كل عام وأنتم بخير.. النهاردة عيد الأم.. وجرت العادة فى هذه المناسبة سماع أغنية «ست الحبايب يا حبيبة» التى شدت بها الفنانة فايزة أحمد، بأحاسيس تزلزل النفس البشرية على أنغام ساحرة تخطف العقل قبل المشاعر.
ووسط هذه الاحتفالات المبهجة يقف على الطرف الآخر طائفة من البشر يسمونهم «الأيتام» يتجرعون مرارة فراق الأم.. وتفيض أعينهم بالدمع كلما سمعوا «يارب يخليكى يا أمى» حزنًا على فراق «ست الحبايب».. ولا تكف محاولات المحيطين بهم لمواساتهم وتعزيتهم ومسح الدمعة من عيونهم.
وشاءت الأقدار أن أنضم لطابور الباكين على فراق الأم منذ ٧ سنوات، وحينها فقط أدركت معنى المثل القائل «اللى من غير أم حاله يغم».. وكنت أتمنى لو أن فيروس يصيب جميع أجهزة الراديو والتلفاز حتى تكف عن تشغيل أغنية «صباح الخير يا مولاتى» التى غنتها الراحلة سعاد حسنى، على طريقتها الطفولية، التى كانت تملأ حياة المستمتعين بوجود الأم فرحًا ومرحًا.. فى حين تصب كئوس الحزن والألم على كل من فقد أمه.
لكن هذا العام راودتنى مشاعر مختلفة، حيث قررت ألا أحزن، وأن أستمتع بسماع جميع أغانى عيد الأم، صحيح أسمعها وأنا أبكى، لكنه ليس بكاء الحزن واللوعة والحسد، وإنما ترحمًا واستحضارًا لأسعد لحظات الحياة التى كنت أقضيها وأنا أرتمى فى حضن أمى، وأنا أقتنص لحظات بالقرب منها، وأنا أختطف قبلات الحب والعطف والحنان.
قلت لنفسى لماذا أحزن على فراقها وهى فى ملأ أعلى وأطهر من ملأنا؟.. لماذا أحزن وقد رأيت مقامها فى الجنة بعينى فاطمأن قلبى؟.. لماذا أحزن وهى من تركت فى نفس كل من عرفها ذكرى طيبة تدوم العمر كله؟.
بالمناسبة هذه الكلمات لا تخص أمى وحدها، وإنما أراها فى جميع الأمهات اللاتى رحلن وتركن لأبنائهن وبناتهن ذكرى تدوم العمر كله.. أراها فى خالاتى.. فى حماتى.. فى جيرانى.. فى ذكريات زملائى وزميلاتى حين يستمتعن بالحكى عن الملاحم الإنسانية فى حياة كل أم مصرية تعبت وربت وأنتجت للمجتمع أبناءً صالحين غير مفسدين.
ولأولئك الحزانى على مفارقة أغلى نساء الدنيا، أهدى لهم هذا الدعاء إلى الله جل وعلا، بدلا من البكاء على من نحب، عسى أن ينفعهم بإذن الله وأن يتقبله الخالق فيما يتقبل:
اللهم أفض عليهم من نور رحمتك وعظيم ملكك وسلطانك.
اللهم تجاوز عن أخطائهم وأبدل سيئاتهم حسنات.
اللهم بلغهم سلامنا ودعاءنا ورحماتنا وألهمنا الصبر على فراقهم.
اللهم باعد بينهم وبين النار كما باعدت بين المشرق والمغرب.
اللهم ولا تجعل لهم ذنبا إلا غفرته ولا كربا إلا فرجته ولا آثما إلا رحمته، واجعل خير أيامهم يوم العرض عليك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ألحقهم بالأبرار والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.
اللهم آنس وحدتهم وألهمنا الصبر على وحشتهم واجعل مستقرهم روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النيران.
اللهم واجعل ذكراهم بردا وسلاما على نفوسنا، ودافعا لنا على فعل الخير تصدقا على أرواحهم، وتقبلهم فى عتقائك من النار.
اللهم إنا لا ملجأ لنا ولهم إلا إياك، ولا مأمن لنا ولهم إلا فى حماك، ولا منقذا لنا ولهم إلا رحماك، فلا ترد دعاءنا واجعلنا وإياهم من عبادك المصطفين يا أكرم الأكرمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وكل عيد أم وأنتم طيبين.
