رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"داعش" يكشر عن أنيابه في الساحل الأفريقي

داعش
داعش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد أسبوعين من المؤتمر الدولى، الذى عقد فى بروكسل فى ٢٣ فبراير الماضى، حول مواجهة الإرهاب فى منطقة الساحل الأفريقى، خرج تنظيم «داعش» بفيديو جديد، يتضمن مشاهد صادمة لعملية مقتل أربعة جنود أمريكيين فى دولة النيجر، ما فجر جدلًا واسعًا داخل الولايات المتحدة، وصل حد التساؤل حول سبب الوجود العسكرى فى هذه الدولة.
ورغم أن حادثة مقتل الجنود الأمريكيين تعود إلى ٤ أكتوبر من العام الماضى، فإن «داعش» سعى فيما يبدو لتحقيق عدة أهداف من نشر الفيديو، أبرزها وضع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى مأزق، خاصة أنه أدلى بتصريحات وقت الحادثة، وصفتها عائلات الجنود القتلى بـ«المستفزة».
بالإضافة إلى أن الفيديو جدد التساؤلات حول دور القوات الأمريكية فى النيجر، إذ يوجد ثمانمائة عسكرى، مهمتهم تدريب القوات المحلية، ودعم مكافحة الإرهاب فى منطقة الساحل، حسب وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون». 
وهناك أيضًا، رغبة «داعش» فى إفشال مهام القوة العسكرية المشتركة، التى تشكلت العام الماضى من خمس دول، هي: مالى، والنيجر، وبوركينا فاسو، وموريتانيا، وتشاد، لمحاربة التنظيمات المتشددة فى منطقة الساحل الأفريقى، وتدعمها فرنسا وأمريكا والاتحاد الأوروبى.
ويبقى الهدف الأكبر لداعش، وهو محاولة الترويج، أنه ما زال قويًا، رغم خسائره العام الماضى فى سوريا والعراق، بالإضافة إلى سعيه من بث مشاهد مروعة لقتل الجنود الأمريكيين الأربعة لإحداث أكبر قدر من الصدمة بين القوات الأفريقية والغربية، التى أتت لمحاربته فى منطقة الساحل، تحديدًا فى النيجر ومالى.
ولعل ما يرجح صحة ما سبق، أن داعش قام أيضًا فى ١١ يناير الماضى ببث فيديو لعملية استهداف جنود فرنسيين فى شمال شرقى مالى، ما أسفر عن إصابة ثلاثة منهم بجروح خطيرة.
وتزامن فيديو استهداف الجنود الفرنسيين مع الذكرى الخامسة لبدء عملية «سرفال» العسكرية الفرنسية فى ٢٠١٣، لطرد الجماعات المتشددة من شمال مالى، والتى حلت محلها فى أغسطس ٢٠١٤، عملية «برخان» الفرنسية، التى يغطى نشاطها خمس دول فى منطقة الساحل الأفريقى.
أمور تخدم الإرهابيين 
ويبدو أن «داعش» يعد العدة لنقل معظم نشاطه إلى منطقة الساحل، التى تقع على الحواف الجنوبية للصحراء الكبرى، وهى أقرب للساحل الغربى الأفريقى، منها للصحراء، ولذا يطلق عليها هذه التسمية.
ويستغل «داعش» عدة أمور، منها أن هذه المنطقة شاسعة المساحة، وتضم دولًا ذات أغلبية مسلمة، وتعانى فى الوقت ذاته من انتشار الفقر والأمية، وضعف الحكومات المركزية، وتهميش الأقليات، بالإضافة إلى الدعاية، التى تبثها الجماعات المتشددة، حول أنها تحمى السكان هناك مما سمته «الحرب الصليبية ضد المسلمين».
وهناك أيضًا البعد الاقتصادى، إذ تعرف هذه المنطقة بأنها غنية بالنفط واليورانيوم، ولذا يوجد سباق فرنسى - أمريكى من جهة، وسباق بين الإرهابيين من جهة أخرى للفوز بكعكة اليورانيوم هناك، تحديدًا فى النيجر.
إضافة إلى أن أعداد المنضمين لداعش من دول القارة السمراء فى ازدياد، وبلغ حوالى ستة آلاف مقاتل، من بين ٣٠ ألف مقاتل أجنبى فى التنظيم، حسب ما قاله مفوض السلم والأمن فى الاتحاد الأفريقى إسماعيل شرقى مؤخرًا.
كما تمدد داعش فى وقت قصير بالقارة السمراء، وانتشر غربًا فى تشاد والنيجر ومالى، وجنوبًا فى نيجيريا، هذا بالإضافة إلى انشقاق تنظيمات متشددة عن تنظيم القاعدة، وإعلان مبايعتها لداعش، منها جماعة جند الخليفة فى الجزائر، وكتيبة عقبة بن نافع فى تونس وجماعة «بوكو حرام» فى نيجيريا، وجبهة شرق أفريقيا فى الصومال.
ويبدو أن التطورات منذ الإعلان عن تشكيل القوة العسكرية المشتركة من خمس دول فى منطقة الساحل «جى ٥»، تخدم التنظيم أيضًا، فهى تواجه مشكلة فى التمويل، إذ يقدر الخبراء احتياجاتها العملياتية بحوالى ٥٠٠ مليون دولار، فيما تعهد الاتحاد الأوروبى بتقديم ٥٠ مليون يورو (٤. ٦١ مليون دولار) فقط.
ورغم أن المؤتمر، الذى عقد فى بروكسل، سعى لتوفير مزيد من الدعم لهذه القوة، فإنه لم ينجح فى توفير حتى نصف المبلغ المطلوب، لكى تواصل مهمتها.
فيديو صادم 
وجاء الفيديو، الذى نشره «داعش» على موقع «التليجرام» يوم ٥ مارس لعملية مقتل الجنود الأمريكيين الأربعة، ليزيد المشهد قتامة، فى ضوء تجدد الدعوات لسحب القوات الأمريكية فى النيجر.
وكان فيديو داعش، الذى بلغت مدته ٩ دقائق و١٥ ثانية، تضمن مشاهد صادمة للحظات الأخيرة للجنود الأمريكيين القتلى، حسب صحيفة «الديلى ميل» البريطانية.
وأظهر الفيديو أحد الجنود الأمريكيين، وهو يطلق النار مترجلًا إلى جانب سيارة يقودها زميله، ثم يسقط جندى آخر أرضًا، ثم ينتهى الفيديو بلقطة يصوب فيها مسلحون أسلحتهم نحو رأس جندى كان يحمل كاميرا تصوير.
وبدأ الفيديو بمبايعة جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين فى منطقة الساحل» لزعيم داعش أبوبكر البغدادى، وهى جماعة تأسست من فصائل متشددة فى منطقة غرب أفريقيا فى مارس ٢٠١٧، وكانت منضوية تحت لواء تنظيم القاعدة، قبل انشقاقها، وانضمامها إلى داعش.
وقالت «الديلى ميل»، التى حصلت على نسخة من الفيديو، إن الجنود الأمريكيين لقوا مصرعهم فى ٤ أكتوبر ٢٠١٧، فى كمين نصبه لهم ٥٠ من مقاتلى «داعش» فى منطقة «تونجو تونجو» شمالى النيجر، قرب الحدود مع مالى.
ووقع هذا الكمين، خلال عودة وحدة مكونة من ١٢ جنديًا من القوات الخاصة الأمريكية، و٣٠ جنديًا من النيجر، من مهمة للبحث عن أحد كبار عناصر «داعش».
وأضافت الصحيفة البريطانية «لا يعرف لماذا تأخر داعش فى بث هذا الفيديو»، مشيرة إلى أنه جدد التساؤلات حول دور الجيش الأمريكى فى النيجر.
وكانت هذه الحادثة جلبت انتقادات واسعة لإدارة «ترامب»، وتسببت أيضًا فى حرب كلامية بينه، وعضو ديمقراطى فى الكونجرس الأمريكى عن ولاية فلوريدا، التى تعود لها أسرة أحد الجنود المقتولين، وذلك بعدما كشفت زوجة أحد القتلى عن أن «ترامب»، جعلها تبكى فى مكالمة هاتفية، عندما قال لها بشكل مستفز: «إن زوجك كان يعرف خطورة وظيفته»، فيما سارع «ترامب» حينها لنفى صحة الأمر.
وحسب وسائل الإعلام الأمريكية حينها، فإن ترامب تحدث هاتفيًا مع زوجة الجندى القتيل ديفيد جونسون، فيما كشفت عضو الكونجرس عن الحزب الديمقراطى، فريدريكا ويلسون، عن أنها سمعت المكالمة الهاتفية، وهى فى طريقها للمشاركة فى تشييع جنازة الجندى، الذى تعرفه شخصيًا، وقالت إن «ترامب» تردد أيضًا فى ذكر اسم القتيل.
وفى المقابل، نفى ترامب أنه نسى اسم جونسون فى المكالمة الهاتفية، وقال إنه تحدث دون تردد، وإن «حواره مع أرملة الجندى القتيل كان جيدًا».
ولم يعثر على جثة «جونسون»، إلا بعد يومين من الحادث، بينما عثر على جثث الجنود الآخرين فى اليوم نفسه.
وزاد من استياء الأمريكيين، أنه قبل هذه الحادثة، لم يكشف علنًا عن وجود قوات خاصة أمريكية فى النيجر، ما أثار التساؤل حول جدوى وجودهم هناك، فيما أطلق تحالف معارضى الحرب دعوات لسحب هذه القوات.
وفى نوفمبر الماضى، ذكرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، أن العديد من الأمريكيين لم يكن لديهم أدنى فكرة عن وجود قوات خاصة لبلادهم فى النيجر، حتى تم الإعلان عن مقتل ٤ جنود أمريكيين هناك.
وتساءلت المجلة: ماذا يفعل الجنود الأمريكيون فى النيجر؟»، وأجابت أن عمل القوات الخاصة الأمريكية فى النيجر يرجع إلى سنوات قليلة، وهو وثيق الصلة بهزيمة من سمتهم «المتشددين الإسلاميين»، الذين يعملون فى شمالها بدولة مالى وجنوبها فى نيجيريا.
وتابعت: «موقع النيجر يعد من أهم الأسباب التى تدعو أمريكا للوجود عسكريًا هناك، لأن المتشددين يمكن أن يستخدموها كقاعدة انطلاق لأنشطتهم فى منطقة الساحل».
وتابعت: «أمريكا تعتبر الصراعات المسلحة فى غرب أفريقيا بمثابة تهديد لها ولحلفائها، ووجود القوات الخاصة الأمريكية فى النيجر، يجب أن يتم تقييمه فى ضوء الأهداف الاستراتيجية لأمريكا، والتى تتعلق بمحاربة المتشددين وتاريخ الدعم الأمريكى لدول أفريقية مثل النيجر».
ولفتت المجلة إلى أن أمريكا تعتبر أن دعم استقرار النيجر وتنميتها يعد جزءًا من الأمن القومى الأمريكى، رغم أنها لا تمثل تهديدًا مباشرًا لأمريكا فى الوقت الحالى.
وكانت النيجر والولايات المتحدة وقعتا فى أكتوبر ٢٠١٥ اتفاقًا عسكريًا ينص على التزام كل من البلدين «العمل معًا على مكافحة الإرهاب» وعلى أن يدرب الجيش الأمريكى «جنود النيجر فى مكافحة الإرهاب»، إلا أنه لم يتم الإعلان عن إرسال قوات خاصة للنيجر.
وبعد حادثة ٤ أكتوبر ٢٠١٧، كشفت مصادر بـ«البنتاجون» عن أن واشنطن أرسلت ٨٠٠ من قواتها إلى النيجر بهدف تدريب القوات المحلية، ودعم مكافحة الإرهاب فى المنطقة، فيما ذكرت إذاعة فرنسا الدولية، أن الأمريكيين حاضرون بشكل كبير فى النيجر، خصوصًا فى مطار «أغاديز» عبر قاعدة جوية تقلع منها طائرات من دون طيار تراقب منطقة الساحل، لكن العسكريين الأمريكيين العاملين فى هذه القاعدة، لا يخرجون منها سوى فى حالات نادرة.
وتوجد لفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، قاعدة عسكرية أيضًا فى مطار نيامى عاصمة النيجر، تقلع منها مقاتلات رافال وطائرات من دون طيار، وفى إطار عملية «برخان» فى شمال مالى، تملك القوات الخاصة الفرنسية أيضًا قاعدة فى ماداما فى شمال النيجر.
وبدوره، ذكر موقع «ذى إنترسبت» الأمريكى، أن النيجر هى البلد الوحيد فى منطقة الساحل، الذى وافق على استضافة طائرات أمريكية دون طيار من طراز MQ٩ الفتاكة، التى يمكن تزويدها بأسلحة لشن ضربات جوية.
وبصفة عامة، فإن النيجر وغيرها من دول منطقة الساحل تتوافر فيها الأرضية الخصبة لنمو وتمدد التنظيمات الإرهابية، خاصة «داعش»، ما يتطلب الإسراع بوضع خطط تنموية، وليست عسكرية فقط، لانتشالها من براثن الفقر والمرض والصراعات.