الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

انتخابات الرئاسة.. صفعة على "قفا" دعوات المقاطعة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما أطلق ما يسمى بالتيار المدنى الديمقراطى دعوته الخائنة بمقاطعة الانتخابات الرئاسية وعدم الاعتراف بشرعية نتائجها، كان على يقين من عزوف الناخب المصرى عن المشاركة لعدة اعتبارات منها أن المؤيد يعلم نتيجة الانتخابات مسبقا، ومن ثم فإن ذهابه إلى صندوق الاقتراع لن يكون مؤثرا فى حسم النتيجة، وأن المعارض الرافض لبرنامج الإصلاح الاقتصادى لن يشارك فى تدعيم شرعية نظام تسبب فى ارتفاع الأسعار، وأن الناخب المقيم فى الخارج خاصة بالدول الديمقراطية لديه تحفظات عديدة على إدارة النظام للشأن السياسى الداخلى بحكم معايشته للتجارب الديمقراطية المتطورة ومن ثم سيكون عزوفه أمرا حتميا ومعلوما بالضرورة فى علوم السياسية.

لكن الإقبال غير المتوقع من المصريين فى الخارج على صناديق الاقتراع جاء ليؤكد مجددا أن عناصر هذا التيار والتى تمثل النخبة السياسية المصرية المعارضة غارقة حتى أذنيها فى بحر الجهالة، وأنها فقدت صلاحيتها منذ زمن وأن جانبا منها خائن لوطنه وعميل للخارج وهذا القول ليس من باب التطبيق لنظرية المؤامرة، فلو أن دعواتهم بشأن المشاركة فى الانتخابات الرئاسية اقتصرت على المقاطعة لاعتبر ذلك فعلا سياسيا مشروعا من حق أى معارض وطنى ممارسته، لكنها امتدت إلى الدعوة لعدم الاعتراف بشرعية نتائجها وبفرض أن قطاعا مؤثرا من الناخبين المصريين فى الداخل والخارج استجاب لهذه الدعوة المأفونة لدخلت الدولة فى أزمة شرعية داخلية وخارجية كانت كفيلة بإسقاطها وإفشالها ومن ثم دخولها فى سيناريوهات لا تختلف كثيرا عما نراه فى اليمن وليبيا تحديدا.

المؤكد أن المشاركة الكثيفة للمصريين فى الخارج فى سباق الانتخابات الرئاسية المصرية مؤشر على ما ستشهده اللجان الانتخابية داخل مصر منتصف الأسبوع المقبل، والسؤال لماذا حرص المصريون الذين خبروا الحياة الديمقراطية فى أوروبا والدول المتقدمة كما يقول المثل على الإدلاء بأصواتهم فى انتخابات يعلم الصغير قبل الكبير نتيجتها قبل أن تبدأ؟!.

لقد أدرك الناخب المصرى مالم تدركه النخبة المزعومة، وهو أن ما يجرى فى هذه الانتخابات ليس منافسة بين مرشحين، وإنما صراع مع الخارج لتدعيم أركان الدولة المصرية وشرعية نظامها بمعنى آخر أن المشاركة بحد ذاتها تصويت لصالح الدولة المصرية، وأن انتخاب عبدالفتاح السيسى تصويت لمشروع إعادة بناء الدولة على مبادئ حديثة تتضمن عقدا اجتماعيا جديدا يمهد الطريق لدولة مدنية ديمقراطية حديثة.

هذا المصرى الذى يقيم فى لندن أو برلين أو نيويورك يعلم جيدا بحكم اضطلاعه على ما يكتب فى الصحف ويبث فى الإذاعات والفضائيات حقيقة ما يدور فى تلك البلدان تجاه وطنه ويستطيع ملاحظة تحركات عناصر الجماعة الارهابية داخل الدوائر الإعلامية والسياسية فيها وما يبرمونه من صفقات مشبوهه مع وسائل إعلام وسياسيين للإضرار بمصالح الدولة المصرية.

إنه يدرك أيضا وبحكم حياته الطويلة التى قضاها فى تلك العواصم أن قيام ثورة ضد حكم استبدادى لا يعنى الانتقال الفورى والمباشر إلى نظام سياسى ديمقراطى فالأمر يقتضى أولا خلق نظام اقتصادى جديد، وثانيا تغييرا جذريا للخطاب الثقافى السائد وهو ما يحدث فى مصر بتبنى برنامج إصلاح اقتصادى يعيد صياغة نمط العلاقات الاقتصادية فى المجتمع ويوسع من دائرة مجموعات المصالح الاقتصادية بدخول شرائح اجتماعية جديدة عبر دعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وبإطلاق مبادرة تجديد الخطاب الدينى المسئول عن تكريس نمط الدولة الاستبدادية التى يحكمها المستبد العادل فى أحسن حالاتها.
ويضاف إلى الحالة المصرية محاربة الإرهاب والقضاء على بؤرته المشتعلة فى سيناء لضمان استقرار أمنى وسياسى واجتماعى فى عموم البلاد.

قد لا يتمتع الناخب المصرى المقيم فى الداخل بنفس درجة الوعى لدى مواطنه الذى قضى عمره بين جنابات الديمقراطية لكنه وبما يمتلكه من مخزون حضارى يعى حقيقة الصراع فى عنوانه الرئيس لذلك لن يكون المشهد أمام اللجان الانتخابية فى المحافظات المصرية أقل مما شاهدناه فى الخارج.
هذا الوعى الفطرى تجسد فى المصريين المقيمين بالسعودية والكويت والإمارات وصحيح أن المصريين فى الداخل الأكثر تأثرا بتبعات برنامج الإصلاح الاقتصادى لكنهم فى الحد الأدنى يعون جيدا أن سقوط الدولة بانهيار شرعيتها الدولية سيجعل الحديث عن ارتفاع الأسعار رفاهية بالنسبة لما سيعانونه إذا استثمر الخارج سقوط الشرعية أو ضعفها.