الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هو الفارق بين السماء والأرض

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تكررت العبارة خلال معظم اللقاءات التى جمعتني بنخبة من المثقفين والإعلاميين فى العراق.. صيغة تتأرجح بين العتاب والتساؤل، لماذا يلوم العرب على العراق العلاقات الحميمة مع إيران بينما مصر -مثلا- تُظهِر على الصعيدين الرسمى والشعبى كل مظاهر الاحتفاء بزيارة حكام السعودية ودول الخليج؟! الرؤية الأعمق لهذه المقارنة المثيرة للدهشة تكشف بوضوح تناقض كبير بين الحالتين يلغى أصلا أى وجه لطرحها. السعودية ودول الاتحاد الخليجى هى فى الاصل دول عربية، تجاوز سقف العلاقات التى تجمعها بمصر الشق الاقتصادى والمالى من استثمارات وقروض، رغم أن الاقتصاد أصبح عالميا البوصلة التى تتحكم فى تحديد العلاقات الدولية، هذه الدول سارعت إلى دعم مصر فى أشد لحظات التحدى بداية من ٣٠ يونيو ٢٠١٣، انطلاقا من عدة ثوابت سياسية، أبرزها الوضع العام للمنطقة بكل الصراعات المسلحة التى تشهدها عدة دول لم يعد يحتمل الصمت أمام مخاطر تهدد دولة بحجم مصر يعتبر استقرارها الضامن الوحيد لفرصة نجاح أى عمل عربى مشترك يخرج بالمنطقة من آفة الإرهاب والدماء، السعودية فى سياق كل التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى بدأ مسارها جيل من شباب العائلة الحاكمة، لم تقصر نظرتها داخل الأفق الضيق لحدودها، جميع هذه الخطوات، وإن كانت على الصعيد الداخلى، يبقى نجاحها مقترنا بالعمل على طرح حلول عربية للصراعات بما يعيد بعض ملامح الاستقرار للمنطقة. نجاح الشعب المصرى فى استرداد بلده من عصابة سعت خلال عام إلى إحداث أكبر قدر من الأضرار سياسيا واقتصاديا، ثم عودة دور مصر كطرف مؤثر ضمن تحالف عربى يملك مرونة التحرك السياسى والرؤية الأعمق للمخاطر التى تواجه المنطقة بعدما ثبت عدم جدوى كل التدخلات الأمريكية بكل أبعاد تناقضاتها المريبة، إذ تبقى العراق وسوريا حتى الآن نماذج صارخة على هذا التخبط.
الشارع المصرى لم تكتف فطرته بالتقاط الإشارات الاقتصادية بقدر الترحيب بفكرة أى شكل لتحالف عربى على غرار ما يحدث بين دول أوروبا المختلفة. العلاقات المصرية السعودية ارتقت إلى بعد سياسى آخر يقرأ جيدا مغزى الضغوط الأمريكية والأوروبية التى تحملتها مصر منذ عام ٢٠١٣ على مختلف الأصعدة، وازدادت وتيرتها بشكل ملحوظ هذا العام، وإن وجود هذا التحالف العربى كان سببا فى اجتياز العديد من هذه الضغوط على مدى الأعوام الماضية، بالإضافة إلى أهمية القاعدة التى تحكم هذا التحالف فى عدم التدخل فى شئون الدول الأخرى، مع تبنى موقف سياسى موحد لمواجهة كل التحديات التى هددت - وما زالت تهدد - استقرار المنطقة. 
طبيعة العلاقات العراقية الإيرانية اتخذت مسارا مناقضا تماما. إيران، الدولة الإقليمية، التقطت بلهفة مقادير العراق من مستنقع فوضى وخراب الغزو الأمريكى كى تبدأ عملية ممنهجة لتغذية كل السمات الطائفية، سلخ العراق عن جذوره العربية والمدنية، إعلان صريح ومباشر من مسئوليها اعتبار العراق امتداد طبيعى لإيران!.. إيران اعتبرت العراق حق مكتسب تنطلق منه أطماعها عبر تشكيل وتسليح جماعات موالية لها فى مختلف البلاد العربية، بل إن وجودها العسكرى ممثل علنا فى تحركات قاسم سليمانى قائد «فيلق القدس» الفرقة المسئولة عن العمليات السرية خارج الحدود الإقليمية، وكل الضغوط التى تمارسها لاكتساب المزيد من النفوذ على العملية السياسية فى العراق، كلها تفاصيل فى مشهد لطبيعة علاقة أبعد ما تكون عن دولتى جوار تحرص إحداهما على سيادة الأخرى.
العلاقات السعودية السياسية، سواء مع مصر أو باقى الدول العربية، لم تتجاوز التعاون المشترك فى إطار مصالح تجمع بين دول المنطقة العربية، بعيدا عن أى أطماع أو تدخلات سياسية أو جغرافية، فى المقابل المخطط الإيرانى انطلق من العراق إلى الدول العربية، تحديدا التى تشهد قدرا من التعددية الطائفية، لتحويلها إلى طائفية سياسية عبر تسييس الانتماءات الاجتماعية والطائفية، ليسهل بعد ذلك تفكيك النسيج الاجتماعى والوطنى الذى حمى هويتها العربية عبر التاريخ.. ثم تبدأ دوامة المشاحنات الطائفية.
التساؤل الذى لا يحمل على أرض الواقع السياسى أى وجه للمقارنة هو غالبا نتيجة بقايا مشاعر مرارة اختزنها الشارع العراقى تجاه الموقف العربى منذ الغزو الأمريكى عام ٢٠٠٣، فى ظل مناخ آنذاك اتسم بضعف القرار العربى مقارنة بمستوى التأثير الذى اكتسبه خلال الأعوام الماضية نتيجة التقارب العربى الذى تشكل مصر والسعودية ودول الخليج أهم ركائزه.