مخطئ من يظن أن الحرب الباردة انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتى أواخر الثمانينيات، وإعلان الرئيس الأمريكى جورج بوش الأب عودة العلاقات مع روسيا خلال لقائه مع الزعيم برويس يلتسن عام ١٩٩٢، فعلى الرغم من تظاهر قطبى العالم بتحسن العلاقات عن سابقتها، فإن الحرب الباردة الجديدة بدأت تطفو على السطح مجددًا متمثلة فى جفاف الخطاب السياسى القائم، وسط أحداث ساخنة تتحرك وتيرتها بشكل مخيف. وتناولت أفلام سينمائية فترة الحرب الباردة ومحاولة الدولتين استقطاب الدول المختلفة بالوسائل المشروعة وغير المشروعة كافة، وبذل العلماء كل ما فى استطاعتهم من أجل تزويد كلا الجانبين بأحدث وسائل التسليح التى تناولتها السينما على مدار عقود.
«Red Sparrow» أو «الطائر الأحمر»، هو آخر هذه الأفلام التى استقبلتها صالات السينما المصرية قبل أيام.
فراقصة البالية الروسية «دومينيكا إيغوروفا»، التى تجسد شخصيتها الممثلة الشابة جينيفر لورانس، كانت تعيش حياة هادئة تغلفها الشهرة وإعجاب المتابعين لرقصاتها الفاتنة بمسرح «البولشوي»، إلى أن تعرضت لحادث خلال أحد العروض دفعها لاعتزال الرقص وتراكم الديون على والدتها المريضة التى تقطن معها، بسبب امتناع المسرح عن دفع نفقات المعيشة لها، ما سهل من مهمة عمها «فانيا» الذى طلب منها الانضمام لجهاز الإستخبارات الروسى مقابل تأمين الأمور المالية لها ورعاية أسرتها.
قصة الفيلم أخذت عن كتاب من تأليف جيسون ماثيوز، وهو عميل سابق لدى «CIA»، ما يدفعك بالاعتقاد أن الفيلم ملىء بالمطاردات الخطرة ولقطات الأكشن وغيرها من المشاهد التى اعتاد المتلقى عليها بأفلام الجاسوسية، فالفيلم مثقل بالكثير من المشاهد الجنسية المقززة، بداية من فترة تواجد بطل العمل بالمدرسة، وصولًا إلى مشاهد احتكاكها المباشر فى الميدان، ما جعل الفيلم يتشابه إلى حد كبير مع قصة الراقصة الهولندية الشهيرة «ماتا هاري» التى دفعتها ظروفها المعيشية الصعبة لقبول التجنيد لدى الألمان خلال الحرب العالمية الأولي، والتجسس على الفرنسيين لصالحهم، ولكنها سرعان ما انضمت للمخابرات الفرنسية من أجل تأمين المال، وأصبحت عميلة مزدوجة، ثم وقعت فى علاقة غرامية مع أحد الضباط الروس، وفى النهاية اكتشف أمرها من جانب الفرنسيين، وتم إعدامها رميًا بالرصاص عام ١٩١٧.
وسرعان ما حاز أسلوب إيغوروفا، على إعجاب القادة فى موسكو، فيقومون بإرسالها إلى بودابست، لمحاولة إغواء العميل الأمريكى نيت ناش، والذى يقوم بدوره الممثل جويل إدجيرتون، وذلك للكشف عن الجاسوس الروسى الخائن الذى فضح أسرار موسكو لدى وكالة الاستخبارات الأمريكية على مدار سنوات.
التفكير فى مرض والدتها وتركها تحتضر بدار العجزة، وكذلك ابتزاز مديرها المباشر لها فى بودابست، بجانب الضغط المستمر من جانب العم «فانيا» بطرق غير إنسانية للحصول على معلومات من العميل الأمريكي، كلها كانت بمثابة أوراق ضغط على شخصية إيغوروفا، جعلتها تمتلك العديد من الأسباب والقناعات لكى تفكر ألف مرة فى كيفية الانتقام من هؤلاء الأشخاص، خاصة بعدما تكشفت أمامها هذه النماذج المزيفة التى تقتل وتبتز باسم الوطن، وهو ما تابعناه لاحقًا فى الفيلم.
ومن اللافت بالعمل هو الإيقاع البطىء الذى تسير به أحداث الفيلم، خاصة فى الجزء الثانى الذى تسافر خلاله إيغوروفا، لمدينة بودابست لملاقاة العميل الأمريكى ناش، الذى توقع المشاهدون خلاله أن يكون مكتظًا بمشاهد الحركة والأكشن، وهذا لا يقلل من القيمة الفنية للفيلم، فالعمل ملىء بالعديد من الحبكات الثانوية التى تجعل المشاهد يغوص فى العديد من التفاصيل، فعلى الرغم من النهاية الأكثر من رائعة للقصة التى مهدت لتحولات كبيرة لم تكن متوقعة بسياق الأحداث التى لا يتعدى زمنها على الشاشة الخمس دقائق، إلا أن الساعتين و١٥ دقيقة الأخرى بحاجة إلى إعادة النظر لثقل ظلها على المشاهد وتتابع أحداثها بطريقة رتيبة أقل من الهادئة، من إجمالى مدة الفيلم.
ويُعد هذا التعاون هو الرابع بين جينيفر لورانس، والمخرج فرانسيس لورانس، حيث سبق وقدم لها من قبل الثلاثية الشهيرة «The Hunger Games».