الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

سقوط الدولة الطولونية بعد وفاة مؤسسها

 أحمد بن طولون، مؤسس
أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«الانتصار والحصول على مكسب‏ والوصول إلى السلطة‏»‏ هذه كلها ليست قضية التاريخ، ‏وليست من عوامل تحريك التاريخ إلى الأمام أو الخلف، إن الانتصار فى معركة لا يعنى الهزيمة الحقيقية للأعداء، فحين لا تتوافر العوامل الحقيقية للنصر ‏ يصبح أى نصر مؤقت عملية تضليل، واستمرارا للسير الخطأ، وتماديا فى طريق الوصول إلى الهزيمة الحقيقية‏.‏ هكذا سار تاريخ الدولة الطولونية فى مصر،‏ كان النصر بداية الهزيمة، وكانت الهزيمة بداية للنصر.
عندما أعلن أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية فى مصر انفصاله عن الدولة العباسية بعد سنة ٢٥٤ هـ، كان ينقصه الوعى بحركة التاريخ والشروط الضرورية للتغيير، وكان بإنشائه هذه الدولة ‏أن سيطر على الحكم فى ظل أوضاع معينة مرت بها الدولة العباسية، سمحت له ولأمثاله بإظهار مطامحهم فى مزيد من السلطة والشهرة والرغبة الجامحة فى السيطرة، لم يصل إلى مستوى الثقة لدى الحاكم العباسى الحاكم ولم يبحث عن السبل المؤدية لحماية الدولة الإسلامية الجامعة، وإنما راح فى إغراق عبودية الذات والبحث عن استغلال الظروف لصالحه.‏
حاول جمع كل مقاليد السلطة فى يده، واتخذ من الإجراءات ما جعله الرجل الوحيد فى مصر، وليس الرجل التابع لدولة إسلامية كبرى تستطيع عزله وتولية غيره‏، وقد عزل فى سبيل ذلك عامل الخراج الذى عينه العباسيون على مصر، وتمكن من التحكم فى الشئون المالية إلى جانب الشئون الإدارية والعسكرية مما أدخله فى صراع مع الدولة العباسية وانتصر على أخى الخليفة أبى أحمد‏ الموفق،‏ واتخذ من الإجراءات الثورية ما يكفل له الوقوف على قدميه لصد أى هجوم عباسى.‏
ورأت الخلافة أنه من الحكمة أن تستغله‏ بدلا من أن تدخل معه فى صراع، وأوكلت إليه حماية الثغور الشامية‏.‏‏‏ 
مات أحمد بن طولون تاركا دولة تقف كلها على أقدامه وحده وليست لها أقدام أخرى،‏ من عناصر الحياة التاريخية والحضارية ولذا فإنها بموته وقعت على الأرض‏،‏ وعلى الرغم من كل ما أبداه «خمارويه»‏ ابنه من اتباع لسياسة أبيه، ومن تمسك بمعالم استقلال وقوة دولته المستقلة.‏ إلا أنه لم يعد أن يكون مرحلة عبرها التاريخ ليدخل بالدولة فورا فى مرحلة الأفول والفناء.‏
انغمس «خمارويه» والأمراء الطولونيون فى لهوهم، وتفشت ظاهرة حب السلطة والاستقلال لدى عمالهم فى الأقاليم،‏ وانقلب الثوريون‏ وبدأت طلائع الثورة يأكل بعضها البعض،‏ وقد ولى الأمر بعد خمارويه ثلاثة من آل طولون لم يزد حكمهم على عشر سنوات، ولم تستفد البلاد المصرية أو الشامية منهم شيئا غير الفوضى والتنافس بين الطامعين فى السلطة أو الفساد الذى نجم عن الترف، وعن الاستبداد وغيبة الأمة عن الرقابة أو الحكم‏‏.‏ 
وفى هذه الحال ‏ لم يكن الأمر متعبا بالنسبة للدولة العباسية، التى قدمت جيوشها لاسترداد مصر من خامس الولاة الطولونيين وهو ‏«شيبان‏»‏ الذى كانت الفوضى قد وصلت فى عهده قمتها وأعلى معدلات خطورتها، وشهدت سنة ٢٩٢ هـ دخول هذه الجيوش إلى القطائع فى القاهرة، ‏ومن فوق المنبر أعلن إزالة الدولة الطولونية التى لم تستطع أن تحكم أكثر من أربعين سنة عاشتها فى صراع خارجى وعاشت معظمها فى صراع داخلى، مع شعب لم يهضم حركتها التى لم يكن لها المبرر الحضارى الهام لإحداث التغيير.‏