الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

العراق.. أطلال بعد "داعش"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم يخلف تنظيم «داعش» الإرهابى فى العراق مشاهد الحرب والدمار والقتل فقط، وإنما ترك أيضا إرثا سامًا يصعب علاجه، خاصة أنه طال المستقبل المتمثل فى الأطفال، والبيئة، التى تشكل محور البقاء، ما يعنى أن هذا البلد المنكوب، ما زال أمامه مشوارًا طويلا للتعافى، إن لم تتطور الأمور للأسوأ، ويحدث ما لا يحمد عقباه، وهو عودة الإرهابيين للمشهد مرة أخرى.

وتزيد الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتأزمة فى العراق، من قتامة الصورة، وقد تظهر تنظيمات إرهابية جديدة على غرار «داعش».


فالتنظيمات الإرهابية تتعمد حرق الأخضر واليابس، عندما تتعرض للهزائم على الأرض، لكى تتوفر الأرضية الخصبة لعودتها مرة أخرى، مستغلة انشغال الحكومات بالحرب ضدها، أكثر من معالجتها الجذور الحقيقية للتطرف، وأبرزها، الفقر والبطالة والتهميش.

ولم يكتف «داعش» بإسالة الدماء وقتل الأبرياء فحسب، بل ازداد توحشا فى الشهور الأخيرة له بالعراق، وخلف كوارث طويلة الأمد، شملت الأمراض وتلويث التربة والهواء وتدمير الزراعة ونفوق الماشية، إلى جانب إفساد التعليم، والأمراض النفسية، التى تسبب فيها للأطفال.

ويبدو أن التنظيم كان يشعر بأن نهايته اقتربت فى العراق، لذلك قام أيضا فى الفترة من ٢٠١٦ وحتى ٢٠١٧ بحرق ما يقرب من مليون برميل نفط، فى المناطق، التى كانت تحت سيطرته، ما خلف كوارث بيئية وصحية لا حصر لها.

وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، أن «داعش» فى بداية دخوله العراق عام ٢٠١٤، قام بحرق ٢٥ برميل نفط فى مدينة عراقية واحدة فقط، هى «القيارة» فى محافظة نينوى شمالى البلاد، وتسبب إحراق هذه الكمية الكبيرة من البراميل فى حدوث سحابة سامة استمرت ٩ أشهر.

وأضافت الصحيفة فى تقرير لها فى ٦ فبراير، أن براميل النفط، التى أحرقها التنظيم كان لها تأثير سلبى كبير على صحة العراقيين، خاصة الأطفال وكبار السن، وامتدت تداعياتها إلى الماشية والمحاصيل الزراعية.

وتابعت أن أمراض القلب والسرطان والكبد والأمراض الجلدية بجميع أنواعها، انتشرت على نطاق واسع جراء السحابة السامة، التى نتجت من حرق براميل النفط.

تلوث مياه الشرب والزراعة

ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، حيث تسربت الغازات السامة نتيجة إحراق النفط إلى المياه الجوفية فى أماكن عراقية كثيرة، وكذلك تسربت إلى مياه نهر دجلة، الذى يعتبر شريان حياة رئيسى بالنسبة للعراقيين.

وقالت نقابة الأطباء العراقية، إن البلاد تعانى من سحابة ملوثة بسبب الغازات السامة، التى نتجت من الحرب بين تنظيم «داعش» من جهة، والقوات العراقية والتحالف الدولي، من جهة أخرى، وتلك السحابة من المحتمل أنها ستستمر لقرابة عشر سنوات مقبلة.

وأضافت النقابة فى بيان لها، أن السحابة الملوثة كان لها تأثير سلبى غير مسبوق على البيئة العراقية، فلم تعد هناك أرض صالحة للزراعة ولم يعد هناك هواء صالح للتنفس، ولم تعد هناك مياه صالحة للشرب، فهذا هو حال النظام البيئى العراقي، وكل هذه الآثار كان لها تأثير سلبى صحى على المواطنين العراقيين.

كما كشفت الحكومة العراقية فى بيان لها، أن نحو ٥٠٪ من مياه العراق أصبحت مياه غير صالحة للشرب أو الزراعة، بسبب التلوث الذى لحق بها نتيجة الغازات السامة، موضحة أن «داعش» تعمد أيضا سكب النفط فى المياه العذبة.

وأشارت الحكومة العراقية، إلى أن هناك حقول بترول تم تفريغ نفطها بالكامل فى الأنهار العراقية، من قبل داعش، ونتيجة لهذا الأمر، أصبحت مياه الشرب غير صالحة لأى شيء، وهذه المياه ستظل غير صالحة للاستخدام لفترات طويلة للغاية، وبالتالى سيواجه الشعب العراقى أزمات كبرى بسبب المياه.

وأضافت الحكومة العراقية فى بيانها، أنه بسبب تلوث المياه، هناك أكثر من ١٠٠٠٠ عراقى معظمهم من كبار السن ورضع، يعانون من أورام سرطانية نتيجة تلوث مياه الشرب، وجميعهم فى حالات صحية حرجة يصعب علاجها.

وحسب الحكومة العراقية أيضًا، فإن التنظيم الإرهابى أضرم النيران فى مصنع للكبريت شمالى مدينة القيارة، وأحرق عشرات المصانع الأخرى، ما تسبب فى انتشار كميات هائلة من المواد الكبريتية السامة فى هواء العراق.


ولم يكتف التنظيم الإرهابى بحرق براميل النفط أو مصانع الكبريت، بل توجه أيضا إلى جبال حمرين، التى تمتد من محافظة ديالى شرقى البلاد إلى مدينة كركوك شمالا، وحرق جميع المصانع الكيماوية المتواجدة فى المنطقة، ما تسبب فى إصابة عدد كبير من العراقيين بأمراض خطيرة.

وأشارت الحكومة العراقية، إلى أن الغازات السامة الناتجة عن حرق مصانع الكبريت والصناعات الكيماوية الأخرى، أفسدت جميع المحاصيل الزراعية خاصة القمح، وأصابتها بخلايا سرطانية، أى أنها أصبحت لا تصلح للاستخدام الآدمي، موضحة أن الحرائق الإرهابية التى قام بها التنظيم، سيدوم أثرها طويلا، بل سيظل لعقود مقبلة.


قتل الطفولة

وبالإضافة إلى الكوارث السابقة، يعانى نحو ٥٠٪ من أطفال العراق من الحرمان والنقص فى الخدمات الصحية والتعليمية وسوء التغذية، وذلك نتيجة لتوالى الأزمات والحروب مع تنظيم «داعش» الإرهابي.

وودع أطفال العراق مبكرا مرحلة الطفولة واللهو، وتحولوا إلى فرائس سهلة للأمراض، بل أصبح عدد كبير منهم أيضا مشرد فى الطرقات بلا أب أو أم.

وحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف»، يوجد نحو ٤ ملايين طفل عراقى يعانون من الفقر ونحو ٥٠٪ من أطفال العراق يعانون الأمراض الكبرى والخطيرة مثل السرطان وأمراض القلب.

وأوضح التقرير، أن واحدًا من بين كل أربعة أطفال فى العراق يعيش فقيرًا، فى الوقت الذى يحتاج فيه أربعة ملايين طفل للمساعدة المالية والمعنوية، بسبب الحرب التى قامت بين الحكومة العراقية وتنظيم «داعش» الإرهابي.

وتابعت المنظمة أن الأزمات المالية والغذائية، التى تسبب فيها تنظيم «داعش» لأطفال العراق، لم تقف عند هذا الحد، لأن أضرار التنظيم وصلت للتعليم، فجميع طلاب المراحل التعليمية أصبحوا بلا مدارس وبلا تعليم وهناك نحو ٣ ملايين طالب بلا تعليم، وذلك لأن التنظيم الإرهابى دمر نحو ١٥٠ ألف مدرسة عراقية قبل أن يغادر العراق بالكامل، أما بقية المدارس الأخرى، ففى حاجة إلى الترميم والإصلاح.

وأشارت المنظمة أيضا إلى أن هناك نحو ١٥ مليون طفل عراقى أصبحوا أكثر عنفا وأشبه بالإرهابيين، لأنهم تأثروا بمشاهد العنف التى كانوا يرونها خلال الحرب.

إضافًة إلى أن هناك نحو ٣٦٠٠٠ ألف طفل يعانون من أمراض نفسية، وبسبب خوفهم، عزفوا عن الذهاب للمدراس، وابتعدوا عن التعليم.

من جانبه، قال هشام النجار، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، إن تنظيم داعش الإرهابى وجميع التنظيمات التكفيرية، تفعل أشياء مضرة بالصحة والبيئة عندما تشعر أنها ستنتهي.

وأضاف النجار فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن تنظيم «داعش» أدرك جيدًا أنه أوشك على الانتهاء فى ٢٠١٧، وذلك لأن قوات التحالف الدولى المتواجدة فى العراق كثفت من غاراتها الجوية على التنظيم فى عام ٢٠١٦، ولذلك قام بحرق براميل النفط، حتى يترك الدمار خلفه بعد هزيمته، وهذه هى عقيدة التنظيمات الإرهابية.

وأشار الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، إلى أن تنظيم «داعش» دمر العراق بالكامل وجعله بلدا لا يصلح للعيش فيه، موضحا أن هذا البلد يحتاج إلى تنمية كبيرة، لكى يعود إلى ما كان عليه فى السابق، فالآثار السلبية التى تركها «داعش»، لن يتعافى منها العراق سريعًا.

وبدوره، قال الخبير فى الأمراض النفسية، الدكتور جمال فرويز، إن الأضرار النفسية والصحية التى لحقت بأطفال سوريا والعراق بسبب جرائم تنظيم «داعش» الإرهابي، سلبية للغاية، ولا يمكن علاجهم منها، وذلك لأن الحياة النفسية للإنسان تتكون من هرم متدرج لابد أن يتوفر، لكى يكون الإنسان طبيعيا.

وأضاف أن هذا الهرم عبارة عن القاعدة، وهى توفير المأكل والملبس ومكان النوم، وإضافة إلى ذلك، لابد أن يتوفر للإنسان خاصة الأطفال، الأمان، وجميع العوامل التى تساعده على الارتقاء والإبداع، بينما قام تنظيم داعش بتجريد أطفال العراق من جميع الخصائص السابقة، ولذلك يعانون من حالة نفسية سيئة للغاية.

وأضاف «فرويز»، أن الحالة النفسية، التى يعانى منها براعم العراق بسبب الحرب ضد الإرهاب، كانت متعمدة من قبل داعش، الذى سعى لجعل العراق وطنا بلا هوية أو شخصية، فالتنظيم رغب منذ أن دخل العراق فى إصابة الأطفال بالصرع، لذلك كان يحرق براميل النفط، لأن النفط والغازات السامة المنبثقة لا تتسبب فقط فى أمراض جسدية، وإنما تتسيب أيضا فى أمراض الجنون مثل «الصرع»، لأنها تؤثر على العقل.

وتابع استشارى الطب النفسي، أن أطفال سوريا والعراق يعانون من الأزمات النفسية، وأيضا من الأزمات الجسدية، والتى من المستحيل أن يتعافوا منها بسهولة، إذ أصيبوا بشلل الأطفال والأمراض السرطانية، وذلك لأن جميع الغازات المنبثقة من الأسلحة المستخدمة فى الحرب، لها تأثير سلبى كبير على الهواء، والأطفال وكبار السن أكثر عرضة لتلك الأمراض الخطيرة.

وأوضح «فرويز» أن عددًا كبيرًا من العراقيين قدموا إلى مصر خلال الفترة السابقة بسبب انعدام الأمان فى بلادهم، ويتم علاج عدد كبير من أطفالهم نفسيًا فى المستشفيات المصرية، وكل ذلك، بسبب تنظيم «داعش» الإرهابي.

وفى السياق ذاته، قال الدكتور هاشم بحري، طبيب نفسي، إن أطفال العراق وسوريا يعانون من مرض نفسى خطير تسبب لهم فيه تنظيم «داعش» الإرهابي، وهذا المرض يسمى «كرب الصدمة».

وأضاف «بحري» أن مرض «كرب الصدمة» يعنى فقدان الأمان، الذى يعتبر عاملا أساسيا يضمن للإنسان البقاء.

وتابع الطبيب النفسي، أن التسبب فى أضرار نفسية من أهم أهداف تنظيم «داعش» الإرهابي، والدليل على هذا الأمر، الفيديوهات التى نشرها التنظيم، وتحتوى على مناظر مخيفة وبشعة للغاية، حيث فعل كما فعل التتار عندما دخلوا بغداد، لأن فى حالة إصابة المواطنين بالخوف والذعر سيخشون الاقتراب من داعش ومحاربته.

وأضاف « بحري»، أن الحل الوحيد لتلك الأزمة هى تأسيس مراكز تأهيل للعلاج النفسى فأطفال العراق فى حاجة ماسة إلى علاج نفسى شامل.

وتابع، هناك مئات من براعم العراق سيصبحون أكثر عنفًا فى المستقبل بسبب الدمار الذى لحق ببلادهم من قبل تنظيم «داعش» الإرهابي، والتنظيم الإرهابى نجح فى إفساد الحياة الاجتماعية والثقافية فى العراق.

وبدوره، قال كتاب ميزان، رئيس اتحاد طلاب العراق، إن أطفال العراق وشبابه فى سن المراهقة أصبحوا مرضى نفسيين ومعقدين من كثرة مشاهد الحرب والدمار التى حدثت طوال السنوات الماضية.

وأضاف «ميزان» فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن براعم العراق خاصة فى المحافظات السنية التى احتلها داعش، يعيشون ظروفًا قهرية صعبة الوصف، فمنهم من عاش فى مدينة الموصل، التى كانت المعقل الأساسى لداعش، ما أثر عليهم بشكل خطير.

وأشار رئيس اتحاد طلاب العراق، إلى أن ضغطا نفسيا غير مسبوق عاشه أطفال العراق بسبب المواجهات التى خاضها داعش فى المدن التى كان يتواجد فيها، بالإضافة إلى أصوات الانفجارات، وطائرات التحالف الدولى التى تحوم فوقهم وتقصف بجانبهم.

وأضاف، أن تنظيم «داعش» قام أيضا بتجنيد عدد كبير من الأطفال، وأعدادهم كمقاتلين أطفال، وقام بتدريبهم على حمل السلاح، وهذا العامل النفسى جعل الأطفال يشعرون بالخوف والذعر، وجعل البعض منهم يكون أكثر عنفا.

وتابع «ميزان»، أن تنظيم داعش الإرهابى تعمد منذ اللحظة الأولى التى دخل فيها العراق، تدمير النواحى الثقافية، حيث قام بحذف جميع المناهج التى تتبع وزارة التربية العراقية، واستبدلها بما سماه ديوان التعليم، الذى أعد مناهج تحرض الأطفال على التطرف وتحثهم على القتال.

وأكد رئيس اتحاد طلاب العراق أن التنظيم قام بتطوير فكرة الإرهابي، وأسس مدارس تابعة له جند فيها الأطفال فى سن السادسة، ليزرع فيهم الحقد والكراهية والإرهاب.

وأضاف أن التنظيم الإرهابى استخدم الأطفال والمراهقين أسوأ استغلال، حيث كان يعتمد عليهم فى القيام بالعمليات الإرهابية الفردية.

ولفت رئيس اتحاد طلاب العراق أيضا، إلى أن تنظيم «داعش» الإرهابى استطاع من خلال المراكز التعليمية الإرهابية التابعة له، والتى جند فيها مئات الشباب، أن يترك أذرعا له، حيث يستطيع من خلال هؤلاء الشباب أن يؤسس تنظيما من جديد.