الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

في انتخابات أقرب إلى الاستفتاء.. بوتين يبدأ ولاية جديدة بخطط كبرى.. الدب الروسي يتوغل في الجوار الجغرافي.. طموحات لتعظيم وجوده بالشرق الأوسط وتحديات جديدة بانتظاره

فلاديمير بوتين
فلاديمير بوتين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن فوز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفترة رئاسية جديدة مدتها ست سنوات أمرا مفاجئا لأحد، بالنظر إلى غياب المنافسة الحقيقية بينه وبين المرشحين الآخرين في هذه الانتخابات، التي بدت أقرب إلى استفتاء على شعبية الرجل وسياساته.
لكن الانتصار الكبير الذي حققه بوتين في تلك الانتخابات، تمثل في نسبة المشاركة المرتفعة جدا، والتي تجاوزت 63 في المائة من إجمالي الناخبين الروس المسجلين في جداول الانتخابات، وعددهم يزيد على 110 ملايين ناخب، وهي نسبة من شأنها أن تعزز شرعية بوتين، الذي كانت تساوره مخاوف من تدني المشاركة في ظل تشكيك المعارضة قبيل وأثناء الانتخابات في امكانية نزول الناخبين، هذا الهاجس دفع حملة بوتين الانتخابية لتجعل من نسبة المشاركة في الانتخابات معركتها الرئيسيية، خصوصا أن النتائج كان محسومة سلفا له، فقد سعى بوتين وفريق حملته لتوظيف كل مقدرات ووسائل الإعلام الحكومية لحث وتشجيع الناخبين على المشاركة من خلال حملة إعلامية مكثفة، وتقديم تسهيلات لتمكين الناخبين من التصويت خارج مناطق إقامتهم.
أما الإنجاز الآخر الذي حققه بوتين في هذه الانتخابات، فكان حصوله على نسبة أصوات تجاوزت بكثير كل توقعات استطلاعات الرأي التي أجريت قبيل الانتخابات ورجحت أن يحصل على ثلثي أصوات الناخبين، فقد حاز بوتين على نحو 77 في المائة من الأصوات، وهي نسبة أعلى بكثير من تلك التي حصل عليها في انتخابات عام 2012 (64 في المائة).
في ضوء كل ذلك بدت الانتخابات الرئاسية الروسية وما أسفرت عنه من انتصار كاسح لبوتين، بمثابة تصويت شعبي بالثقة في سياساته الداخلية والخارجية، وهوما أكد عليه الرئيس الروسي في كلمته عقب إعلان فوزه بقوله: "إن الناخبين اعترفوا بالانجازات التي تحققت خلال السنوات القليلة الماضية. هذا المعطى من شأنه أن يعزز موقفه في الشارع الروسي ويمنحه تفويضا جديدا لمواصلة سياساته خلال السنوات الست القادمة، لكن السؤال هنا هو حول انعكاسات هذه الانتصار الانتخابي الكبير لبوتين على مستقبل السياسة الخارجية لروسيا وعلاقاتها مع العالم الخارجي والغرب بشكل خاص واحتمالات المواجهة والتعاون بين الجانبين في الفترة القادمة، وما احتمالات الاستمرارية والتغيير في هذه السياسة، والتداعيات المحتملة لذلك على موقف موسكو من قضايا الشرق الشرق الأوسط؟
ملف السياسة الخارجية كان حاضرا وبقوة في المشهد الانتخابي الروسي هذه المرة، فقد طغت قضايا وعلاقات روسيا الإقليمية والدولية بشكل واضح على أجواء الانتخابات، سواء العلاقة مع الغرب، أو التدخل الروسي في أوكرانيا، أو الموقف من الأزمة السورية، حيث احتلت هذه القضايا حيزا كبيرا من برامج ومواقف المرشحين. بل إن كثيرا من الروس يرون أن النسبة الكبيرة التي حازها بوتين في الانتخابات كانت في أحد جوانبها رسالة دعم لبوتين وسياساته الخارجية في مواجهة الضغوط الغربية التي تمارس على روسيا حاليا.
كما أن الانتخابات الروسية جرت على وقع أجواء حرب باردة جديدة بين روسيا وبريطانيا والغرب عموما على خلفية اتهام السلطات البريطانية لموسكو بمحاولة تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال، وابنته في جنوب بريطانيا. فقد أعلنت الحكومة البريطانية، وبالتزامن مع الانتخابات الروسية، سلسلة من الاجراءات العقابية ضد موسكو، من بينها تعليق الاتصالات رفيعة المستوى بين البلدين، وطرد عدد من الدبلوساسيين الروس من لندن، وتجميد أصول الدولة الروسية في بريطانيا وتشديد إجراءات التفتيش الجمركي وتفتيش الطائرات الخاصة. كل هذه الاجراءات ألقت بظلالها على الانتخابات وطرحت تساؤلات ومخاوف لدى كثير من الروس حيال مستقبل علاقات بلادهم مع الغرب.
يرى محللون أن الفوز الكبير الذي حققه بوتين في الانتخابات الرئاسية سيكون حاضرا في سياسة موسكو الخارجية خلال الفترة المقبلة، إذ يبدو بوتين الآن أكثر ثقة في تحركاته الخارجية، بعد أن أصبح مطمئنا إلى أن غالبية الشارع الروسي تؤيده وتثق في سياساته. وفي هذا الاطار فإنه من المتوقع أن يواصل بوتين خلال فترة الرئاسية الجديدة، مساعيه، بدون تغيير، لتعزيز دور بلاده على الساحة الدولية وتأكيد دورها كلاعب دولي مؤثر وفاعل، والاشتباك مع الكثير من الملفات؛ لاسيما في ظل نزعة متزايدة لدى النخبة الحاكمة وحتى في الشارع الروسي لاستعادة أمجاد الامبراطورية الروسية الغابرة، ومع الحنين اللافت لحقبة الاتحاد السوفيتي.
فالكرملين لم يعد يخفي تطلعه إلى بسط نفوذه على مناطق كانت تعد تاريخيا ساحة للنفوذ الروسي التقليدي، سواء في الجوار الجغرافي، كما حدث في الاستيلاء على جزيرة القرم من أوكرانيا، أو مثلما يحدث حاليا في الشرق الأوسط من خلال التدخل العسكري الروسي في سوريا والعودة بقوة إلى مياه البحر المتوسط الدافئة.
لاستقراء مستقبل السياسة الخارجية الروسية، لابد من التوقف كثيرا عند ما جاء في خطاب بوتين الآخير أمام البرلمان الروسي مطلع الشهر الجاري (2 مارس 2018). ففي هذا الخطاب بدا بوتين أكثر نزوعا للمواجهة مع الغرب وتاكيدا لقوة روسيا العسكرية، واستحضر خلاله مفردات تعود إلى حقبة الحرب الباردة، وأطلق ما قد يكون بداية سباق آخر للتسلح مع الولايات المتحدة. إذ عرض أسلحة روسية حديثة وصفها بأنها لا تقهر، وقلل من أهمية أنظمة الدرع الصاروخية الأمريكية، وتوسّع الحلف الأطلسي تجاه حدود روسيا، وقال إن العقوبات المفروضة على بلاده لم تتمكّن من لجمها، وأن موسكو أنجزت كل ما أراد الغرب تعطيله.
حذر البعض من أن هذا الخطاب العسكري لبوتين قد يكون مقدمة لمزيد من المواجهة والصدام الروسي مع الغرب والولايات المتحدة في ظل الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب، قلل محللون من احتمالات ذلك واعتبروا أن حدة هذا الخطاب كان أكثر ارتباطا بالاستحقاق الانتخابي الداخلي في روسيا من كونه يعكس رغبة في الصدام مع الغرب، إذ حاول بوتين بهذا الخطاب الناري حشد الشارع الروسي خلفه من خلال التحذير من مخاطر حرب محتملة مع الغرب. ولعل ما يؤكد هذا الرأي هو التصريح الأول لبوتين بعد إعدة انتخابه، حيث أعلن أنه مستعد لحوار "بناء" مع الدول الأخرى، وأكد أنه لن يكون هناك سباق تسلح، متعهدا بتقليص الإنفاق الدفاعي لروسيا.
لكن حديث بوتين عن رغبته في الحوار والانفتاح مع الغرب لا يعني بالضرورة تراجعا أو تغييرا جوهريا في مواقف روسيا وسياستها الخارجية، ولا يعني أن احتمالات الصدام قد تراجعت. فالقضايا الخلافية بين الجانبين لاتزال على حالها، بشأن الكثير من الملفات، سواء بسبب التدخل الروسي في أوكرانيا، أو في الأزمة السورية، فضلا عن الاتهامات الموجهة لموسكو بالتدخل في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، ونتهاء بقضية تسميم الجاسوس "سكربيال"، التي أثارت موجة غضب في العديد من العواصم الغربية التي أعلنت انحيازها للموقف البريطاني، كما أن موسكو ليست بوارد التراجع عن مساعيها لتعزيز مكانتها على الساحة الدولية.
أما على صعيد السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط، فإن المراقبين يستبعدون حدوث أي تغيير في هذه السياسة خلال الولاية الجديدة للرئيس بوتين، حيث لا يتوقع حدوث أي تراجع في خطط ومساعى موسكو لتعزيز نفوذها في المنطقة، سواء من خلال حضورها العسكري والسياسي الحالي في سوريا، أو فيما يخص علاقاتها القوية مع إيران الخصم اللدود للغرب، إلى جانب علاقاتها الأمنية والعسكرية والاقتصادية المتنامية مع عدد من دول المنطقة، من خلال توقيع مزيد من صفقات الأسلحة والتعاون في مجال الطاقة مع دول المنطقة.
وفق الخبراء المتابعين للشأن الروسي فإن موسكو ستواصل استغلال مجموعة من الأوراق لتعظيم وجودها في الشرق الأوسط، وعلى رأسها البناء على المكاسب الجيوسياسية التي حققتها من خلال وجودها في سوريا، وتراجع الدور أو الاهتمام الأمريكي بالمنطقة، وغياب سياسة أوروبية موحدة تجاه قضايا المنطقة وانشغال الاتحاد الأوربي بهمومه الداخلية، والحرب على الجماعات الإرهابية.