الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"بهية".. تملك أسلحة غير تقليدية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى السياسة لا توجد ثوابت حقيقية.. ولا حقائق ثابتة.. هى فن الممكن والمتغير أيضًا.. لم تعترف قواعدها، تاريخيا، بالقوالب النمطية. صناديق الانتخابات التى تمثل أحد نماذج الممارسة الديمقراطية، جاءت بأعتى أنظمة الدكتاتورية والفاشية، كما أوصلت للحكم أبرز الديمقراطيات فى العالم. تاريخ العالم يحفل بنماذج لدول تفاخر بأنظمتها الديمقراطية، اقتضى واقعها الأمنى أو السياسى أو الاقتصادى اختيار رؤسائها، دون وجود منافسة انتخابية بين مرشحين، لاستكمال مسيرتهم فى الحكم اعتبارًا لأولوية مصالح بلادهم، مفضلة تنحية الاعتبارات الأخرى فى تلك المرحلة.. حدث هذا دون تعرض هذه الدول إلى سيل التحفز والمغالطات، التى تعرضت لها الانتخابات المصرية.
مصر نجحت فى كسر حالة شبه حصار بدأت منذ أربعة أعوام كرد فعل من أمريكا وبعض دول أوروبا على أضخم مشهد ديمقراطى للشعب المصرى، وهو يضع نهاية عام من الظلام الفاشى فرضته ميليشيا مسلحة عن طريق المتاجرة بالشعارات الدينية. الضغوط ما زالت تترصد بأى حدث تحديدًا فى مصر، وهى تستخدم كل الأسلحة التقليدية من نظريات افتراضية لا تمت بصلة إلى الواقع المصري، بل تدنى البعض منها إلى حد التلفيق والتزوير أمام هذه الضغوط، مصر تملك عدة مسارات للرد، لعل أبرزها الهيئة العامة للاستعلامات، رغم الجهد الملحوظ لرئيسها ضياء رشوان، فإن خطة العمل ما زالت غير مكتملة العناصر، إذ بقدر أهمية المؤتمرات الصحفية للمراسلين الأجانب.. تبقى مهمة الهيئة الأكثر فعالية فى توضيح الحقائق للرأى العام الدولي، هى عبر ترجمة أبرز المقالات التى تفند ما يرد من مغالطات فى الإعلام الغربى سواء المقروء أو المرئي، وإرسالها الى جهة النشر عملًا بمبدأ حق الرد، ما يتيح للهيئة توسيع أفق تعاملها مع الإعلام الغربى عبر تقديم نماذج لآراء مستقلة تدحض المغالطات بالرد الموضوعى والمهني.. آلية حتى وإن كانت ليست ضمن مهام الهيئة، الأجدى أن يتم استحداثها نظرًا لما يمكن أن تحققه من كسر للحاجز الذى يعيق وصول صوت الإعلام المصرى إلى الرأى العام فى العالم.
عملية الانتخابات مثال سياسى آخر لم تتعامل معه أعرق ديمقراطيات العالم كنص مقدس لا يحتمل التغيير.. إذ تجرى تنظيم خطواته وفقًا لنصوص الدستور ومصالح الدولة مع الوضع فى الاعتبار طبيعة الظروف التى تواجهها فى تلك المرحلة. مع أجواء الترصد والضغوط التى تعمل «عصابة البنا» ومشتقاتها على تغذيتها بكل دوافع الحقد التى يولدها الفشل واليأس، كشف الوعى المصرى عبر المشاهد الرائعة لحشوده أمام لجان الانتخابات فى الخارج عن مهارة استخدامه لسلاح غير تقليدى قلب موازين شماتة وتوقعات فقدت «صلاحية استهلاكها» كانت قد تزايدت وتيرتها تحديدًا فى منابر صحفية أمريكية وغربية انتهجت عرض رؤية سلبية لكل ما يحدث فى مصر بناء على تصديق مطلق لأكاذيب أنصار الجماعات الإرهابية.
عدم وجود منافسة بين عدد كبير من المرشحين فى الانتخابات ليس بدعة أو خروجًا عن أطر الممارسة الديمقراطية.. لكن الاحتشاد بأعداد كبيرة لممارسة هذا الحق هو ما يكفل للشارع المصرى الرد بعفوية وشفافية على كل المغالطات.. يقدم للعالم شهادة على ديمقراطية هذه الانتخابات، ويجبره على الاعتراف بنجاحها عند عرض مشاهد احتشاد الناخبين أمام اللجان داخل مصر بكل الإصرار على المشاركة بعدما قدمت حشود الجاليات المصرية فى الخارج نموذجًا على أعلى درجات الوعى السياسي.
نظريًا.. قد يرى البعض المقاطعة حقًا ديمقراطيًا للمواطن.. لكن القراءة السياسية الأعمق لهذا «الحق» تفرض فى المقابل إدراك السلبيات التى تحملها نتائجه على مصالح مصر من إضعاف مواقفها أمام دول الغرب بعد أربعة أعوام من الجهود السياسية والدبلوماسية لترسيخ هذه المكانة دوليًا، أو فى قيادتها المجموعة العربية ضمن كيان تجمعه أهداف ومصالح مشتركة. دعاوى المقاطعة الصادرة عن بعض الأصوات الساذجة عجزت أيضًا عن رؤية إشكالية مهمة تؤكدها مشاهد خروج المصريين فى زخم إلى لجان الانتخابات.. هذه الصورة هى بمثابة المسمار الأخير فى نعش الإسطوانة المشروخة، التى لم تعجز بعض الأصوات فى أمريكا منذ أربعة أعوام عن ترديدها حول ثورة يونيو وإصرارها حتى الآن على مصادرة حق الشعب المصرى فى التخلص من الفكر الإرهابى لجماعة الإخوان وميليشياته المسلحة.
دون المساس بحق التأييد أو المعارضة.. وبعيدًا عن كل الشعارات، تبقى المشاركة هى الورقة الضامنة فى يد الناخب المصرى لفرض قواعده على إنجاح العملية الانتخابية وفق ما تتطلبه مصلحة مصر.