الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

جولة تيلرسون الأفريقية.. محاولة لإنقاذ النفوذ الأمريكي ومعادلة التأثير الصيني

 وزير الخارجية الأمريكى
وزير الخارجية الأمريكى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يرى مراقبون للشأن الأفريقي أن جولة وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون لأفريقيا هذا الأسبوع تأتي فى إطار سعى الإدارة الأمريكية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من نفوذها فى أفريقيا، فى ظل تنافس حاد على النفوذ من جانب الصين وروسيا، وكلاهما تعتبره الولايات المتحدة منافسا لها على المسرح الأفريقى، فضلا عن تدخلات من دول إقليمية أخرى أقل وزنا.
فمن ناحية التوقيت.. يقول المراقبون: إن جولة تيلرسون الأفريقية والرسائل التى أطلقها خلالها لم تأت من فراغ؛ إذ استبقت قيام الاتحاد الأفريقى بالإعلان عن أول اتفاق للتجارة الحرة بين دول أفريقيا الشهر القادم، وهو الاتفاق الذى سيجعل من اقتصاد أفريقيا وأسواقها تكتلا اقتصاديا عالميا يحسب له ألف حساب بإجمالى ناتج كلى لاقتصاد القارة يصل إلى 5ر3 تريليون دولار سنويا وسوق ضخم يقدر بنحو 2ر1 مليار نسمة من الأفارقة، وقبل ذلك كله قادة 55 بلدا أفريقيا تعهدوا بمحاربة الفساد والإرهاب واتخذوا من هذا الهدف عنوانا لقمتهم الأخيرة التى استضافتها العاصمة الإثيوبية مطلع العام الجارى.
من ناحية الرؤية المستقبلية.. تتوقع دراسات البنك الدولى وتقديراته أن يشكل الأفارقة نسبة 40 فى المائة من سكان العالم ونسبة 30 فى المائة من قوته العاملة بحلول العام 2100، كما ستكون أفريقيا موطنا لما لا يقل عن 50 فى المائة من العاطلين على مستوى العالم، لكنه وبرغم استنزاف مواردها الأولية، ستظل أفريقيا هى الخزان الأعظم للموارد الطبيعية والمواد الأولية، التى سيحتاجها العالم بحلول هذا التاريخ وتسعى عدد من دول القارة بدأب لتعظيم القيمة المضافة لتلك المواد الخام.
يعد التعاون مع بلدان أفريقيا لمكافحة الإرهاب أحد محاور الارتكاز التى اعتمد عليها تيليرسون فى جولته الأخيرة فى محاولة من جانبه لمعادلة النفوذ التجارى والاقتصادى لروسيا والصين فى القارة وتوجه كثير من حكومات افريقيا صوب تعميق الشراكات التنموية والتجارية مع كليهما ، كذلك انعكس العداء الامريكى الكورى الشمالى على زيارة تيلرسون لافريقيا – و التى تعد اول زيارة له – اذ حذر حكومات القارة من التمادي فى ابرام صفقات السلاح مع بيونج يانج او استقبال خبرائها العسكريين على أراضيهم . 
كما حاول تيليرسون خلال الجولة محو سوء الفهم الذي كان وقعه سيئا على نفوس الأفارقة بسبب تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الأخيرة التي انتقد فيها هاييتى ومن هم من ذوى الأصول الأفريقية قبل شهرين، وعقد وزير الخارجية الأمريكي اجتماعا مع التشادي موسى فكى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقى اكد تيليرسون فى مؤتمر صحفى عقد فى ختامه التزام الادارة الامريكية بدعم التنمية والديمقراطية فى بلدان افريقيا وبناء جسور علاقات تجارة واستثمار مع دول القارة وهو ما اعتبره المراقبون محاولة من جانب رئيس الدبلوماسية الامريكية لتطييب خواطر الافارقة ومحو الاثر السيىء لتصريحات ترامب من نفوسهم. 
بحسب بيانات التجارة الصادرة عن الاتحاد الأفريقي كانت الولايات المتحدة الأمريكية هى شريك التجارة الأول لأفريقيا حتى العام 2009 عندما استطاعت الصين المثابرة إزاحة الولايات المتحدة من هذه المكانة اعتبارا من هذا التاريخ لتصبح بكين شريك التجارة الاكبر لأفريقيا اعتبارا من العام ذاته، واعتمدت بكين سياسة "العلامات المضيئة" للبرهنة على التزامها بدعم التنمية فى بعض بلدان القارة، وهى تعتبر وتؤكد دائما على أن تعاون الصين مع بلدان أفريقيا هو تعاون بين شركاء يخلو من أية شروط أو أثمان سياسية أو إملاءات ضاغطة، كما اعتمد الصينيون مقتربا يركز على إقامة وتطوير مشروعات البنية التحتية والنقل فى عموم القارة الأفريقية وذلك وفق تمويلات إقراضية ميسرة.
فعلى سبيل المثال، مولت الصين شبكة سكك حديدية فى كينيا بقيمة 2ر3 مليار دولار فى العام الماضى فى حين لا تتعدى ما تصل الى كينيا من مساعدات أمريكية سنويا 100 مليون دولار، كذلك تعد إثيوبيا أكبر بلد متلقى للاستثمارات الصينية فى أفريقيا، ومن بين العلامات المضيئة للتعاون الصينى الأفريقى تلك البناية الضخمة التى يقع فيها مقر الاتحاد الأفريقى فى العاصمة الإثيوبية وهى بناية أقامتها الصين على نفقتها وأهدتها للافارقة.
فى جيبوتى تقوم الصين ببناء خط حديدى بطول 200 كم يربط بين جيبوتى وأديس أبابا، وحتى على المستوى الأمني بدأت الصين فى التمدد بإنشاء مناطق ارتكاز عسكرية فى منطقة القرن الأفريقى وتحديدا فى جيبوتى لدعم جهود مكافحة القرصنة التى تقوم بها البحرية الصينية فى مياه شرق أفريقيا وتأمين الاحتياجات اللوجيستية لما يقرب من ثلاثة آلاف من قوات حفظ السلام الصينيين العاملين فى أفريقيا تحت علم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى.
خلال جولته في أفريقيا، لم يكد يخلو كل مكان زاره وزير الخارجية الأمريكى من بصمات صينية واضحة، ومن ثم كان المقترب الصينى للتنمية والتعاون مع أفريقيا كابوسا مزعجا لصناع القرار فى واشنطن ويدفعهم إلى العمل من خلال جهد سياسى دولى على النيل منه؛ إذ باتت الصين هى منافس الولايات المتحدة الأول فى أفريقيا.
فى هذا الإطار، حذر تيليرسون القادة الأفارقة خلال جولته مما اعتبره "وضع سيادة دولهم رهنا لدى الصين مقابل الأموال"، وذلك فى حالة تماديهم فى الاعتماد على التعاون مع الصين والحصول على تمويلات إنمائية من مصارفها سواء للتجارة أو تمويلات المنح والمعونات الصينية، بينما يؤكد المراقبون أن الخلو من الشروط السياسية هو أهم ما يميز اتفاقات التعاون الصينى مع الشركاء الأفارقة.
كذلك صارت تركيا تنظر الى افريقيا باعتبارها منطقة مفتوحة لتمدد الطموحات التركية وهى طموحات، وأن كانت لا ترقى لقوة التمدد الصينى، وقد تجلت التوجهات التركية صوب أفريقيا بوضوح فى إقامة مؤتمر فى إسطنبول للعلاقات التركية الأفريقية فى الثاني عشر من فبراير الماضي، كما تسعى تركيا منذ العام 2011 لبناء تواجد لها فى الصومال عبر سياسة مساعدات ضد التصحر والجفاف ومنذ العام 2003 بدأ اردوغان وكان وقتها رئيسا للوزراء سياسة للانفتاح على أفريقيا تمخضت عن 30 زيارة قام بها حتى نهاية العام الماضى الى بلدان افريقية مهمة من بينها مالى والسنغال وموريتانيا والجزائر والسودان وجيبوتى.
وعلى مدار الأعوام الخمسة عشرة الماضية تضاعفت التجارة التركية مع بلدان أفريقيا بما يعادل ستة امثالها قبل ذلك وبلغت بنهاية العام الماضى 5ر17 مليار دولار أمريكى، كما زادت تركيا من عدد سفاراتها فى دول أفريقيا الى 40 سفارة وبات الطيران التركى قادرا على الوصول إلى 50 مقصدا فى ربوع أفريقيا، وفى العام الماضى دشنت تركيا أول قاعدة عسكرية لها فى الصومال وتعد أكبر قاعدة عسكرية خارجية لتركيا حول العالم وافتتحت تركيا كذلك مستشفيات لها فى العاصمة الصومالية يتولى الهلال الأحمر الصومالى إدارتها، كما استحوذت على جزيرة سواكن السودانية على البحر الأحمر.
شملت زيارة تيلرسون لأفريقيا التى بدأت فى الثامن من الشهر الجارى كلا من إثيوبيا وجيبوتى وكينيا ونيجيريا وتشاد وقد استبقها تيلرسون بالإعلان عن دعم إنسانى وغذائى أمريكى لبلدان القارة قيمته 533 مليون دولار أمريكي اعتمدته إدارة ترامب لبعض دول القارة مثل الصومال وجنوب السودان وإثيوبيا ودول منطقة الحوض التشادى وجميعها دول تواجه تهديدات إرهابية من منظمات أصولية وتكفيرية منها حركة الشباب وداعش والقاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي وحلفائها مثل جماعة بوكو حرام فى نيجيريا وغرب أفريقيا وجماعات أخرى متشددة فى شمال مالى وجمهورية النيجر.
من المفارقات اللافتة التى تؤكد تنافس واشنطن وروسيا على بسط النفوذ فى أفريقيا تزامن زيارة تليرسون مع زيارة موازية كان يقوم بها نظيره الروسى سيرجي لافروف لإثيوبيا، وفشل تيلرسون ولافروف على عقد اجتماع مشترك حول سياسات بلديهما تجاه الأفارقة برغم نزول الوزيرين فى نفس الفندق فى العاصمة الإثيوبية.
كان لافروف فى طريقه إلى زيارة دولة لزيمبابوى بحثا عن موطئ قدم لبلاده فى هذا البلد الأفريقى بعد الإطاحة برئيسه السابق روبرت موجابى الذى حكمها لعقود وفق مقترب ينظر بعين الريبة إلى التعاون مع القوى الكبرى، وبحسب المراقبين كانت الخلافات الأمريكية الروسية حول أوكرانيا والملف السورى فى الشرق الأوسط أحد عوامل عدم النجاح فى عقد لقاء بين تيلرسون ولافروف فى العاصمة الإثيوبية هذا الأسبوع.