الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الأم في الأدب العربي.. البديل الناجح وشجاعة الرجال

نجيب محفوظ وخيري
نجيب محفوظ وخيري شلبي ومحمود درويش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تظل الأم مصدر الراحة والطمأنينة، أوصت الأديان والشرائع براعيتها والحنو إليها وكذلك كتابات الفلاسفة والأخلاقيين، ذلك لما لها من دور عظيم في تربية الأبناء والحفاظ عليهم من الضياع والتشرد، فهي مفتاح تربية الأمم، وقديما قال عنها حافظ إبراهيم:"الأم مـدرسة إذا أعـددتـهـا أعـددت شعبا طيب الأعــراق" وهي بذلك تضحي بحياتها وتعلي من قيمة إنكار الذات.
وتنوعت صورة الأم في الأدب العربي القديم والحديث لكنها تظل تحمل صفة القداسة والنقاء، أما صورها السلبية التي يرفضها المجتمع فإن طرح تلك الأنماط يمثل تأكيدًا على مخالفتها للصورة الوجدانية والثابتة في أذهان الشعوب، ويحتفل العالم العربي في 21 مارس من كل عام بعيد الأم الذي يحمل تبجيل الأبناء وتقديرهم لمكانتها.
إن تناول شخصية الأم في الأدب عامة يفتح باب الدلالات على معاني أكثر خصوبة وأكثر تميزًا، فهي معادل حقيقي وصحيح للأرض تلك التي نأكل من نبتها ونعيش عليها ونرتبط دوما بذلك المكان فنعود إليه عند الاغتراب والهجر، كما تحيلنا لمعاني الوطن ذلك الحضن الأكبر الذي يأوينا ويحمينا ولا نشعر بالثقة والأمان إلا في وجوده وبقائه، فرواية "الأم" لمكسيم جوركي كانت الدلالة منفتحة فيها مباشرة على روسيا الوطن الكبير بكل أزماته وتطلعاته، وشكلت الرواية تأثيرًا كبيرًا على أجيال كثيرة من حيث معاني الثورة وبناء الأوطان.
ونستعرض أبرز الأعمال الأدبية التي برعت في تناولت صورة الأم في قداستها وعظمتها، وحققت شهرة كبيرة بل وأثرت في ثقافة الشعوب العربية تجاه تلك الصورة المحببة للأم العربية عامة.

الأم في أدب نجيب محفوظ بديلة الأب الناجحة
ضم أدب الروائي العالمي نجيب محفوظ صورًا شفافة لحالة المجتمع المصري ولا سيما صورة الحارة المصرية الشعبية التي اشتهر بالكتابة عنها، ولقد تناول نجيب محفوظ معظم الشخصيات التي تحمل أنساقا فكرية مختلفة ليبرز حالة التنوع الفكري والثقافي التي كانت بالمجتمع، وكانت شخصية الأم من تلك الحالات التي تعرض لها الكاتب أكثر من مرة ليصور أحلامها وآملاها ومكابداتها في تكوين الأسرة والحفاظ عليها.
وفي وصف نجيب محفوظ للأم بالشجاعة والصبر وتحمل مسئولية البيت وحدها كان في المقابل يتعرض لصورة الأب الأناني والذي تفلت من الزماته الاخلاقية، إن الأباء عند محفوظ تسببوا في مآىسي كبيرة لأسرهم بتصرفات طائشة وغير منطقية متمسكين بالنزق أو العادات الاجتماعية البالية، فالقارئ يجد أب يزوج ابنته من رجل تافه ومتعدد العلاقات ليفرض على ابنته حالة تعيسة كما في رواية "السراب"، كان هنا واضحًا أن تبرز صورة الأم في مقابل الصور السيئة التي حفلت بها أعمال محفوظ. 
فجاءت نظرة محفوظ إلى النساء عامة وبشكل خاص إلى الأمهات منهن أكثر تعاطفًا من نظرته إلى الرجال، فكثيرًا ما يصف النساء كنماذج للصبر وللاخلاص اللامتناهي للعائلة، ورسم نجيب محفوظ شخية الأم في رواية "بداية ونهاية" تلك المرآة المتحملة الصابرة التي تقوم بدلا عن موت الأب لتجد حملا مثقلا من متاعب الأبناء.
وشخصية "أمينة" أوضح الصور التي اشتهرت من شخصيات نجيب إلى جوار استبداد زوجها السيد أحمد عبدالجواد، فهي صورة للزوجة المطيعة المستسلمة، لكنها كانت مثلا للأم المحبة والمتطلعة لمستقبل مستقر لأبنائها، كان رمزا للنقاء والفطرة السليمة.
وكانت رمزا للبطولة وبث روح الشجاعة والحماس والتضحية في نفوس أبنائها في رواية "كفاح طيبة" التي ربت الملك أحمس وحرضته للثأر لأبيه والتخلص من الهكسوس الذين احتلوا مصر واستباحوا أرضها.

الأم في أدب خيري شلبي شجاعة الرجال
الأم المثالية كان لقبًا تستحقه الحاجة فاطمة تعلبة، تلك السيدة الأمية التي تشبه الأساطير، سيدة في عمق الريف لا تعرف شيئا عن عالم النجوم تقف صامدة كالرجل وسط بيئة خشنة وصعبة.
كانت رواية "الوتد" للكاتب الكبير خيري شلبي والتي لاقت شهرة كبيرة ولاسيما بعدما تحولت لعمل درامي، فقد صورت الأم في المجتمع الريفي أحسن تصوير، تلك الجبل الصامد، عمود الخيمة، ووتد الأسرة، التي تظلل على أبنائها وتنجح في بناء أسرة تقوم على الوحدة والتكافل والاندماج، الحاجة فاطمة تعلبة التي تحمل السلاح بشجاعة الرجال للدفاع عن أحد الأبناء، في الرواية يقول شلبي عن شخصية الحاجة فاطمة: "كثيرًا ما تمنى أبناء الدار موت "الحاجة تعلبة" مع ذلك ما تكاد تلم بها وعكة صغيرة حتى تنقلب الدار كلها كأنما القيامة على وشك أن تقوم، يجئ حلاق الصحة وينصرف عدد من المرات، ويحضر القريب والبعيد من الأقارب والأصهار والمعارف، حتى لتصير الحارة كلها وهي كلها بيوتنا زريبة كبيرة تضيق بركائبهم التى يبدو عليها الحزن هى الأخرى، إذ تقف مدلية الآذان عازفة عن الطعام والنهيق، وتتحول الدار إلى مولد صغير".. تلك كانت مكانتها الحقيقية فهي موضع السؤال ومثار الجواب.
وتظهر خصوصية الحاجة فاطمة في معالجتها الحكيمة لأزمات العائلة، لاسيما الدقيق منها، وكانت شجاعة في مواجهة تمرد أحد الأبناء عندما قالت: "اسمع يا ولد من لا يعجبه العيش مع الحاجة فاطمة تعلبة فليرحل هو، فليخرج من الباب، بطوله، وحده حتى من دون ثيابه، حتى من دون أولاده، فأنا الذي ربيت، وأنا الذي زوجت وأنا الذي أكسو وأطعم، والأولاد أولاد الدار قبل أن يكونوا أولاد أحد منكم، ولا أفرط في ظفر واحد منهم ولا حتى في ظفرك أنت أيها الشايب العايب، ولكن من أراد أن يفرط في الدار فخير للدار أن تفرط فيه".

الأم في شعر محمود درويش عبق الطفولة والحنين
احتلت صورة الأم في شعر محمود درويش مكانة كبيرة ولا سيما بعد قصيدته التى لاقت رواجا كبيرا بين محبي الأدب والفنون، ولقد كانت لدى درويش مشاعر سلبية تجاه والدته عقب إحساس رواده أنها لا تحبه مثل باقي إخوته، لكنه فوجيء عندما اعتقلته السلطات الاسرائلية بزيارة أمه التي جاءت تحمل الخبز والقهوة لكن الاحتلال منعها فقاومت ذلك ورفضت ثائرة في وجه الجنود حتى سمحوا لها بزيارته فأخذته حضنا أعاده لمرحلة الطفولة، وأجج بداخله مشاعر الحب تجاه أمه فقال قصيدته المشهورة "أحن إلى قهوة أمي"
لقد اتسمت صورة الأم في معظم القصائد العربية، بالقداسة والنقاء عكس الرواية التي فرعت الأحداث وتباينت فيها الشخصيات بين الأدوار الإيجابية والسلبية، ولقد جمعت درويش علاقة أعمق من التفسير فظلت بطلة للكثير من قصائده، ليرتبط ‏دوما بلمسة حنانها، بحضنها الدافئ، بحاجته إلى الطمأنينة بقربها، بحب عفوي لا ‏مصلحة فيه، بشوق متبادل، بعاطفة لا تعلوها عاطفة.
يقول درويش في قصيدته:
أحنّ إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمي
وتكبر في الطفولة
يوما على صدر يوم
وأعشق عمري لأني
إذا متّ،
أخجل من دمع أمي!
خذيني،إذا عدت يوما
وشاحا لهدبك
وغطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
وشدّي وثاقي..
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك