الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الاتجاه العقلي في المعرفة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يذهب أصحاب المذهب العقلى (العقليون) إلى أن العقل هو المصدر الوحيد للمعرفة الحقة التى تتسم بطابع الضرورة والكلية، وهاتان الصفتان: الضرورة والكلية تكفيان للدلالة على صدق قضايا المعرفة من حيث إنها قضايا واضحة بذاتها وقبلية، أى سابقة على كل تجربة، بمعنى أنها فطرية أو كالفطرية لا تحدث اكتسابًا، أى لا تُسْتَمد من التجربة الحسية.
واتفق أصحاب المذهب العقلى على القول بأن العقل هو قوة فطرية فى الناس جميعًا، فالإنسان فى رأى أصحاب هذا المذهب لا يتلقى العلم من الخارج، بل من داخل عقله هو.
فذهب أفلاطون مثلًا إلى القول بأن نفس الإنسان أو روح الإنسان كانت قبل نزولها إلى الأرض تعيش فى عالَم آخر، عالَم مثالى مفارق لعالَم الأرض، وهو أزلى أبدى ثابت، أطلق عليه أفلاطون اسم عالَم «المثل»، وحين كانت النفس تعيش فى «عالَم المثل» كانت تعرف كل الحقائق المطلقة، ثم نزلت إلى الدنيا، إلى عالَم الأشياء المتغيرة، أى نزلت من عالَم المثل إلى عالَم الأرض. ومن ثمّ حلت النفس فى الجسد، ومعنى هذا أن الإنسان فى رأى أفلاطون يُولَـد مزودًا بمعارف مستمدة من «عالَم المثل»، ولكنه نسيها، فالمعرفة موجودة وفطرية فى الإنسان، وما عليه إلا أن يتذكر هذه المعرفة، أى أن المعرفة عند أفلاطون هى تذكر، والجهل نسيان.
ويُجْمِع الفلاسفة العقليون على وجود الأفكار الفطرية. فها هو الفيلسوف الفرنسى ديكارت أبو الفلسفة الحديثة وزعيم العقليين يؤكد وجود أفكار فطرية، والعقل عنده هو نور الفطرة أو النور الطبيعي. ويحتوى العقل عند أصحاب المذهب العقلى على مبادئ مستقلة وسابقة على كل تجربة:
* «مبدأ الهوية» الذى يقول: إن الشىء هو نفسه ولا يمكن أن يكون غير نفسه.
* و«مبدأ عدم التناقض» الذى ينص على أن الشىء لا يمكن أن يتصف بصفة ونقيضها فى وقت واحد. فلا يمكن أن نقول عن الشىء إنه موجود وغير موجود فى وقت واحد.
* «الكل أكبر من أى جزء من أجزائه». أو أن «الكل يسـاوى مجموع أجزائه».
* «المساويان لثالث متساويان».
* «العدم لا يمكن أن يكون علة لشىء ما».
* «كل ما يحدث فى الكون لـه علة أو سبب نتج عنه».
* «حرية الإنسان هى من المسلمات التى ينبغى أن نسلم بها دون أن يساورنا فى ذلك شك».
كل هذه وتلك هى مبادئ فطرية، وإن الإنسان يستطيع عن طريق هذه المبادئ أن يعرف العالَم الخارجى ويدركه.
إن أصحاب المذهب العقلى يؤكدون أنه فى إمكاننا معرفة جوهر العالَم وطبيعته عن طريق الاستدلال العقلى المجرد، ودون أية مقدمات تجريبية. ولأن العقل مشترك بين الناس جميعًا، فإن أحكامه أحكامًا مطلقة، أى ثابتة لا تتغير بتغير ظروف المكان والزمان.
وأحكام العقل تتصف أيضًا بأنها «ضرورية» أى أحكامه واضحة بذاتها ونتائجها حتمية. وأحكام العقل عند أصحاب المذهب العقلى تتصف أيضًا بأنها «كلية»، أى عامة ومشتركة بين الناس جميعًا، وليست مقتصرة على فرد دون فرد أو جماعة دون أخرى.
ونظر العقليون فوجدوا أن قضايا العلوم الرياضية تتوافر فيها هذه الشروط جميعًا، أى أنها مطلقة وضرورية وكلية. لذلك اتفق أصحاب المذهب العقلى على أن الرياضيات Mathematics تمثل النموذج الصحيح لما يجب أن تكون عليه القضايا الفلسفية