الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"خطاب الإخوان" تأسيس الإرهاب.. تربية عسكرية وتقسيمات حربية.. والطاعة للمرشد.. "بابكر فيصل": فشل تجربة الجماعة في الحكم بسبب أصول الأفكار.. و"البنا": دعوتهم سياسية وثقافية وشركة اقتصادية

جماعة الإخوان- صورة
جماعة الإخوان- صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كثيرة هى الدراسات التى تناولت جماعة الإخوان، سواء فى مصر أو امتدادها الجغرافى فى قارات العالم تقريبا، من حيث الانتشار والأفكار ونقد الأيديولوجيا السياسية للجماعة.
ويقدم لنا الكاتب بابكر فيصل بابكر، فى قراءته هذه نقدا لمفهوم البيعة لدى الجماعة، وكما يذكر فى مقدمته أن فشل تجربة جماعة الإخوان فى الحكم لا يرتبط بالتطبيق العملى فقط كما يقول مناصروها، بل هو فشل كامن فى أصول الأفكار وطرائق التنشئة التى يتربى عليها العضو المنتمى للجماعة، وبالتالى فإن أى حديث أو محاولة لمراجعة التجربة يجب ألا تقتصر على نقد الممارسة العملية، بل أن تبدأ من النظر والتنقيب فى تلك الأصول النظرية وفى أساليب التربية المرتبطة بها.
وحسب الدراسة التى نشرت على موقع «الحرة» على حلقتين، يعتبر مفهوم البيعة من المفاهيم الأساسية التى لا يكتمل دونها انتساب العضو للجماعة، أى أن يصبح عضوا عاملا، وهو المدخل الذى يتم من خلاله ضمان خضوع ذلك العضو لأفكار الجماعة وأهدافها وأساليب التربية الداخلية، وهى كذلك تمثل سبيل الاطمئنان إلى تأكيد ولائه لقيادتها.

تنبنى بيعة جماعة الإخوان كما وردت فى «رسالة التعاليم» للمرشد المؤسس حسن البنا على عشرة أركان هي: الفهم، الإخلاص، العمل، الجهاد، التضحية، الطاعة، الثبات، التجرد، الأخوة، والثقة، وترتبط بهذه الأركان «واجبات الأخ العامل» التى تتضمن ثمانية وثلاثين واجبا.
ويتناول الباحث ركن العمل، لتبيان تعارضه الجذرى مع أساليب العمل داخل الأحزاب السياسية التى تتبنى المناهج الحديثة المستندة إلى الاختيار الحر والتداول الديمقراطى للآراء من أجل اتخاذ القرارات، وكذلك مخالفتها للرؤى التى تقوم عليها الأحزاب المدنية التى تنشأ فى الأساس لتحقيق المصلحة الوطنية كغاية أخيرة وهدف نهائي.
ويستشهد الباحث بمقولات حسن البنا فى «الرسائل» حيث يوضح حسن البنا فى رسالة «إلى الشباب» أن إعادة ذلك الكيان الدولى للمسلمين لن تتم إلا باستعادة المستعمرات الإسلامية السابقة فى أوروبا.
يقول حسن البنا فى رسالة المؤتمر الخامس إن دعوة الإخوان «دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية»، وهذا تعريف مبهم وفضفاض لا يمكن ربطه بالمفهوم المعروف للحزب السياسي.
ومن ناحية أخرى، فإن البنا ينفى أن تكون الجماعة حزبا يسعى لخوض غمار العملية السياسية، فتجده يقول فى رسالة المؤتمر السادس «أما أننا سياسيون حزبيون نناصر حزبا ونناهض آخر فلسنا كذلك ولن نكونه، ولا يستطيع أحد أن يأتى على هذا بدليل أو شبه دليل».
هذا الغموض الذى اكتنف تعريف طبيعة الجماعة خلق منذ البداية تداخلا ضارا بين المفاهيم الدينية والأخرى السياسية التى تقوم عليها الأحزاب وتستقطب بها عضويتها وتبنى عليها أسس التنشئة والتربية الداخلية. وعندما جاءت التجربة العملية فى مصر، وقررت الجماعة خوض العملية السياسية من أجل الوصول للسلطة لم تجد مناصا من إنشاء حزب يحتفظ بمسافة من الجماعة ويسعى لتحقيق أهدافها، وهنا برزت المعضلة.
وحسب الباحث فقد فشل الحزب الذى خرج من عباءة الجماعة فى ممارسة دوره كحزب سياسى له هياكل معروفة وبرنامج وقيادة، حيث ظلت قيادة الجماعة ممثلة فى مكتب الإرشاد تسير عمل الحزب بصورة مبطنة، وأضحى مرشد الجماعة، هو الرئيس الفعلى للحزب، ذلك لأن رئيس الحزب المعلن محكوم ببيعة أداها للمرشد ولا يستطيع الخروج عليها، ولم يكن لديه أى صلاحيات سوى تلك المستمدة من وجوده كعضو فى مكتب الإرشاد مع آخرين.
والبيعة مفهوم إسلامى ليس له صلة بعملية الاختيار الحر والانتخاب فى الأحزاب والنظم الديمقراطية الحديثة. والبيعة بحسب التجربة التاريخية الإسلامية تظل فى عنق المسلم حتى وفاة المبايع، خليفة أو إماما وهى لا تحتمل التغيير، ولا تُنتقض إلا بشروط معينة، وإذا تم نقضها بغير تلك الشروط فإن ذلك يعتبر خروجا على الحاكم يستوجب القتال.

الركن الأول من أركان بيعة الإخوان المسلمين هو «العمل» الذى يُعرفه البنا بأنه «ثمرة العلم والإخلاص»، ويقول إن «مراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق» هى سبع مراتب تشمل: إصلاح نفسه، وتكوين بيت مسلم، وإرشاد المجتمع، وتحرير الوطن، وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، وإعادة الكيان الدولى للأمة الإسلامية، وأخيرا أستاذية العالم.
وحسب الباحث لا تتورع دعوة الإخوان عن استخدام آية قرآنية تدعو لقتال الآخر غير المسلم من أجل إكمال السيطرة على العالم، ورغم الغموض والضبابية التى تعترى الكيفية التى ستصبح بها الحكومة «إسلامية بحق»، خصوصا بعد التجربة الفاشلة فى السودان، إلا أن الخطورة تكمن فى الحديث عن إعادة الكيان الدولى للمسلمين، حيث تقول البيعة: «إعادة الكیان الدولى للأمة الإسلامية بتحریر أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها، حتى یؤدى ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة».
ويوضح البنا فى رسالة «إلى الشباب» أن إعادة ذلك الكيان الدولى للمسلمين لن تتم إلا باستعادة المستعمرات الإسلامية السابقة فى أوروبا: «ونريد بعد ذلك أن تعود راية الله خافقة عالية على تلك البقاع التى سعدت بالإسلام حينا من الدهر ودوى فيها صوت المؤذن بالتكبير والتهليل، ثم أراد لها نكد الطالع أن ينحسر عنها ضياؤه فتعود إلى الكفر بعد الإسلام. فالأندلس وصقلية والبلقان وجنوب إيطاليا وجزائر بحر الروم، كلها مستعمرات إسلامية يجب أن تعود إلى أحضان الإسلام، ويجب أن يعود البحر الأبيض والبحر الأحمر بحيرتين إسلاميتين كما كانتا من قبل».
وأما أستاذية العالم فتشرحها البيعة بالقول: «وأستاذیة العالم بنشر دعوة الإسلام فى ربوعه «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ویكون الدین كله لله» الأنفال: ٣٩، «ویأْبى الله إِلا أَن یُتِمَّ نوره ولو كَره الكَافرون» التوبة: ٣٢».
نحن هنا بإزاء دعوة كونية لا ترتبط بالحدود الوطنية التى تلتزم بها الأحزاب، وهى دعوة تنادى بعودة الخلافة الإسلامية، بل أكثر من ذلك هى لا تتورع عن استخدام آية قرآنية تدعو لقتال الآخر غير المسلم من أجل إكمال السيطرة على العالم.
هذه الفكرة الأممية العابرة للحدود كان قد شرحها البنا فى رسالة «الإخوان تحت راية القرآن» بالقول: «ولكننا أيها الناس: فكرة وعقيدة، ونظام ومنهاج، لا يحدده موضع، ولا يقيده جنس، ولا يقف دونه حاجز جغرافى، ولا ينتهى بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ذلك لأنه نظام رب العالمين، ومنهاج رسوله الأمين».
وكذلك يوضح البنا فى رسالة «إلى الشباب» الهدف النهائى من أستاذية العالم بقوله: «نريد بعد ذلك ومعه أن نعلن دعوتنا على العالم وأن نبلغ الناس جميعا، وأن نعم بها آفاق الأرض، وأن نُخضع لها كل جبار، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم».
ولا تتحقق هذه الأستاذية إلا عبر مفهوم «الجهاد» الذى يشكل أحد أركان البيعة الإخوانية، والذى يقول عنه البنا فى نص البيعة «وأريد بالجهاد.. الفريضة الماضية إلى يوم القیامة والمقصود بقول رسول الله صلى الله علیه وسلم: «من مات ولم یغز ولم ینو الغزو مات میتة جاهلية»، وأولى مراتبه إنكار القلب، وأعلاها القتال فى سبيل الله».

من المؤكد أن استعادة الخلافة وتحرير المستعمرات الإسلامية السابقة وإخضاع كل جبار لن يتم إلا عن طريق تطبيق المرتبة الأعلى للجهاد والمتمثلة فى «القتال فى سبيل الله» إذ ليس من المُتصور أن تتحقق عبر إنكار القلب.
وهذا الأمر يتبين من خلال الركن الثالث فى البيعة والمتمثل فى «التجرد»، والذى يشرحه البنا بالقول: «أريد بالتجرد: أن تخلص لفكرتك مما سواها من المبادئ والأشخاص، لأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلى (صبغةَ لله ومن أَحسن من الله صبغة) البقرة: ١٣٨».
إن خطورة وصف أفكار الجماعة بأنها «أعلى صبغة لله» تتمثل فى تنشئة كادر يعتقد فى أنه يمتلك الحق المطلق، وأن من سواه من المسلمين أو غيرهم ليسوا سوى منحرفين عن ذلك الحق، وهو الأمر الذى أعلنه البنا صراحة فى خطابه أمام «اجتماع رؤساء المناطق ومراكز الجهاد» حيث قال «إن لنا سلاحا لا يفل ولا تنال منه الليالى والأيام هو «الحق» والحق باق خالد والله يقول: (بل نقذف بالحق على الْباطل فيدمغه فإِذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون) الأنبياء: ١٨».
ما يفاقم من الأثر السلبى لظاهرة العنف وتكوين الكادر الحربى فى الإخوان، هو الركن الرابع من أركان البيعة المتمثل فى «الطاعة».
امتلاك الإخوان للحق يمنحهم سلطة تمثيل الإسلام، وبالتالى تصنيف المسلمين وغيرهم من خلال بعدهم أو قربهم من فكرة الإخوان باعتبار أنها هى المعيار الذى يقاس عليه الإسلام الحق وما عداها هو الباطل. وهكذا يصنف البنا الناس بالقول: «والناس عند الأخ «المسلم» الصادق واحد من ستة أصناف: مسلم مجاهد، أو مسلم قاعد، أو مسلم آثم، أو ذمى معاهد، أو محايد، أو محارب، ولكل حكمه فى میزان الإسلام».
هذا التصنيف هو المدعاة الأكبر لاستخدام العنف من قبل أعضاء الجماعة ضد الآخر المختلف. وهو كذلك المسئول عن تكوين النفسية الحربية لدى الكادر، وهى نفسية لا تتماشى مع أبسط القواعد التى ينشأ عليها الحزب السياسى ومع الديمقراطية التى تنبنى فى الأساس على فكرة إدارة الاختلاف بالطرق السلمية.

ويقسم البنا الطاعة الواجبة بحسب مراحل فى الدعوة الثلاث والمتمثلة فى: التعريف والتكوين والتنفيذ. ويقول إن الطاعة التامة فى المرحلة الأولى (مرحلة التعريف) والتى تعنى بالدعوة عن طريق نشر الفكرة العامة بين الناس لیست لازمة بقدر ما یلزم فیها احترام النظم والمبادئ العامة للجماعة، أما (مرحلة التكوين) فيقول إنها تُعنى: «باستخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وضم بعضها إلى بعض، ونظام الدعوة ـ فى هذه المرحلة ـ صوفى بحت من الناحیة الروحیة، وعسكرى بحت من الناحیة العملیة، وشعار هاتین الناحیتین «أمر وطاعة» من غیر تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج، وتمثل الكتائب الإخوانیة هذه المرحلة من حياة الدعوة.
والدعوة فیها خاصة لا یتصل بها إلا من استعد استعدادا تاما حقیقیا لتحمل أعباء جهاد طویل المدى كثیر التبعات، وأولى بوادر هذا الاستعداد كمال الطاعة كما جاء فى «رسالة التعاليم» للبنا».
أما مرحلة التنفيذ، بحسب «رسالة التعاليم»، فهي: «مرحلة جهاد لا هوادة فیه، وعمل متواصل فى سبیل الوصول إلى الغایة، وامتحان وابتلاء لا یصبر علیهما إلا الصادقون، ولا يكفل النجاح فى هذه المرحلة إلا كمال الطاعة كذلك وعلى هذا بایع الصف الأول من الإخوان المسلمین فى یوم ٥ ربیع الأول سنة ١٣٥٩ هجرية (نيسان/إبريل ١٩٤٠)، وأنت بانضمامك إلى هذه الكتیبة، وتقبلك لهذه الرسالة، وتعهدك بهذه البیعة، تكون فى الدور الثاني، وبالقرب من الدور الثالث، فقدِّر التبعة التى التزمتها وأعد نفسك للوفاء بها».
نحن هنا بصدد تربية عسكرية وتقسيمات حربية «كتائب»، ولسنا إزاء تنشئة حزبية وتشكيلات مدنية، وأهم ما يميز هذا البناء المقاتل هو الطاعة المطلقة للقيادة، وهذا نقيض ما يحدث فى التنظيم السياسى الحديث الذى لا ينهض ويقوى إلا بتوفر حرية النقد والاختلاف، ولا ينمو ويتطور إلا بالحيوية المدفوعة بالمساءلة التى تطال القيادة وتضعها تحت المراقبة الدائمة لضمان عدم الانحراف.