الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

إبداعات "البوابة".. هووووووووف

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أغلقت الهاتف فى خيبة أمل.. أحزنها أنه لم يفهم حقيقة رغبتها فى الإفصاح.. كان رغم ثقافته لا يؤمن بأن هُناك أنواعًا من الـ«فضفضة» لا يُمكن أن تُمارس مع شخص نعرفه، بالضبط
زفرت بقوة وهى توقف السيارة أمام عمارتها الفاخرة.. أبطلت المُحرّك وظلّت موضعها..
«أعمل إيه دلوقتي»، سألت نفسها فى تردد وهى تُشعل سيجارة، التقطت الهاتف المحمول تعبث بصفحاته.. حاولت خداع نفسها والأفكار تندفع برأسها مرة واحدة.. قاطع عبثها رنين الهاتف بنغمته الهادئة، فأسرعت ترد وكأنها ستجد الإجابة لدى المُتصل..
«أيوه»..
«أنتى فين؟»..
«أنا تحت العمارة.. هطلع الـ Psychiatric Clinic»..
«بتعملى إيه تحت.. ومستنية إيه؟»..
«أنا خايفة و..»، قاطعتها فى عصبية شديدة، وسمعت صوت إشعال سيجارة، وكأن جملتها أشعلت النيران بداخله «لازم تهتمى مش تخافى.. حياتنا بتدّمر.. وأنتى المسئولة»، سمعته ينفث الدخان وكأنه مُشتعل بدوره «مش عاوزة تتكلمى معايا أنا مُتفهّم ده جدًا.. مقدّر أزمة الثقة، واللى أنا أصلًا مش عارف سببها.. روحى للدكتور»، حاولت رفع صوتها لترد فتابع «هو أقرب لك منّي.. سلام».
«لا مش قصدي»، وبدا فى صوتها البُكاء «أنا بحبك».
«علشان أنا كمان بحبك وعاوز أكمّل معاكى لازم تساعدينى وتساعدى نفسك.. علشان نعدّى الأزمة دى» قالها بصوت عالٍ ثُم كرر وداعه «سلام»..
أغلقت الهاتف فى خيبة أمل.. أحزنها أنه لم يفهم حقيقة رغبتها فى الإفصاح.. كان رغم ثقافته لا يؤمن بأن هُناك أنواعًا من الـ«فضفضة» لا يُمكن أن تُمارس مع شخص نعرفه، بالضبط كما يفعل المُحبطين عندما يدخلون إلى أحد البارات ويبدأون فى الثرثرة بعد الكأس العاشر مع أقرب جالس.
فأين بارها الخاص؟؟..
غادرت السيارة فى بطء شديد وقلبها يدق بقوة.. تجاهلت المصعد وبدأت تخطو على السلم بنفس البطء.. تتذكر ما أوصلها لهذه المرحلة..
«رايحة فين يا ست؟؟»، سألها البواب العجوز فارتبكت «الرابع.. العيادة»، أشار إلى المصعد «الأوسانسير شُغّال» صمتت وأشارت بالنفى «لأ.. أنا مش بحب أركبه»، هز رأسه فى تفهم «أيون.. كلوستروفوبيِه.. أنى جولت كده» أدار ظهره وتركها تصعد «ربنا يشفى المريض»..
وصلت إلى باب العيادة محاولة ألا تنظر لأحد.. بدا عليها الخوف من شىء لا تعرفه؛ جلست فى شرود تام بين المنتظرين، قطع شرودها صوت الممرضة وهى تُنادى رقم المريض.. عادت تلتفت إلى الوجوه حولها مُتأملة «كل دى ناس بتعاني»، أخذت جولة بعينيها تتفحص المكان والمنتظرين، تحاول أن تدارى خجلها، فجأة بدأت تتذكر طفولتها القاسية؛ قاطع ذكرياتها صوت المُمرضة وهى تُنادى على رقمها، التفتت إليها فقالت بابتسامة مهنية «الدكتور فى انتظارك»..
دخلت بهدوء الغرفة ذات الألوان المريحة.. جلست فى صمت، تناهى إلى أذنيها لحن يُعجبها كثيرًا، نهض الطبيب مُصافحًا إياها ومُشيرًا إلى مقعد يُشبه الشازلونج القديم مع لمسة عصرية «اتفضلى هنا يا مدام»، قوله دفعها للابتسام «مش الكلام ده فى الأفلام بس»، ضحك وأشار إليها بالجلوس ثانية فرفعت يدها «ممكن أولّع سيجارة»، أخرج علبة سجائره وأعطاها واحدة وأشعل لنفسه أخرى «اتفضلي»، جلست باسترخاء وجلس هو فى المقعد المُقابل والتقط علبة عصير من الثلاجة الصغيرة بجواره وقذفها لها «ها.. شاطرة.. اشربيها بقى»، ضحكت لقوله وشعرت براحة كبيرة ورغبة فى الكلام «أنا عايزة أقول ده من ٢٥ سنة»..
ارتفع حاجبا الطبيب فى دهشة مدروسة من قولها «اللى هو..؟!»، اعتدلت فى جلستها وأخذت نفس من سيجارتها «كل يوم فيه مشهد مش بيفارق خيالي.. صاحية.. نايمة.. حتى يوم فرحى كان بيطاردني»، نظرت للطبيب فأشار إليها بالاستمرار وهو يضع المطفأة بينهما «وأنا عندى ٥ سنين شفت أمى بتخون أبويا.. لحد النهاردة مش قادرة أنسى.. ولا أتعامل مع الموضوع على أنه حاجة وعدت»، هزت رأسها وهى تُطفئ سيجارتها «ولا قادرة أكرهها.. ولا قادرة أقول لبابا.. ولا قادرة أقول لجوزي»..
صمت الطبيب مُنتظرًا بقية حديثها، أخرجت إحدى سجائرها وأشعلتها «تفتكر ممكن أعمل إيه؟.. طب ليه ماما عملت كده.. بلاش.. بابا كان مقصّر فى إيه؟!»، نظرت له بعصبية «تفتكر أعمل إيه علشان أنسى المشهد ده، ويبطل يطاردنى؟!!»..
أنهت حديثها وقامت من مكانها فجأة «أنا آسفة.. لازم أمشى».
قصة لـ «ياسمين حسن»