الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

النقاب حجاب الثمانينيات؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من يعرفنى يعرف أن المظاهر فى ذاتها لا تعنينى وليست مما يشغلنى مطلقًا، على عكس ما يحب فعله قاطنو بلادنا، الذين يعرفون الشرف نقصانه وفيضانه بكم القماش وشكله، ما يشغلنى دائمًا هو العقل، كيف يعمل، عذرًا بل كيف يُسير.
المائة عام الأخيرة فى مصر، ومثلها العراق والجزائر وإيران وأفغانستان كذلك، كانت كلها بلادًا إسلامية، الأزهر مصدر كل جديد لها عن طريق طالبى العلم الوافدين من جميع أنحاء العالم، بطبيعة الحال فى الشرق، لم يكن هناك بُد ولا غنى عن الاحتشام، قبل كونه للدين، فقد كان لاحترام المرأة لجسدها، كالملكة حقًا، كلما قلّ الظاهر منها كلما كان شأنها أعلى فى عيون الناس، لم تكن الأحكام بسطحية أحكام اليوم رغم ذلك، ولم يكن شعر الرأس مُغريًا إلى حد صراخ شيوخ الهوس من أجله فى التلفاز كل يوم.
من يعرف سيكولوجية شعوبنا، يعرف أنها تتسايّر مع ما تمليه عليهم ثقافة العصر تحررًا أو انغلاقًا، لأنه كلما قل إعمال العقل، كانت تبعيته أسهل، فبالرغم من تقليد سكان العواصم حينها لأزياء الغرب، إلا أن ذلك لم يشفع لهم كى يقترضوا منهم كذلك أهمية التفكير، لتجنب الاستعباد، فى مرحلة من مراحل تغيير الثقافات، استبدلت تلك البلاد أزياءها من الغرب للشرق، وفى الثمانينيات من القرن الماضى، بدأت الطفرة فى الظهور بظهور الفتيات النوع الأسهل لقلب القاعدة اللاتى ارتدين الحجاب، قامت قوائم المثقّفين، وعُقدت المؤتمرات التى ناقشت خطورة هذه الظاهرة على الثقافة المصرية، وكيف أن وضع القماش على الرأس، يغيب العقل ويمنع عنه الهواء، بالرغم من أن ما كان عليه هؤلاء المثقفون ليس «ثقافة مصرية» وأنّهم لم يختلفوا كثيرًا عن أى شخص عادى يحكم على البشر من ظاهرهم، وأن استنتاجهم عن الحجاب سطحى وساذج، إلا أن تخوفهم من أن تأثير ثقافة غريبة جدًا جدًا عن ثقافة البلاد الخضراء، ستصيبها بالتصحر لا محالة، كان به الكثير من الصواب، لم تتصحر البلاد، ولكن تصحرت العقول، بدأ الشيوخ بهوجة غطاء الشعر الذى بدونه لا يكتمل الدين، وتناقش الكثير حول ما إذا كان فرضًا أم لا، وجيلًا فالتالى ممن يعتادون الانسياق سريعًا، أصبح الحجاب «موضة»، من لا ترتديه ربما تشعر بالضجر وبأنها ليست متأقلمة مع صديقاتها، اختفى الهدف الرئيسى من وجوده وهو إظهار التدين، حتى أصبح قبيحًا، فهو لا يكشف الرأس، ولكن الجسد كلّه عار، ثم أتت علينا الألفينيات بالتطور الطبيعى للتصحر، فلم يعد هناك داعٍ لمناقشة أهمية الحجاب، بل إن النقاب، وبين فتيات الجامعة والصغيرات، هو الطبيعى لمن تريد التقرب إلى ربها، بل وظهر صوت، النقاب فرض عين ولولا ذلك لما ارتدينه الصحابيات وزوجات الرسول.
لن أخوض فى نقطة فرضية أى منهما، ولن أعيد الحديث عن أن المتدينين يفضلون العودة إلى زمان ومكان محدد على أن يرهقوا أنفسهم فى التفكير الإيمانى مع الأخذ فى الاعتبار أنهم يعيشون فى زمنٍ مختلف عن زمن نزول الدين. أنا أعرض نظرة عامة للعقلية التى إذا لم يتم إستيعابها لن يتغير أى شىء سوى للأسوأ، وسيظل الجميع أتباعًا، بين متمدينين وإسلاميين أصوليين وملحدين يستندون فى إلحادهم إلى نفس ما يستند إليه الأصوليون، وهو عدم تمكن الدين من مواكبة العصر الذى نعيش فيه، فهؤلاء يتبعون الغرب وأولئك يتبعون الشرق لدعم معتقداتهم.
من لا يعرف أن يفكر لنفسه مُستعبد، ولا سيما عندما لا يستطيع المرء أن يفكر فى شئون دنياه، ودينه الذى هو مبنى على الإيمان بوجود الخالق الأوحد، لا الإيمان بصحة أى متحدث تظهر من مظاهره أنه يشبه الذين عاشوا فى الزمان والمكان حيث أنزل هذا الخالق دينه وكأنهم بمظهرهم هذا هم الأقرب إليه دون سواهم.