الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

أفغانستان والصومال.. وكر "الإرهاب" في العالم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

«تفجيرات الجمعة» تكشف انهيار الأجهزة الأمنية

ساحة للصراع على زعامة الإرهاب العالمى بين طالبان وداعش فى كابل.. و«أبناء البغدادى» والقاعدة بمقديشو

«الزعفرانى»: القاعدة أسس معاقل إرهابية فى الصومال عقب سقوط الحكومة المركزية عام ١٩٩١


على الرغم من أن التفجيرات لم تتوقف فى كل من أفغانستان والصومال طيلة السنوات الماضية، إلا أن العام الحالى شهد ارتفاعا ملحوظا فى وتيرة العمليات الإرهابية فى البلدين المنكوبين، اللذين يعانيان الأزمات نفسها، سواء فيما يتعلق بانعدام الاستقرار، وضعف الحكومات المركزية، بالإضافة إلى التدخلات الإقليمية والدولية فى شئونهما.

ولم يقف الأمر عند ما سبق، إذ طالت الهجمات التى هزت البلدين فى 23 و24 فبراير الجاري، مواقع حساسة للغاية، ومحصنة أمنيا، ما جدد التساؤلات حول ما آل إليه الوضع فيهما، خاصة أن جميع الاستراتيجيات الأمنية فشلت حتى الآن فى وضع حد للتنظيمات المتشددة.

وزاد من وطأة الكارثة، أن البلدين تحولا إلى ساحة للصراع على زعامة الإرهاب العالمي، سواء بين حركة طالبان وتنظيم داعش فى أفغانستان، أو بين تنظيمى داعش والقاعدة بالصومال، إذ وجدت هذه التنظيمات فى البلدين فرصة سانحة للعودة مرة أخرى، بعد خسائرها على الأرض فى السنوات الأخيرة.

ويبدو أنه يتوفر فى البلدين عدة عوامل تخدم عودة هذه التنظيمات، أبرزها انتشار الفقر والبطالة والأمية، ما يساعد كلا من طالبان والقاعدة وداعش فى تجنيد المزيد من العناصر المتطرفة، وتعويض الخسائر فى صفوفها.

وهناك أيضا موقع البلدين، الذى يصب فى صالح التنظيمات الإرهابية، ويضمن استمرارها، حتى لو تعرضت لهزائم متتالية، إذ تقع أفغانستان بالقرب من جمهوريات آسيا الوسطى وباكستان، وهى جميعها دول مسلمة، ما يوفر فرصة للتنظيمات الإرهابية للتحرك بسهولة عبر حدود هذه الدول، بالإضافة إلى الطبيعة الجبلية فى أفغانستان، والتى تساعد فى حرب العصابات واختباء الإرهابيين فى ملاذات آمنة، كما تستغل التنظيمات الإرهابية تجارة المخدرات الرائجة فى أفغانستان، لزيادة مواردها، وإغراء المزيد من الشباب.

وبالنسبة للصومال، فإنه يقع أيضا فى منطقة جغرافية استراتيجية تربطه بشكل كبير بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهو ممر محورى فى حركة التجارة العالمية، بالإضافة إلى قربه من اليمن الحاضن الأول لتنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية، ما يساعد التنظيمات الإرهابية فى التمدد عبر دول كثيرة.


هجمات كابول وهلمند

ومع إلقاء نظرة على التفجيرات الأخيرة، التى هزت البلدين، يتضح أن التنظيمات الإرهابية وجدت فيما يبدو طوق النجاة فيهما، وأصبحت تتحرك وتضرب كيفما تشاء.

ففى ٢٤ فبراير، قتل ٢٣ شخصا على الأقل، وأصيب أكثر من ٢٠ آخرين بجروح، جراء سلسلة هجمات استهدفت القوات الحكومية فى أنحاء أفغانستان، إذ استهدفت الهجمات الانتحارية أو المسلحون قاعدة عسكرية ومقرا للشرطة ومقرين لإدارة الأمن الوطنى (الاستخبارات) بفارق ساعات، وأعلنت طالبان مسئوليتها عن هذه الاعتداءات، باستثناء مهاجمة مقر الاستخبارات فى كابول، والذى يعتقد أنه من تدبير «داعش».

وأعلنت وزارة الدفاع الأفغانية أن ١٨ جنديا، على الأقل قتلوا فى هجوم استهدف، السبت قاعدة عسكرية فى ولاية فرح غربى أفغانستان، وتبنته حركة طالبان.

وقال الناطق باسم الوزارة، الجنرال دولت وزير، لوكالة «فرانس برس» إن «عددا كبيرا من المتمردين هاجموا قاعدة بالا بولوك فى ولاية فرح»، وأضاف «للأسف خسرنا ١٨ جنديا، وجرح اثنان آخران».

وتبنت حركة طالبان الهجوم فى تغريدة على «تويتر»، وتحدث الناطق باسمها، ذبيح الله مجاهد، عن «مقتل عشرين جنديا وخطف اثنين آخرين».

والهجوم السابق هو الرابع من نوعه فى يوم واحد، إذ استهدفت ثلاث عمليات انتحارية مقرين للاستخبارات الأفغانية فى كل من كابول «وسط»، وهلمند «جنوبا»، وقاعدة للجيش فى هلمند أيضا، وأسفرت هذه الهجمات فى المجموع عن سقوط خمسة قتلى، على الأقل، وجرح نحو عشرين شخصا آخرين، حسب آخر حصيلة رسمية.

وحسب وزارة الداخلية الأفغانية، قتل شخص واحد، على الأقل، وجرح ستة آخرين، عندما فجر انتحارى نفسه أمام مقر الاستخبارات الأفغانية القريب من الحى الدبلوماسى فى كابول، وقال الناطق باسم الوزارة نجيب دانيش لـ«فرانس برس»، إن «انتحاريا فجر نفسه فى قطاع شاش داراك فى كابول»، ما أدى إلى مقتل وإصابة سبعة أشخاص.

وحسب دانيش، فإن انتحاريا وصل سيرا إلى مقر الاستخبارات فى كابول، وعبر آخر نقطة تفتيش بلا صعوبة، وفجر نفسه عند مدخل المبنى، فيما قال مساعد الناطق باسم وزارة الداخلية الأفغانية نصرت رحيمى إن «الرجل كان أنيقا ويرتدى ربطة عنق»، فى تكتيك جديد للإفلات من حواجز المراقبة.

وبدوره، قال المسئول فى ولاية هلمند، عمر زاواك، إن هجوما وقع فى منطقة «ند علي» بالولاية، التى استعادها الجيش الأفغانى قبل أشهر، موضحا أن مقاتلى طالبان أطلقوا آلية هامفى مفخخة ضد قاعدة عسكرية، لكن «الجنود تمكنوا من رصدها وتدميرها بقذيفة مضادة للدروع (آر بى جي)، قبل أن تصل إلى هدفها»، وأضاف «للأسف قتل جنديان فى العملية، وجرح سبعة آخرون».

وبعد هذه العملية، انفجرت سيارة مفخخة أمام سور مكاتب إدارة الأمن الوطنى (الاستخبارات) فى «لشكر كاه» عاصمة ولاية هلمند، ما أسفر عن سقوط ثمانية جرحى، كما قال الناطق باسم شرطة هلمند، سلام أفغان.

وبالنظر إلى أن الهجمات السابقة وقعت فى أكثر من مكان، وبشكل متزامن أيضا، فقد انتشر الذعر بين الأفغان، وزاد من صدمتهم أيضا، أن القوات الأمريكية قامت مرارا بشن غارات جوية عديدة لتدمير عربات الهامفي، التى بحوزة طالبان، وكان يملكها الجيش الأفغاني، قبل استيلاء الحركة عليها، واستخدامها باستمرار لتنفيذ عمليات انتحارية، إلا أن الضربات الأمريكية لم تسفر عن نتيجة فيما يبدو.

وكانت طالبان نفذت أيضا هجومين داميين وسط كابول الشهر الماضي، أحدهما وقع فى ٢٧ يناير، وأسفر عن مقتل ١٠٣ أشخاص، وإصابة حوالى ٢٣٥ آخرين على الأقل، وخلف أضرارا مادية كبيرة، خاصة أنه استهدف منطقة «شار راه سيدارات»، التى تقع بها سفارات عدة دول، ويوجد بها أيضًا مقر شرطة العاصمة.

وأفادت مصادر أفغانية حينها بأن الهجوم نفذ باستخدام سيارة إسعاف محملة بالمواد المتفجرة أثناء مرورها بنقطة تفتيش تابعة للشرطة فى شارع يسمح للموظفين الحكوميين فقط بدخوله.

وفى ٢٠ يناير، تبنت طالبان أيضا هجوما استهدف فندق «إنتركونتيننتال»، وأسفر عن سقوط ٢٢ قتيلا، من بينهم ١٤ أجنبيًا، بالإضافة إلى إصابة عشرات آخرين، فيما تم قتل أربعة من المهاجمين.

وبدوره، تبنى تنظيم «داعش» أيضا فى ٢٩ يناير الماضي، هجومًا على أكاديمية «مارشال فهيم» العسكرية فى شمال غربى كابول، ما أسفر حينها عن مقتل حوالى ١١ جنديًا، وجرح عشرات آخرين.

ويبدو أن طالبان وداعش دخلا فى سباق محموم للتوسع فى أكثر من مكان بأفغانستان من جهة، وتجنيد المزيد من العناصر المتشددة من جهة أخرى.

ولعل الهجمات المميتة، التى وقعت فى كابول فى الشهرين الأخيرين، ترجح إلى أن التنظيمين سيفعلان أى شيء لتوسيع نفوذهما، حتى لو تحولت جميع أرجاء أفغانستان إلى حمامات دم


تفجير مقديشو

وفي الصومال، فإن الوضع ليس بأفضل حالا، إذ لقى حوالى ٢٤ شخصا مصرعهم، وأصيب أكثر من ٣٦ آخرين، فى تفجيرين جديدين استهدفا مساء الجمعة الموافق ٢٣ فبراير العاصمة مقديشو، تبنتهما حركة «الشباب المجاهدين»، المحسوبة على تنظيم القاعدة.

وقال مسئول صومالى لوكالة «رويترز»، إن التفجيرين نجما عن سيارتين مفخختين، موضحا أن إحداهما استهدف نقطة أمنية أمام القصر الرئاسي، وأعقبه إطلاق نيران، أما الهجوم الثاني، فقد وقع أمام فندق فى مقديشو، فيما قتل خمسة من المهاجمين.

وبدورها، تبنت حركة «الشباب المجاهدين»، فى بيان على الإنترنت، التفجيرين، وذكرت أن ٣٥ جنديا صوماليا قتلوا، مؤكدة خسارة خمسة من مسلحيها.

وتسعى حركة «الشباب»، منذ ٢٠٠٧، إلى إسقاط الحكومة المركزية فى مقديشو، التى تحظى بدعم المجتمع الدولى وقوة الاتحاد الأفريقى المنتشرة فى الصومال، والتى تضم أكثر من عشرين ألف جندى من أوغندا وبوروندى وجيبوتى وكينيا وإثيوبيا.

وعلى الرغم من خسارتها معظم معاقلها فى الصومال بعد طردها من مقديشو فى أغسطس ٢٠١١، إلا أنها لا تزال تسيطر على مناطق ريفية شاسعة فى جنوب البلاد، مستخدمة إياها كقواعد لشن عمليات كر وفر وهجمات انتحارية، بما فى ذلك فى مقديشو، إضافة إلى استهدافها قواعد عسكرية صومالية وأجنبية.

وحملت السلطات الصومالية هذه الحركة مسئولية الهجوم باستخدام شاحنة مفخخة فى وسط مقديشو، فى ١٤ أكتوبر من العام الماضي، والذى خلف ما لا يقل عن ٥١٢ قتيلا، ويعتبر الأعنف فى تاريخ الصومال الحديث، فيما نفت الحركة حينها مسئوليتها.

وكان الاعتداء بشاحنة مفخخة وقع على تقاطع كاي-٥ فى حى هودان التجارى المكتظ فى مقديشو، ما ألحق أضرارا كبيرة بمبان وسيارات على بعد مئات الأمتار من الانفجار، وخلف عددا كبيرا من الجثث المحروقة أو الممزقة، وبلغت زنة المتفجرات المستخدمة فى الاعتداء ٥٠٠ كجم، فيما تسبب فى مقتل ٥١٢ شخصا وإصابة ٢٩٥ آخرين.

واللافت أن هجوم ٢٣ فبراير جاء بعد أربعة أيام فقط، من تعيين قيادات جديدة للشرطة والمخابرات فى مقديشو، بعد إقالة القيادات السابقة على خلفية تفجير ١٤ أكتوبر ٢٠١٧، ما فسره البعض بأن الاستراتيجيات الأمنية تدور فى حلقة مفرغة، وأنها غير كافية لردع «الشباب المجاهدين» وهى حركة سلفية صومالية، ظهرت فى البداية كذراع عسكرية لاتحاد المحاكم الإسلامية، الذى سيطر على مناطق واسعة فى جنوب الصومال فى النصف الثانى من عام ٢٠٠٦، وكان يهدف إلى فرض الشريعة فى عموم البلاد، ما دفع بعض جيران الصومال للتدخل.

وساهمت الحركة فى مساندة المحاكم خلال معاركها ضد القوات الحكومية المدعومة بقوات إثيوبية اضطرت إلى الانسحاب فى نهاية ٢٠٠٨، تاركة الساحة لقوات الاتحاد الأفريقي.

وكان بين أهداف الحركة المعلنة محاربة ما سمته «الاحتلال الإثيوبي»، وفى شريط مصور بث فى فبراير ٢٠١٢، أعلن زعيم الحركة أحمد عبدى غودان الملقب «أبوالزبير» مبايعته أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة.

ورغم أن انشقاقات دبت فى صفوف الحركة فى السنوات الأخيرة، وانضم بعض عناصرها إلى «داعش»، إضافة إلى مقتل زعيمها أحمد عبد غودنى فى محافظة شبيلى السفلى جنوب مقديشو فى مطلع شهر سبتمبر ٢٠١٤، فى غارة أمريكية، إلا أنها ما زالت قوية، وتسيطر على مساحات واسعة فى جنوب البلاد وشرقها.

ويبدو أن الأسوأ ما زال ينتظر الصومال، إذ ظهر «داعش» هناك أيضا، خاصة فى جبال «غالغالا» شمال شرقى البلاد.

وتسعى القاعدة من خلال حركة «الشباب المجاهدين»، وغيرها لفرض سيطرتها، واحتكار ما تسميه «الجهاد العالمي»، وعدم ترك المجال لتنظيم «داعش» للتمدد فى القارة السمراء.

وأكد تقرير أممي، صدر فى ٧ فبراير، تزايد نشاط القاعدة فى الصومال، ما بعث برسالة مفادها أن هذه الدولة المنكوبة، التى قامت الدول الاستعمارية بتقسيمها إلى خمسة أجزاء، ومنح أجزاء من أراضيها إلى جيرانها، لا تزال أبعد ما يكون عن استعادة السلام الداخلي، خاصة أن معالم الدولة فيها، انهارت بشكل شبه كامل عقب سقوط نظام سياد برى فى يناير ١٩٩١.

وحسب خبراء فى شئون الحركات الإسلامية، فإن تنظيم القاعدة وضع عينه على الصومال تحديدا، نظرا لموقعه الجغرافى الاستراتيجى داخل القارة السمراء، ولأنه دولة نائية وفقيرة.

وقال خالد الزعفراني، الخبير فى شئون الحركات الإسلامية والإخوانى المنشق، إن تنظيم القاعدة أسس معاقل إرهابية كبرى فى الصومال عقب سقوط الحكومة المركزية الصومالية عام ١٩٩١.

وأضاف الزعفرانى فى تصريحات لـ«البوابة»، أن الصومال شهد فى فترة التسعينيات أزمات سياسية واقتصادية كبرى جعلت عددا كبيرا من أبناء الصومال ينخرطون فى العمل الإرهابي، وكانوا فريسة لتنظيم القاعدة.

وبدوره، قال سامح عيد، الإخوانى المنشق والباحث فى شئون الحركات الإسلامية، إن تواجد تنظيم القاعدة بشكل مكثف فى الصومال سيساهم فى وصول الإرهاب إلى السودان واليمن، لأن البلدين بهما توترات سياسية كبيرة، وهذه الأمور تساعد على نمو الإرهاب وتوحشه.

وأضاف عيد أن تنظيم القاعدة نجح فى استقطاب عدد كبير من العناصر الإرهابية الصومالية، بسبب الدعم السیاسى والمالي، الذى استطاع أن يوفره لهم، مستغلا انتشار الفقر والبطالة، بالإضافة إلى ضعف الحكومة المركزية.

وتابع أن تنظيم القاعدة، قبل أن يذهب إلى الصومال، ويستقر هناك فى بداية التسعينيات، أرسل مجموعة من عناصره وتفقدوا المكان، واستطاعوا أن يكتشفوا مناطق حيوية وهامة بالنسبة لهم، واختاروا الصومال ليكون ملاذا ثانيا بعد أفغانستان.

وبصفة عامة، فإن التنظيمات الإرهابية تنمو وتزدهر فى أجواء عدم الاستقرار والفوضى، وهذا ما يحدث فى الصومال، وأيضا أفغانستان، لأنهما أقرب لنموذج الدولة الفاشلة، منها للحديثة.