الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الفحم الضرورة السوداء.. اقتصاديون يطالبون بتنويع مصادر الطاقة.. إغلاق "القومية" لعجزها عن تنفيذ اشتراطات البيئة.. و"الكهرباء" تخطط لإنتاج 7000 ميجاوات من الطاقة الحجرية بحلول 2025

الفحم
الفحم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعد استخدام الفحم من أهم الملفات والقضايا التى أثارت جدلًا فى الآونة الأخيرة، ورغم وجود محاذير عدة من استخداماته فى توليد الطاقة أو فى مصانع الأسمنت نظرًا لأضراره البيئية الكثيرة، فإن الحكومة تغاضت عن ذلك بدافع انخفاض أسعاره مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى، سواء الغاز الطبيعى أو المازوت أو مشتقات البترول الأخرى، وبضغط ارتفاع عجز الميزانية الذى وصل إلى 370 مليار جنيه خلال العام المالى الحالي.
وبحسب تقرير صادر عن استخدامات مصانع الإسمنت للفحم خلال أوائل العام الماضي؛ فإن هناك ما يقرب من 19 شركة أسمنت بدأت فى الاعتماد على الفحم كطاقة رئيسية بنسب تتراوح بين 85 و95% بعد الحصول على تراخيص استخدام الفحم، ويضيف التقرير، أن إجمالى استخدام مصانع الأسمنت للفحم الحجرى والبترولي، بلغت خلال عام واحد نحو 3.4 مليون طن بتكلفة إجمالية تجاوزت الـ 350 مليون جنيه. لكن المفارقة، أن أضرار الفحم هذه التى تغاضت عنها الحكومة، بحسب خبراء بيئيين، ترفع من كُلفة الأمراض عند المصريين، إضافة لتسببها فى معاناة خزانة الدولة.

حرام على الأسمنت.. حلال على الكهرباء 
عادت قضية الفحم إلى دائرة الجدل من جديد، مع اعتزام الحكومة التوسع فى استخدام الفحم فى توليد الكهرباء بعدما انتشر استخدامه فى صناعة الأسمنت، إذ أعلنت الشركة القابضة لكهرباء مصر عن تلقى ٣ عروض عالمية للمنافسة على مشروع إنشاء أول محطة توليد كهرباء تعمل بالفحم، بمنطقة الحمراوين على ساحل البحر الأحمر، بقدرة ٦٠٠٠ ميجاوات.
وتخطط وزارة الكهرباء لإنتاج ٧٠٠٠ ميجاوات من محطات تعمل بالفحم بحلول ٢٠٢٥، بجانب المشروع المزمع تنفيذه من جانب شركة النويس الإماراتية، كما تسعى للانتهاء من مراجعة التعاقد معها خلال العام الحالي، على أن يتم البدء فعليًّا فى التنفيذ منتصف العام المقبل، فى إطار الخطة التى تستهدف وزارة الكهرباء تنفيذها حتى ٢٠٣٥.
وبالتزامن مع إعلانات التوسع فى استخدام الفحم، يواجه أصحاب مصانع الأسمنت عقبات كبيرة، بعدما كشفت وزارة البيئة عن مجموعة من الاشتراطات البيئية الخاصة باستخدامه، والتى شملت التخزين وتحقيق الأمان أثناء استخدامه، وكذلك تحديد الكميات المستوردة، وعلى إثر تلك الضوابط أعلنت الشركة القومية عن إغلاق أبوابها.
وقال الدكتور خالد فهمى، وزير البيئة، إن قرار الإغلاق جاء من مجلس إدارتها والجمعية العمومية للشركة، نتيجة عدم استطاعتها تنفيذ الاشتراطات البيئية التى وضعتها الوزارة، مشيرا إلى أن الشركة متوقفة عن الإنتاج منذ ٤ أشهر

الاشتراطات 
بحسب مضبطة وزارة البيئة، تضمنت الاشتراطات البيئية للعمل بالفحم، فى صناعات الإسمنت ومحطات توليد الكهرباء، والتى نُشرت واعتُمدت من رئيس الوزراء ونشرها بالجريدة الرسمية ضمن تعديلات اللائحة التنفيذية لقانون البيئة، مجموعة من المحاور والآليات، وفيما يتعلق باستخدام الفحم فى صناعات الأسمنت، فإن أول الاشتراطات تتعلق بكميات الفحم، حيث تحدد كمية الفحم السنوية المرخص بها على أساس ألا يزيد معدل استهلاك الطاقة الحرارية على ٤٠٠٠ ميجاجول لكل طن كلنكر الإسمنت الأسود، و٦٢٠٠ ميجاجول لكل طن كلنكر الإسمنت الأبيض.
وتذكر الاشتراطات، أنه بخصوص التداول والتخزين بالمصنع، يجب أن تتم جميع عمليات التحميل والتفريغ والتداول فى منطقة التشغيل آليًا وبمعدات محكمة، ويكون تخزين الفحم فى منطقة التشغيل بالكميات اللازمة للتشغيل لفترة لا تتجاوز ١٥ يومًا فى أماكن مغلقة بداخل مخازن نصف كروية أو هناجر مكونة من مظلة و٣ جوانب مغلقة، أما الجانب الرابع فيكون مزودًا بستارة على هيئة شرائح تسمح بمرور المعدات
واشترطت الحكومة أن تتم عملية طحن الفحم فى أماكن مغلقة مع تطبيق إجراءات الحد من تلوث الهواء، ويجب تخزين الفحم المطحون فى صوامع مع تركيب أجهزة رصد أول أكسيد الكربون داخل الصومعة، أما تغذية الأفران بالفحم المطحون؛ فيجب أن يتم باستخدام النقل الهوائى داخل أنابيب، كما يتم تعديل منظومة الحرق داخل الأفران من منظومة تستخدم وقودا سائلًا أو غازيًا إلى منظومة تستخدم الوقود الصلب المطحون
وعن الكهرباء، فتشترط المعايير أن يكون الموقع خارج منطقة الوادى وعلى سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط، ومراعاة المناطق ذات الحساسية البيئية وكذلك الأنشطة والمراكز السياحية، وحال التعذر والاختلاف فى تحديد الموقع يتم العرض من وزير البيئة على رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ القرار، ويجب استخدام نماذج التشتت للملوثات لتحديد الأماكن المتأثرة بالانبعاثات الغازية مع الوضع فى الاعتبار الطاقة الإنتاجية المستهدفة عند اكتمال مراحل المشروع والتوسعات المستقبلية.
وتتحدد كمية الفحم السنوية المرخص بها على أساس كفاءة لا تقل عن ٤٠ ٪، بحيث ألا يزيد معدل استهلاك الفحم على ٣٤٠- ٣٨٠ جرامًا لكل كيلو وات/ساعة، وباستخدام الغلايات، أما الشحن والتفريغ فيتم استقبال فحم توليد الكهرباء على أرصفة خاصة بالمحطة وتطبق معايير التفريغ من السفن.

اقتصاديون يطالبون بتنويع مصادر الطاقة
نفى الدكتور ماهر عزيز، استشارى الطاقة والبيئة، وعضو مجلس الطاقة العالمي، وجود مخاطر بيئية من استخدام الفحم فى الصناعة.
ويؤكد «عزيز» لا توجد مخاطر بيئية من استخدام الفحم فى الصناعة؛ لأنه أصبحت لدينا اشتراطات بيئية قاسية جدا لمن يستطيع التماشى معها، ويمكنه استخدام الفحم بكل ثقة، ومن يغلق أبوابه بحجة تغليظ الاشتراطات هو فى الأساس يحتاج إلى تكييف أوضاعه من أجل مواجهة الاشتراطات البيئية على استخدام الفحم.
وتابع: طالما هناك اشتراطات بيئية قاسية كما نرى، فإن استخدام الفحم سيكون آمنا ونظيفا جدا ولا مخاطر بيئية منه، فلا يعد ملوثا للبيئة، والمعايير البيئية المصرية أقل تشددا من المعايير العالمية، والتكنولوجيا العالمية تتبع معايير وضوابط، ومن هنا أطلق عليها «التكنولوجيا النظيفة للفحم».
ويشير «عزيز» إلى أن مشكلة المخاطر البيئية لاستخدام الفحم قضية منتهية، وفى حال استخدامه فى مصر وفقا لهذه الاشتراطات ستنعدم المخاطر تماما، وبالتالى يتحول إلى مصدر أساسى للطاقة.
وشدد عضو مجلس الطاقة العالمي، على أن الفحم يعد من أهم المصادر المولدة للطاقة بجانب الغاز والطاقة النووية، والتنويع بين هذه المصادر ضروي، لافتا إلى أنه على الرغم من الاكتشافات الضخمة للغاز الطبيعى فى الفترة الأخيرة، فإنه عمره قصير جدا، وقد ينتهى كحد أقصى خلال ٢٠ عاما، بحسب التقديرات العالمية، والنفط مثله تماما والطاقة المتجددة لا يزال أمامها الكثير من أجل بدء الاعتماد عليها، ومن هنا يكمن السر، فمن يستطيع تحمل التكنولوجيا خلال السنوات المقبلة لا سبيل سوى الفحم والطاقة النووية، والفحم يكفى العالم لمدة ٢٠٠ سنة مقبلة، بحسب تقديرات مجلس الطاقة العالمي، بينما الغاز والبترول قد يختفيان تماما من العالم خلال ٥٠ سنة مقبلة.
ويتوقع خبير الطاقة، التوسع فى استخدام الفحم خلال الفترات المقبلة بالاعتماد على المخزون والاحتياطى العالمى الذى يكفى لعقود، بل لقرون قادمة، وبالتالى فإن استخدام الفحم فى الصناعة سيتزايد وخلال الفترات القادمة سيتم التوسع فى استخدامه أكثر فأكثر، والعالم سيظل لمدة طويلة يعتمد على الفحم.
ويتابع: "ندرة موارد الطاقة وضعف إمدادات الطاقة المتجددة من شأنه تقديم الفحم والنووى كمصدرين رئيسيين من مصادر الطاقة".
ويقول خبير الطاقة، إن استخدام الفحم فى الصناعة وتوليد الكهرباء ضرورى من أجل تنويع مصادر الطاقة، وتوليد الطاقة الكهربائية من شأنه دعم خريطة الطاقة الكهربائية، والتى يسهم فيها السد العالى بنحو ٨٪ وطاقة الرياح بـ ٢٪ وما يقارب الـ٩١٪ يتم توليده حراريا بالاعتماد بشكل مباشر على الغاز الطبيعي.
أما إسلام ممدوح، خبير الطاقة، فقال إن التنويع فى مصادر الطاقة أمر مصيري، فلا بد ألا نعتمد على الغاز الطبيعى فقط، لكى لا تحدث أزمة كبيرة على غرار ما حدث خلال الفترة من ٢٠١٢ إلى ٢٠١٤، ومن هنا فإن التنويع من شأنه الحفاظ على استقرار موارد الطاقة.
ويرى «ممدوح» أنه لا خلاف على أن انبعاثات ثانى أكسيد الكربون توازى ٥ أضعاف الانبعاثات من استخدام الفحم، ولكن بأى حال من الأحوال لا يجب الاعتماد على الغاز بمفرده، ومن هنا يجب دعم المشروعات العاملة بالفحم، وتطوير التكنولوجيا النووية للحصول على الطاقة النووية التى تدعم خريطة الطاقة فى مصر.
وقال «ممدوح»، إن الرأى البيئى حول استخدام الفحم يخضع للأهواء ويحتاج إلى دراسة وتقصى قبل الحديث عن آثاره السلبية حتى لا نلقى بتصريحات سطحية.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادى رشاد عبده، إن مصر ظلت لفترة زمنية طويلة تعانى نقص الغاز، وفى ظل ارتفاع تكلفة الكهرباء، اضطرت العديد من شركات الأسمنت للتحول إلى استخدام الفحم، ومن هنا وجدت البديل المتوفر والرخيص، حتى فى حالة استيراده سيكون أرخص بكثير عن الغاز.
وأضاف أن إشكالية الفحم تتمثل فى أنه من أكثر المصادر الملوثة للبيئة، ومن هنا تدخلت وزارة البيئة، وأرى أن تدخلها لتحسين صورة الدولة؛ حيث قالت إنها وضعت ضوابط ومعايير لاستيراد واستخدام وتخزين الفحم، وهذا من أجل تخفيض تكلفة الاستيراد بدلا من استيراد الغاز والبترول ومن هنا يكون أفضلية.
وأوضح «عبده» أن المشكلة فى المصانع الموجودة وسط المناطق السكنية فى طرة وحلوان، الوزارة منحت تراخيص للعديد من الشركات فى الصحراء والمناطق النائية، ومنعت الوزارة منح تراخيص للشركة القومية للأسمنت نتيجة وجودها وسط كتل سكنية ضخمة فى منطقة طرة
ولفت الخبير الاقتصادى إلى أنه لا يوجد مصنع أسمنت يخسر، مشيرا إلى أن القومية للأسمنت تخسر نتيجة سوء الإدارة وليست مشكلتها فى الفحم.

خبراء البيئة: الفقراء يدفعون فاتورة ثراء الصناعات 
وصف خبراء البيئة التوسع فى استخدام الفحم بـ«الانتحار»، وأكدوا أن سعى الحكومة لاستخدام الفحم فى الصناعة وتوليد الكهرباء، بمثابة رضوخ لمطالب ومصالح الأغنياء من الصناع وأصحاب الشركات، ورفضوا اعتبار الفحم كأرخص أنواع الطاقة وأوفرها، مؤكدين أن استخدام الفحم ليس رخيصا كما يروج له، وأن الفقراء من المواطنين هم أكبر الخاسرين، وهم من يدفعون فاتورة الصناع الأغنياء، مشددين على أن الآثار السلبية للفحم تنعكس على الصحة العامة للمواطنين، وبالتالى هم من يدفعون فاتورة الفحم من خلال المصاريف على العلاج من أضراره.
وتعلق الدكتورة راجية الجرزاوي، الخبيرة البيئية، والباحثة فى الحقوق البيئية، على ما يتداوله الكثيرون ممن وصفتهم بـ«أنصار الفحم» حول التخلص من مشاكل الفحم على البيئة بأنه غير صحيح تماما
وقالت: نحن غير مجبرين على استخدام الفحم فى الصناعة، واستيراده يمثل عبئا مضاعفا على الدولة من خلال استيراده بالعملة الصعبة، والحاجة المضاعفة للعملة الصعبة فى الوقت الذى يتوافر فيه الغاز الطبيعى بشكل كبير، مشيرة إلى أن الدولة تفرط فى حقوق الغاز بتوريده للمصانع بأسعار مدعمة بغير وجه حق، وبأقل من الأسعار العالمية نعطيه للصناعات كثيفة الاستهلاك مدعومًا.
وتتابع «الجرزاوي»، أن الهدف من استخدام الفحم فى الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة هو تحقيق هامش ربح أعلى، ولا يخدم سوى الصناع ويضر بصحة المواطنين..
وتضيف: يمكن أن نتخلص تماما من استخدام الفحم فى الصناعة بالعمل وفق خطة ورؤية وطنية لترشيد استهلاك الكهرباء، وهو النهج الذى اتخذته دول أوروبا بالكامل فى الآونة الأخيرة.
وتوضح خبيرة البيئة، أن اعتماد استراتيجية لترشيد استهلاك الطاقة بحاجة لمزيد من الحوافز، فأوروبا كلها تتجه لترشيد استهلاك الكهرباء وهذا انعكس على انخفاض استهلاك الكهرباء مؤخرا، وحيث أقروا التشريعات اللازمة وعملوا على توفير البدائل اللازمة للحد من استخدام الفحم والاعتماد على الطاقة النظيفة مثل: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وتشير الباحثة فى الحقوق البيئية إلى أن الفحم بالمقارنة مع مصادر الطاقة الأخرى ليس رخيصا، وأنه رخيص فقط على الصناع أصحاب المصانع والشركات، ولكن ليس رخيصا على السكان والمواطنين الذين يتكبدون الخسارة الأكبر من التلوث البيئى الذى يؤثر فى صحتهم ويصرفون الكثير من الأموال على العلاج والأدوية للشفاء من مشاكلهم الصحية، التى نتجت عن التلوث البيئى نتيجة استخدام الفحم، فالمواطنون هم من يدفعون الفاتورة الصحية الباهظة، والخسارة هنا تكون خسارة مجتمعية، وإذا حسبناها بمبدأ الربح والخسارة؛ فإنه يخسر الدولة.
من جانبه، طالب الدكتور مجدى علام، الخبير البيئي، ومستشار وزير البيئة السابق، بالتخلص من الفحم الذى دخل إلى الصناعة المصرية اضطراريا، حيث قال إن الفحم لم يكن موجودا بشكل كبير فى الصناعة طوال الفترات الماضية، ولكنه دخل إلى التصنيع فى مصر مع أزمة الغاز التى واجهت مصر فى الأعوام الأخيرة الماضية، حيث قامت مصانع بالكامل بتغيير خطوط إنتاجها من الغاز الطبيعى إلى الفحم لأنه أرخص.
وأشار إلى أن وزارة البيئة وضعت مجموعة من الضوابط التى من شأنها تقنين استخدام الفحم من خلال مراحله المختلفة سواء فى استيراده أو تخزينه فى الموانئ أو ضوابط استخدامه بشكل آمن، وكذلك تخزينه داخل المصانع، ومن هنا يجب على جميع المصانع الالتزام بهذه المعايير والضوابط
ويكشف «علام» عن أن التوسع فى استخدام الفحم فى مصر مخالف للوثيقة الأفريقية الموقعة من قبل وزير البيئة قبل أيام قليلة فى أديس أبابا، والتى توصى بدعوة الدول الأفريقية للتخارج من استخدام الفحم فى الصناعة، مشيرا إلى أن الاشتراطات البيئية لاستخدام الفحم يجب أن تكون البداية للتخارج من استخدام الفحم.