحزبوا؟!.
يريد البنا أن يستثمر الساحة السياسية ولا يتورط فيها، والمشكلة الحقيقية أنه يتزعم حزبا ويريد أن يسمو به على الآخرين، فهو الحزب الفريد «الواحد» وقد تحقق فيه الكمال، وامتلك اليقين المطلق والحقيقة التى لا تحتمل الخلاف. لا معنى فى ظله لوجود أحزاب أخرى «فارغة»، وهو ما يتجلى بشكل صريح مباشر فى قول حسن البنا: لا خلاف بين الأحزاب المصرية إلا فى مظاهر شكلية وشئون شخصية لا يهتم لها الإخوان؛ ولهذا فهم ينظرون إلى هذه الأحزاب جميعا نظرة واحدة، ويرفعون دعوتهم وهى ميراث رسول الله «ص» فوق هذا المستوى الحزبى كله.
دعوة الإخوان «فوق» الجميع، والأحزاب المصرية جميعا أقرب إلى حزب واحد «باطل» فى مواجهة حزب «الحق» الذى يقوده البنا ولا يحمل اسم الحزب!.
سياسة الإخوان هى الإسلام، والاختلاف المسموح به لا ينبغى له أن يتجاوز التفاصيل الصغيرة، أما الإطار العام فلا يحتمل الجدل. الدولة الدينية هى الهدف الأسمى، ومن المنطقى والبديهى أن يقود الإخوان هذه الدولة لأنهم حماة الدين دون غيرهم، ومن الحتمى أن تدفن الظاهرة الحزبية لأنها أداة تنافر وشقاق.
حزب واحد يقود، وزعيم واحد بلا منافس، وإصلاح داخلى له الأولوية دون تحديد، والمستقبل بعد ذلك كفيل بالبحث عن نظام سياسى لا يتخلى عن الوحدة التى يفرضها الإسلام، الإسلام كما يفهمه البنا.
ولقد انتبه المفكر الإسلامى عبدالله النفيسى إلى خطورة الموقف الذى اتخذه حسن البنا من فكرة الحزبية، واعتبره «نقطة ضعف» تعكس غياب النظرية المتكاملة لعلاقاته السياسية داخل مصر فكتب: «كانت هناك شبكة من الأحزاب السياسية المتواجدة فى مصر سبقت تشكيل جماعة الإخوان، وكان لهذه الأحزاب أدوار سياسية خطيرة، ولتلك الأحزاب مؤسساتها وقواعدها الاجتماعية كالوفد مثلا، الذى وصل للحكم أكثر من مرة. ثم إن دعوة البنا المضادة للأحزاب والحزبية، قد وترت علاقاته السياسية مع تلك القوى رغم استعداد الأخيرة لقبول جماعة الإخوان كشريك سياسى فى الساحة. هذا الموقف المضاد للتعددية السياسية، والذى تبناه البنا رحمه الله قد وضع الجماعة فى زاوية حادة من حيث علاقاتهم السياسية بالفرقاء السياسيين، وربما قطع الحوار مع كثير من الأحزاب السياسية التى اكتسبت شرعية سياسية واقعية، سواء بصلتها بالهيئة الحاكمة أم بقاعدتها الجماهيرية».. وإلى لقاء.
1927 توجه حسن البنا إلى مدينة الإسماعيلية، حيث بدأ العمل مدرسًا فى مدرستها الابتدائية.
1928 أسس جماعة الإخوان الإرهابية من ستة أشخاص تأثروا بدروسه فى المقاهى والزوايا بالإسماعيلية.
1931 برز نشاط الجماعة بشكل ملحوظ، بعدما تمكن البنا من توسيع دائرة دعوته إلى خارج الإسماعيلية.
1939 أشهر البنا بذلك الجماعة كمنظمة ضغط سياسى وأيديولوجى على الأحزاب والحكومات المصرية.