الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

السيد ياسين.. المثقف المهموم بقضايا الوطن

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما إن تقرأ تراثه الفكري والفلسفي حتى تدرك قيمته الكبيرة والثمينة، دافع عن حق الإنسان في الاختلاف وإبداء الرأي، أثري المكتبة بالكثير من المؤلفات وله مئات الدراسات السياسية والاجتماعية، السيد ياسين الهارب من القانون حيث ترك دراسة القانون بفرنسا ساخرا من فناء عمره في تتبع أحكام محكمة النقض للحصول على الدكتوراة.
ولدّ بمحافظة الإسكندرية في 30 أكتوبر 1931، تخرج المفكر الراحل فى كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، انضم لفريق الباحثين فى المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية الذى قضى فيه 18 عامًا حتى ودَّعه عام 1975، بعد أن تم تعيينه مديرًا لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام.
وخلال العمل في مركز الدراسات الإستراتيجية تابَعَ ياسين المتغيرات السياسية والثقافية الفكرية التي جرت في العالم، ورصدها في أعماله التي تجاوزت الأربعين كتابًا، حتى بعدما ترك إدارة مركز الأهرام وقام بتأسيس وإدارة المركز العربي للبحوث والدراسات، ليكمل الدور الذي بدأه من قبل، متابعًا الحرب الأميركية في العراق أو أفغانستان، وصعود التيارات الإسلامية، وانهيار الدول القومية، ومجيء ما يعرف بالربيع العربي، ليكتب كتابه "الشعب على منصة التاريخ" عقب قيام ثورة يناير، لكن سرعان ما سقط الشعب وصعد الإخوان الذين أبرزوا الوجه القبيح الذي لم يكن يأمله ياسين، فكتب كتابه الأخير "نقد الفكر الديني" وفي السنوات الأخيرة له اهتم ياسين كثيرا بالكتابات التي تفكك قضايا العقل الراكن للجمود والسلبية معتمدا على التحليل الثقافي.
شغل "ياسين" منصب عضو لجنة الدراسات الاجتماعية بالمجلس الأعلى للثقافة، وهو حاصل على عدّة جوائز، منها وسام الاستحقاق الأردنى من الطبقة الأولى عام 1992، وسام العلوم والفنون والآداب عام 1995، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة عام 1996
تنوع اهتماماته الثقافية الجامعة، ما بين الفلسفة والقانون الجنائى والاجتماع وعلم النفس والأدب، مثل «أسس البحث الاجتماعى، و«دراسات فى السلوك الإجرامى»، و«السياسة الجنائية المعاصرة»، و«دراسات فى علم الاجتماع القانونى، و«مصر بين الأزمة والنهضة» و«تحليل مفهوم الفكر القومى» و«الوعى التاريخى والثورة الكونية».



ما الكتاب الذي أثر في حياة المفكر السيد ياسين؟
قال الكاتب والمفكر الراحل السيد ياسين إن كتاب "مغامرات الأفكار.. عرض فلسفي للأفكار والحضارات" كان صاحب الأثر الأكبر في حياتي، ومازلت أحتفظ بنسخة منه حتى الآن".
وهو كتاب لـ"ألفريد نورث وايتهيد" فيلسوف رياضي إنجليزي ناقش قضية تكوين مجتمع حضاري يستند إلى شروط أهمها: ضرورة تقدير قيمة كل إنسان، فالإنسان الذي يشعر بمكانته وسط بيئته يكون متعاونا وقادرا على الانتاج، ويتطلب أيضاء ذلك المجتمع رعاية حاجات الفرد بحيث يكون إرضاء تلك الحاجات إرضاء تعاونيا، وأيضا توفير الطعام والكساء والسكن للناس ذلك يساعد على قيام مجتمع متحضر بدرجة عالية وهذا يقلل من معدلات الجريمة، ويعتمد على التربية المتبصرة بقيمة الفن والمثل العليا والحس بقيمة الحياة، مستفدين من التباين بين المجتمعات الإنسانية لإيجاد الباعث والمحتوى لنمو الروح الإنساني، ولابد أيضا من إيجاد أنواع عمل للعمال تنقذهم من سآمة العمل الرتيب وتبعث فيهم الارتياح والبهجة ليدركوا أن الأعمال التي يقومون بها ذات قيمة.
كان الكتاب قد ناقش أيضا سمات المجتمع المتحضر فهو مجتمع يؤمن بالحق والفن والسلام والمخاطرة التي تعني النزوع ناحية كل كمال جديد، مبتعدين عن النظر للماضي لجعله هو البديل للمستقبل، فهذا يعتبر دفن للحضارة، فالاستغراق في الماضي نوع من الجمود والركود.
والسلام ينشأ من القناعة بأن ما هو حسن وخير لا يستحيل تحقيقه، وذلك يتطلب إبعاد الانانية واعلاء قيم الحق وانعدام المتاعب الداخلية والصناعية والعالمية، وتحقيقة يأتي بالاستغراق في الفن. 



أسس الديمقراطية في نظر السيد ياسين ومكانة العرب منها
وضع المفكر الراحل الشروط الواجب توافرها في الدول الديمقراطية محددا مكانة العرب من تلك الشروط، فلقد كان ياسين من المهمومين بقضايا السياسة والفسلفة، وقال إن أسس الديمقراطية التي تمثل منظومة متكاملة تتألف من مفردات أساسية، إن لم تتوفر لا يمكن القول أن النظام السياسي ديموقراطي
جاء أولها مبدأ السيادة للشعب، وهوتعريف بديهي ومشهور للديمقراطية لكن العالم العربي ابتلي بالجماعات الإسلامية التي وقفت تجاه المبدأ لتعلي من مبدأ "الحاكمية" وفي ذلك الإطار ترى بعض الجماعات الإسلامية أن لفظ المشرع الذي يستخدم في القانون الوضعي والفقه الدستوري ويقصد به الهيئات المنوط بها عملية التشريع بحكم الدستور والقانون مسألة ضد الدين، ولذلك نشأ صراع بين أصحاب الدولة المدنية وأنصار الدولة الدينية.
بينما كان الأساس الثاني أن تتشكل الحكومات بناء علي رضا المحكومين، فإن الأنظمة التي تقوم على أسس الاستبداد والسلطوية تستدعي قيام الشعوب ضدها لانزالها عن المشهد، مما يدخل البلاد في نفق الحروب الأهلية عندما يمتنع النظام عن الاحتكام للديمقراطية، وإنه في حالات عديدة وفي مجتمعات عربية متعددة مثل الأردن والمغرب والجزائر، قامت هبات جماهيرية شعبية اتسمت بالعنف الشديد في بعض الأحيان ضد الحكومات. 
ويأتي الأساس الثالث في رضاء النخب السياسية بالتنازل عن الامتيازات الطبقية التي تتحصل عليها عند الوصول للحكم لتحقيق مبدأ المساواة الشعبية.
وتعتبر ضرورة احترام حقوق الأقليات من أهم الأسس الديمقراطية، وإذا نظرنا للفكر السياسي العربي في هذا المجال سنكتشف أنه فشل فشلا ذريعا في صياغة نظرية قومية عامة للتعامل مع الأقليات غير العربية في المجتمع العربي. ذلك أنه لدينا أقوام غير عرب، مثل الأكراد في العراق، والمارونيين في لبنان، والبربر في المغرب، والجنوبيين المسيحيين في جنوب السودان.
ولذلك تحتاج إقامة النظام الديموقراطي إلي حوار فكري فعال بين أنصار مختلف التيارات الإيديولوجية في المجتمع العربي للوصول إلي توافق حول هذه المسائل الأساسية.



السيد ياسين.. التاريخ من وجهة نظر المهمشين
ظلت الكتابات التاريخية لصيقة بالشخصيات الكبيرة والقيادات المؤثرة في حركة المجتمع والدول ويكتب عنهم هؤلاء الكتاب والمفكرين، ولكن السؤال: هل للمهمشين تاريخ؟ وهل بإمكانهم أن يدونوا تاريخا لغيرهم؟ فهل نجد مثلا تاريخا للحقبة الناصرية بألسنة العامة والمهمشين بدلا من الباحثين والمؤرخين؟
بالطبع يلقي الضوء على تلك الأسئلة هؤلاء المهمومين بقضايا الاجتماع وفلسفة التجمعات البشرية التي تشهد تطورات سياسية واقتصادية تؤثر فيهم فيحكوا القصص أو يضفروا الحقائق بالأساطير ويبتدعوا الأمثال الشعبية والنكات الساخرة، هذه الدراسات التي تهتم بوعي الطبقات المتدنية والجماهير المهمشة من حركة الدراسات قديما باتت محل اهتمام كبير ولقد ركز عليها كثيرا المفكر الراحل السيد ياسين بل وناقش الصعوبات التي تقف أمام هذه المحاولات، وأبرز تلك الصعوبات تتمثل في عملية الرجوع للوراء، فهذا أمر تحوطه الصعوبات والنسيان ورحيل الناس الحفظة، وتغيب الوثائق بصورة كبيرة، ومن الصعوبات تلك الأسئلة مثل: ما الذى يمكن أن نفعله بهذا التاريخ حتى لو نجحنا فى كتابته؟ وهو تاريخ غير رسمي لا يعتمد على مناهج التاريخ المعروفة وادواته البحثية، لكنهامحاولة لإنطاق البسطاء ممن أخرسهم المؤرخون الرسميون وتحدثوا باسمهم فهمشوهم بهدف تمجيد القادة الأفراد.
وعن هذه الكتابات قال ياسين إنه أصبح هذا المنظور التاريخى له جاذبية خاصة وخصوصا لشباب المؤرخين الذى يطمحون إلى فتح آفاق جديدة لعلم التاريخ، وطرق ميادين بحث مستحدثة، وقبل ذلك حكاية تاريخ الناس البسطاء من النساء والرجال الذين تم تجاهلهم فى الكتابات التاريخية التقليدية. ولا يعنى ذلك أن هذا المنظور الجديد لا يواجه مشكلات متعددة فى التطبيق، فالعكس هو الصحيح. ولعل أهم هذه المشكلات هو مدى صحة الأدلة التى يتوصل إليها المؤرخ الجديد فى ضوء المادة التاريخية الأصلية.