السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"أطفال داعش" خلايا الإرهاب النائمة

أطفال داعش
أطفال داعش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأطفال كلمة السر فى عودة ظهور تنظيم داعش.. حقيقة باتت واقعا لا تقبل الشك، خاصة أنهم أصبحوا يشكلون خلايا نائمة مستمرة لعقود من الزمن، وأيضا، لأنهم حجر الأساس فى استمرار أفكار التنظيم، وانتشارها، بالنظر إلى اقتداء الأطفال ببعضهم البعض، ومسارعتهم إلى تقليد ما هو غريب، وعنيف فى بعض الأحيان. ولعل ما يخدم التنظيم أن الحكومات لا تزال عاجزة عن وضع حلول جذرية لمشكلة «أشبال الخلافة المزعومة»، بعد نجاحها فى إلحاق هزائم عسكرية بداعش على الأرض، بجانب أنها لا تستطيع محاكمتهم لصغر سنهم، ولن تنجح فى إعادة تأهيلهم بسهولة، فى ضوء ما هو متعارف عليه من أن «التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر»، ولذا هناك صعوبة بالغة فى محو الأفكار المتطرفة، التى تم زرعها فى عقول آلاف الأطفال، عن طريق آبائهم الإرهابيين.

وجاءت إدانة أحد المعلمين البريطانيين فى ٢ مارس بتهمة تجنيد أطفال دواعش، لتزيد من حجم المأزق، الذى يواجهه العالم، خاصة أنها أظهرت بوضوح أن التنظيمات المتشددة اخترقت أيضا بعض المدارس الخاضعة لرقابة الحكومات، وأنها لن تتوانى عن فعل أى شيء لتحقيق أهدافها الإرهابية.
ويبدو أن الحروب، التى شنها التحالف الدولى ضد «داعش»، سواء فى سوريا أو العراق، وفرت أيضا مخزونا إضافيا من «الأطفال الإرهابيين»، لأن هذه الحروب سببت دمارا واسعا، وشردت آلاف الأسر والعائلات، دون مأوى، ما يساعد فلول التنظيم فى تجنيد المزيد من العناصر المتطرفة.
ولعل تتبع مراحل إعداد الأطفال الإرهابيين يزيد أيضا من قتامة الصورة، إذ يتعمد داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، قتل براءتهم، على مرحلتين، الأولى، تقوم على زرع الحقد وكره الآخر فى نفوسهم، فيما الثانية تركز على عرض مشاهد قتل وذبح أمامهم، وتدريبهم على استخدام الأسلحة.
 ويبقى الأمر الأخطر، وهو قيام الإرهابيين بتبرير الجرائم الوحشية من منطلق ديني، ومحاولة تشويه معتقدات الدين الإسلامى فى عقول الأطفال، لضمان استمرار الأفكار المتطرفة السامة لعقود، وإجهاض جميع محاولات الحكومات والأطباء النفسيين، لتخليصهم منها، وهذا ما ظهر بوضوح فى واقعة المدرس البريطاني، عمر أحمد حقي، الذى عرض فيديوهات على الأطفال تتضمن «مشاهد عنف»، كما جعلهم «يمثلون دور إرهابيين» يطعنون ضباط شرطة. وحسب الشرطة البريطانية، فإن حقى (٢٥ عاما)، حاول دفع أعداد كبيرة من الأطفال إلى التطرف، من أجل استغلالهم فى ارتكاب «هجمات ضد أهداف فى لندن». وأدانت محكمة «أولد بايلى» فى لندن، فى ٢ مارس «حقى» بتهم استغلال عمله فى إحدى المدارس شرقى بريطانيا، ليعمل على تجنيد «جيش» من الأطفال بهدف «شن هجمات إرهابية». وقال دين هايدون رئيس وحدة مكافحة الإرهاب فى شرطة لندن: «كان حقى رجلا خطيرا، أراد أن يدبر عدة هجمات فى وقت واحد، تستخدم فيها الأسلحة النارية والخناجر والقنابل والسيارات الكبيرة لقتل أناس أبرياء».
وأضاف «استعدنا عددا من كتب التدريب من منزله، وكان واضحا من ملاحظاته التى دونها أن خطته كانت طويلة الأمد».
وتابع هايدون «حقى اعتزم تنفيذ خطته بعد سنوات، فى الوقت الذى قدّر فيه أنه سيكون قد انتهى من تدريب وامتلاك جيش من الجنود، بينهم أطفال».
واستطرد «عندما استجوب ضباط متخصصون الأطفال، تحدثوا عن قيام حقى بعرض فيديوهات عنف أمامهم، بما فى ذلك مشاهد إعدام».
وأضاف «الأطفال أبلغوا الشرطة أيضا كيف طلب منهم حقى لعب دور إرهابيين ورجال شرطة، والأطفال الذين يمثلون دور الإرهابيين عليهم أن يطعنوا ضباط الشرطة حتى الموت».
وأشار المسئول البريطانى إلى أن حقى هدد الأطفال بأن مصيرا عنيفا ينتظرهم إن هم أخبروا أحدا ما الذى يفعله. وحسب «رويترز»، تتعرض هيئة الرقابة على المدارس البريطانية «أوفستيد» لانتقادات شديدة، لأن المدرسة، التى كان يعمل بها حقي، حصلت على تصنيف «ممتاز»، بعد جولة تفتيش قامت بها الهيئة هناك. وكانت هيئة «أوفستيد»، أجرت فى ٢٠١٥ تحقيقا شمل ٢١ ‏مدرسة فى مدينة «برمنجهام» وسط بريطانيا، وأظهر أن بعض المدارس بالمدينة استعمل مناهج دراسية ‏وضعت من منظور متطرف. وأشار التحقيق حينها إلى وجود شخصيات بارزة داخل بريطانيا دعمت جهودا لترسيخ ما سمته «التشدد الإسلامي» فى تلك المدارس، أو أنهم تعاونوا بطريقة غير مباشرة من خلال عدم رفضهم لتلك التوجهات داخل تلك المدارس، التى يشرفون عليها.

ذعر أوروبى 
وتتوالى التقارير الأوروبية، التى تكشف أمورا صادمة حول «الأطفال الدواعش»، ففى ١٣ نوفمبر ٢٠١٧، نشرت شبكة «يورو نيوز» تقريرا للمركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب، حول مشكلة المقاتلين الدواعش العائدين.
وأظهر التقرير أن هناك نقطة فى غاية الخطورة فى مشكلة العائدين، هى الأصعب بالنسبة للدول للتعامل معها، وهى شريحة الأطفال والمراهقين، الذين انضموا إلى «داعش» عبر الإنترنت، أو بعض الأطفال، ممن وُلدوا فى دولة الخلافة المزعومة، لأب أو أم يحملون جنسية إحدى الدول الأوروبية. 
وحسب التقرير؛ فإن التعامل مع هؤلاء الأطفال يتطلب، وبشكل عاجل، استحداث آليات للسلامة العقلية والدعم الاجتماعى؛ لأن بعضهم درب على حمل السلاح والقتل، وخلص إلى القول: «إن أحد أصعب الأمور هو إعادة تأهيل الأطفال، الذين جندتهم الجماعات المتطرفة، فولاؤهم شبه مطلق للإرهابيين». وفى مطلع فبراير الماضي، قال رئيس جهاز المخابرات الداخلية الألمانية هانز جورج ماسن، إنه يريد من حكومة بلاده، إعادة النظر فى القوانين، التى تفرض قيودا على مراقبة القُصر، لمواجهة خطر أطفال المقاتلين المتشددين، الذين يعودون إلى البلاد على شكل «خلايا نائمة»، قد تنشط فى أى وقت. 
وأبلغ ماسن «رويترز»، أن مسئولى الأمن يتأهبون لعودة مقاتلين من تنظيم داعش إلى ألمانيا مع أطفالهم الذين يحتمل أن يكونوا تعرضوا لـ«غسل المخ». 
وتابع «قرابة ألف شخص غادروا ألمانيا للانضمام إلى تنظيمات متشددة، ومع هزائم داعش فى الشرق الأوسط، يعود البعض من هؤلاء مع أفراد أسرهم».
وأشار ماسن إلى أن ٢٩٠ رضيعا وطفلا رحلوا من ألمانيا أو ولدوا فى سوريا والعراق، عادوا إلى ألمانيا، ولا يزال كثير منهم على الأرجح فى الشرق الأوسط، أو ربما انتقلوا إلى أفغانستان مثلا، حيث لا يزال داعش هناك قويا.
وفيما تسارع الدول الأوروبية الخطى لمواجهة خطر الأطفال الدواعش العائدين، يكثف التنظيم من استخدام وسائل التواصل الاجتماعى لتجنيد المزيد من الأطفال والمراهقين، بالإضافة إلى أساليبه المعتادة فى تجنيد الأطفال فى مناطق القتال، إذ قالت وكالة «سبوتنيك» الروسية، إن «داعش» فى سوريا والعراق كان يتعمد تجنيد الأطفال فى المرحلة العمرية ما بين ١٣ و١٧ عاما، كما عمل على إغرائهم بالمال والهدايا، للالتحاق بدوراته للتدريب، وفى الوقت عينه، قام التنظيم بترهيب أسر أولئك الأطفال. 
وأضافت الوكالة، أن خطة داعش تقوم على إرسال الأطفال بعد انتهاء دوراتهم التدريبية لتنفيذ عمليات انتحارية، أو تركهم ينضجون لمرحلة مستقبلية، أو زرعهم كخلايا نائمة، تهدد بظهور جيل من الدواعش فى المستقبل، أكثر تطرفًا ودموية من الجيل الحالي.
وبصفة عامة؛ فإن الحرب على الإرهاب ركزت على استهداف البنية القتالية للتنظيمات المتشددة، وأغفلت أمورا أخرى تغذى الإرهابيين، وتضمن استمرارهم لعقود، وهى الأفكار المتطرفة فى عقول الأطفال، ما جعل «أشبال الخلافة المزعومة»، قنبلة موقوتة قد تنفجر فى أية لحظة.
ويبقى الأمل معقودا على احتمال ابتكار علاج نفسى غير تقليدي، لإنقاذ الأطفال من براثن الإرهاب، فهل تنجح تجربة العراق فى استخدام الرسوم والألوان لمواجهة التطرف.