الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الدراويش".. خنجر جديد في ظهر "الملالي".. مواجهات بين قوات الأمن الإيرانية وأنصار طريقة "الجنابادية"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو أن إخماد الاحتجاجات الشعبية في إيران، عبر القمع والقتل والاعتقال، لم يأت بالنتيجة المرجوة، إذ انضمت فئات جديدة إلى جموع الغاضبين من  حكم الملالي، الذي اهتم بتوطيد سلطته، وتوسيع نفوذه خارج الحدود، على حسب مصالح مواطنيه.
ولم يقف الأمر عند ما سبق، إذ كشفت المواجهات، التي شهدتها إيران في الأيام الأخيرة مع طريقة "دراويش جنابادي" الصوفية، أن نظام الملالي أصبح ضعيفا للغاية، لدرجة لم تعد تخيف أحدا منه.    
هذا بالإضافة، إلى أن الرهان على استتباب الأمور، بعد إجهاض الانتفاضة الشعبية الأخيرة، سقط أيضا، وتأكد لحكام طهران، أن ما حدث جولة، وأن هناك جولات أخرى قادمة، قد لا تكون في صالحهم، لأن الاستياء الشعبي وصل إلى منصب مرشد الجمهورية علي خامنئي، ولم يعد يقتصر على الحكومة والرئيس، ما هدد عرش السلطة الدينية الحاكمة، بشكل غير مسبوق.
فالنظام الإيراني، قام منذ ثورة 1979 على أساس نظام ولاية الفقيه، الذي يحصر السلطات الأعلى في البلاد في رجل دين، يتمتع بعلم واسع، وفقيه بأمور الدين والدنيا، ولذا كان منصب المرشد، محظورا الاقتراب منه، لأنه ينوب عن "إمام الزمان الغائب"، أو "المهدي المنتظر"، أو الإمام الثاني عشر في سلسلة الأئمة، الذين تعتقد فرقة الشيعة الاثنى عشرية، المذهب الرئيسي في إيران، بعصمتهم، وإمامتهم، وأحقيتهم بخلافة الرسول الكريم.
وحسب مزاعم الاثنى عشرية، فإن الإمامة تبدأ من ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتمتد في أبنائه وأحفاده، وتنتهي بإمامة محمد بن الحسن العسكري، الإمام الثاني عشر، والأخير، والذي دخل سرداب، أيام الدولة العباسية، خوفا من بطشها، وسيظهر آخر الزمان "ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعدما ملئت ظلما وجورا".
وبالنظر إلى هذا المعتقد الراسخ بين شيعة إيران، فإن المرشد لم يكن يتوقع أن يأتي اليوم، الذي يتعرض فيه للانتقاد العلني، بل والمطالبة بإسقاطه أيضا، في الاحتجاجات الكبيرة، التي عمت أرجاء إيران في 27 ديسمبر 2017 ، واستمرت حوالي أسبوعين، والتي تبعها مظاهرات الصوفية.
ويبدو أن القادم هو الأسوأ بالنسبة لنظام ولاية الفقيه، في ظل تأزم الأوضاع الداخلية، وتصاعد الاستياء الشعبي من القمع، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، واستمرار إنفاق أموال الإيرانيين على مشاريع توسع في الخارج، لا يستفيد منها أحد سوى نظام الملالي، الذي يخشى اليوم، الذي يثور فيه الشعب، ولذا قام بدعم خلايا ومنظمات إرهابية عابرة للحدود، للاستعانة بها وقت الحاجة، ولضمان استمراره في السلطة أطول فترة ممكنة.
ولعل المواجهات الأخيرة بين الصوفية والشرطة، تدعم صحة ما سبق، لأن طريقة "دراويش جنابادي"، تعتبر إحدى أكبر الطرق الصوفية الشيعية في إيران، وكانت نشأت في مقاطعة "خراسان رضوي" شمال شرقي البلاد، لكنها سرعان ما انتشرت في أنحاء البلاد.
ورغم أن الصوفية ليست محظورة في إيران، لكنها تشكل خطرا على حكم الملالي، ولذا تتعرض للقمع وللاضطهاد، خاصة أن طريقة "دراويش جنابادي"، أصبحت تكتسب شعبية كبيرة على حساب المؤسسة الدينية الشيعية الرسمية، التي تحتكر السلطة، وترفض أي قراءة للمذهب الشيعي، بعيدا عن تفسيرها.
فالتشيع الرسمي، حسب النظام الإيراني، يعني استلام الحكم وتفويضه إلى "الولي الفقيه"، الذي على عاتقه تطبيق "الشريعة" من خلال أدوات الحكم، ويرفض أي رؤية مغايرة لهذا التفسير، حتى لو كانت شيعية.
وبالنظر إلى أن الطرق الصوفية ترفض تدخل الدين في السياسة، فإنها تشكل خطرا على "ولاية الفقيه"، التي تعتمد على التمسك بأدوات الحكم.

تقليم الأظافر  
ورغم أن النظام الإيراني، كان يراهن على البطش، الذي مارسه في السابق، لتقليم أظافر الصوفية من جهة، وابتزازها لمساندته في أوقاته العصيبة من جهة أخرى، إلا أنه سرعان ما تلقى صفعة جديدة.
ففي 20 فبراير، حاصرت قوات الأمن الإيرانية منزل "نور علي تابنده"، زعيم طريقة "دراويش جنابادي"، واشتبكت مع مؤيديه، الذين تجمهروا، حول منزله للدفاع عنه.
وتجمع بعض الصوفيين أمام منزل زعيمهم نور علي تابنده، الذي يبلغ من العمر 90 عاما، قائلين إنهم لن يتهاونوا مع احتمال اعتقاله.
وبعد اعتقال عشرات منهم، احتشد عشرات من أنصار تابنده أمام مركز للشرطة بشمال طهران للمطالبة بالإفراج عن أتباع طريقتهم المحتجزين، ووقعت اشتباكات بينهم، وبين الشرطة، وتصاعدت حدة المواجهات، بعد مقتل ثلاثة من عناصر الشرطة دهسا بحافلة.
وبعد ذلك، أعلنت الشرطة أن اثنين من قوات الباسيج، التي تعمل تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني، قتلا أيضا في هذه الاشتباكات، كما قتل أحد المتظاهرين، واعتقل 300 منهم.
وكشف موقع "مجذوبان نور"، التابع للطريقة الصوفية الجنابادية ، أن الهدف من تطويق منزل تابنده في شارع جلستان بمنطقة "باسداران شمالي طهران، إنشاء نقطة تفتيش ومراقبة بالقرب منه، لمراقبة تحركات، الزعيم الصوفي الشيعي، الذي يعارض هذا الإجراء، ولذا ترغب السلطات في اعتقاله.
وحاولت الشرطة في 14 فبراير أيضا إنشاء نقطة المراقبة ، لكنها فشلت، بعد احتشاد أنصار تابنده، الذي يطلق عليه أتباعه اسم "حضرة الحاج الدكتور نورعلي تابنده مجذوب علي شاه"، ويصفونه بـ"قطب دراویش طريقة نعمة الله الجنابادية".
ويبدو أن المواجهات، التي حدثت في 18 فبراير، لن تكون الأخيرة، لأن أنصار تابنده تعرضوا خلال الشهرين الماضيين لحملة اعتقالات، كما أن  زعيم طريقة "دراويش جنابادي"، ما زال طليقا، وقد يتم اعتقاله في أي لحظة، الأمر الذي سيفجر غضب مؤيديه.
وتعود "الجنابادية"، الأوسع انتشارا بين الطرق الصوفية الشيعية في إيران،  إلى مؤسسها الشاعر الصوفي الإيراني "سيد نورالدین شاه نعمة ‌الله ولي الماهاني الكرماني"، الملقب بـ"شاه نعمة الله ولي"، الذي عاش في نهاية القرن الثامن، وبداية القرن التاسع الهجريين.
وتتهم السلطات زعيم "دراويش جنابادي" بأنه يترأس جماعة منحرفة ، ومعتقداتها خارج الشريعة الإسلامية، فيما ترد الطريقة الصوفية بأن الحكومة الإيرانية تتعمد مضايقة مريديها، وممارسة التمييز بحقهم، بسبب تزايد شعبيتهم.
وتعرض الصوفيون الشيعة لقمع في فترات تاريخية سابقة، ففي 2009 ، صدر قرار بهدم ضريح "الدرويش ناصر علي" بمقبرة "تخت فولاذ" بمدينة أصفهان جنوب طهران.
 وأثار هدم الضريح احتجاجات صوفية واسعة، خاصة أنه كان يستخدم كمكان لتجمع الصوفيين على اختلاف طرقهم، كما تجمع حينها محتجون من أتباع الطريقة الجنابادية أمام مجلس الشورى الإيراني، وتم اعتقال عشرات منهم.
وفي فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد بين عامي 2005 و 2013، اندلعت اشتباكات بين الصوفيين، وميليشيات تابعة لقوات الباسيج والحرس الثوري، بعد أن تعرضت تكايا صوفية في مدن قم " شمالا"، وبروجرد "غربا"، ومدن أخرى، إلى هجمات.
وتطلق المؤسسة الدينية الرسمية اسم "خانقاه" على تكايا ومساجد الصوفيين الشيعة، وتتعرض هذه الأماكن إلى هجمات من قبل قوات الحرس الثوري والباسيج، التي تشكل أداة القمع بيد السلطة الدينية الحاكمة في إيران.

تنديد حقوقي
ونددت منظمات حقوقية إيرانية ودولية مرارا بالتعامل اللاقانوني للسلطات الإيرانية مع الصوفيين الشيعة، الذين يطلق عليهم باللغة الفارسية "دراويش"، فيما زعم "جواد أريانمانيش" عضو اللجنة الثقافية في البرلمان الإيراني أنه "لا توجد قيود حكومية على الأنشطة الصوفية في إيران، فهم إحدى الجماعات، التي تعمل في الإطار الإسلامي".
وأضاف أريانمانيش أن "إيران، على عكس الدعاية المغرضة التي ينشرها العالم حولها، هي إحدى أكثر دول العالم تحررا، والصوفية جزء من هذه البلاد، ويتمتعون بحرية مطلقة، ولهم أن يمارسوا شعائرهم"، حسب زعمه.  
ورغم أنه لا توجد إحصائيات رسمية حول العدد الحقيقي للصوفية في إيران ، إلا أن تقريرا نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 16 إبريل 2006 ، أي قبل 12 عاما، كشف أن هذه الدولة تضم أكبر عدد لأتباع الطرق الصوفية في الشرق الأوسط، وأن المئات من الشباب الإيراني يتصوفون يوما بعد آخر.
وحسب التقرير، فإن الطرق الصوفية انتشرت سريعا في طول إيران وعرضها، رغم أن عددهم لم يزد عن 100 ألف قبيل الثورة الإسلامية في البلاد عام 1979.
ونقلت "بي بي سي" حينها عن "حشمت الله رياضي"، وهو أستاذ سابق للفلسفة والأديان في إيران، قوله إن عددهم تجاوز 5 ملايين، فيما تردد مصادر من صوفية إيران، أن العدد أضعاف ما سبق، خاصة في السنوات الأخيرة، وأن الانتشار الواسع لبعض الطرق الصوفية ولد مشاحنات مع بعض العناصر الدينية المتشددة الموالية للحكومة.
واندلعت مصادمات عنيفة في 2006 بعد قرار السلطات إغلاق مسجد للصوفة في مدينة "قم"، شمالي إيران، وقال أعضاء في جماعة "دراويش جنابادي" حينها، إنه تم إحراق مسجد الصوفة، والقبض على المئات من أتباع الطريقة، الذين رفضوا مغادرة المكان، فيما قالت صحيفة "إيران" الرسمية، إن الصوفيين طلب منهم مغادرة المكان، بسبب قيامهم بأعمال بناء دون الحصول على التراخيص المطلوبة، ونقلت عن محافظ "قم" حينها، إن الصوفية يحتفظون بعلاقات مع دول أجنبية، ويحاولون زعزعة الاستقرار في البلاد، وهو ما تنفيه الصوفية، التي تؤكد أنهم لا يتدخلون أبدا في السياسة، ويحترمون القانون، ولا يعادون الجمهورية الإسلامية.
ورصدت "بي بي سي" في تقريرها أيضا ممارسات الصوفية الشيعة، قائلة:"  إنهم يعتقدون أن التمايل أو الرقص على أنواع من الموسيقى قد يفتح طريقا للاتصال بالله، فيما يرى بعضهم في الصوفية منظورا جديدا للدين، بينما يضيف آخرون أن جلسات التصوف تمتعهم، وتفتح الباب لإنشاء علاقات قوية فيما بينهم".
وتابعت "كان لبعض الطرق الصوفية سابقا مشاحنات مع بعض أئمة التيار الإسلامي الشيعي السائد في إيران، بسبب ممارستهم لشعائر تختلف عن تلك التقليدية".
ويتخذ الصوفيون بعض القادة الروحيين، وهو ما قد لا يتفق مع المرجعية الدينية في إيران، التي تحتكر السلطة وتفسير الدين، وتضفي على نفسها "هالة مقدسة"، ولا تقبل قيادات شيعية روحية غيرها.
وبصفة عامة، يكشف القمع، الذي مارسته الحكومات الإيرانية المتعاقبة ضد الصوفيين الشيعة، أنها تشعر بالقلق منهم، خاصة في أوقات الأزمات الداخلية، واحتمال استغلالهم من قبل معارضيها، أو تحولهم إلى وقود لأي ثورة شعبية قادمة في البلاد.      

ضعف الجبهة الداخلية
ولعل استمرار اضطهاد إيران للأقليات، على رأسهم "السنة"، يزيد أيضا من قلق نظام الملالي من تفجر بركان الغضب الشعبي مجددا في أي وقت، إذ تفرض قيودا كبيرة على الحريات السياسية والدينية، لدرجة أن العاصمة طهران تخلو من مسجد واحد لأهل السنة.
ومن أشكال التمييز أيضا ضد الأقليات في إيران، أن دستورها يمنع أهل السنة من تولي عدة مناصب حكومية عليا، تم تخصيصها فقط للشيعة، وفق نص المادة 107 من الدستور، كما تمنع المادة 61 المواطن السني من تولي منصب في القضاء.
أما منصب رئيس الجمهورية فقد نصت الفقرة 5 من المادة 115 على اشتراط أن يكون مؤمنًا بالمذهب الرسمي (الشيعي) للبلاد، بينما تصف المادة 121 رئيس الجمهورية بحامي المذهب الرسمي (التشيع)، وتم تقنين الاضطهاد الديني للسنة من خلال المادتين 12 و13 حيث صادرت حقهم في إقامة الشعائر الدينية غير الشيعية أو الدعوة إليها بالطرق السلمية، مما أدى ذلك إلى منع إصدار أي ترخيص لبناء مساجد لهم بالعاصمة طهران، وسائر المدن الإيرانية الشيعية.
ويبلغ عدد السكان السنة في إيران حوالي 15 إلى 17 مليون نسمة تقريبًا، أي ما يعادل 20% إلى 25% من عدد السكان، وفق إحصائيات غير رسمية، حيث تمتنع السلطات الإيرانية عن نشر أية أرقام تظهر التنوع المذهبي والعرقي في البلاد، ولا تدرج المذهب والقومية في الإحصائيات العامة.
وينتشر السنة كأغلبية في عدد من محافظات إيران ، مثل: كردستان (غرب) وبلوشستان (جنوب شرق) وجولستان (شمال شرق) والمحافظات الساحلية المطلة على الخليج العربي (عرب الساحل)، بينما يتواجدون كأقلية في محافظات أذربيجان الغربية (شمال غرب) وعربستان أو الأحواز في الجنوب الغربي، وخراسان (شمال شرق) وجيلان في الشمال.
وهناك تخوف في إيران من تزايد أعداد السنة مقابل انخفاض الشيعة، بالإضافة إلى تزايد عدد المتحولين من التشيع إلى المذهب السني، وتنتشر هذه الظاهرة بسرعة في إقليم الأحواز العربي، وتمتد منه إلى كافة المدن الإيرانية، ولكن بدرجات ونسب متفاوتة.
ولم تكن الأقلية السنية بمعزل عن الحراك الشعبي الذي اجتاح إيران في أواخر ديسمبر 2017 ، فيما بات يعرف بـ"الربيع الفارسي"، على غرار ثورات الربيع العربي، حيث خرج آلاف المتظاهرين في مدينة الأحواز (جنوب غربي إيران)، بعد أيام من اندلاع تظاهرات حاشدة في مختلف المدن الإيرانية، وأطلق المتظاهرون شعارات منددة بالمرشد الإيراني، علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني، ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، فيما انتشرت عبارات "الموت لخامنئي"  و"استحِ يا خامنئي واترك الدولة"، على جدران العاصمة طهران.
ولم يغب المكون الكردي أيضا عن احتجاجات "الربيع الفارسي"، إذ انتشرت حينها صور  عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتجمعات الأكراد في مدينة "شهر كرد" في شمال غربي إيران، وهم يهتفون الموت للديكتاتور.
والخلاصة أن مغامرات نظام الملالي الخارجية، واحتكارهم السلطة والنفوذ، واضطادهم الأقليات، وحتى الصوفية الشيعة، كلها أمور أضعفت الجبهة الداخلية الإيرانية، وجلبت النقمة للسلطة الدينية الحاكمة، خاصة أن 40 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر، أي نصف مجموع السكان البالغ عددهم 80 مليوناً، فيما تنفق بلادهم المليارات على تدخلاتها العسكرية في الدول العربية، ودعم الإرهاب والميليشيات الطائفية وتطوير البرنامجين النووي والصاروخي.