الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"الصابرين".. ذراع إيران في قطاع غزة.. ظهرت بشكل رسمي منتصف 2014 بمناسبة تشييع أحد عناصرها.. وشعارها يشبه شعار "حزب الله" و"الحرس الثوري".. "الجهاد الإسلامي" أولى خلاياها العسكرية

«الصابرين»
«الصابرين»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم تتوقف إيران عن محاولاتها المستميتة من أجل اختراق المجتمع الفلسطيني، وهو ما دفعها للجوء إلى أدواتها سواء المساعدات العسكرية والإنسانية، وأيضًا عبر الجمعيات الخيرية التي تقدم المعونات أو من خلال دعمها للحركات المسلحة في غزة، لا سيما حركة الجهاد الإسلامي، وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وهو ما مكنها من العبور إلى النسيج الفلسطيني السنى، وتمكنت من تكوين فصيل وخلية شيعية تزداد يومًا بعد يوم.

شكلت هذه الأجواء الأرض الخصبة للتمدد الشيعي الذى عبر عن نفسه عبر العمل الخيرى، ليقطع مسافة كبيرة بعد ذلك، ويتم الإعلان عن أول جماعة شيعية مسلحة في قطاع غزة، تحمل اسم «حركة الصابرين نصرًا لفلسطين» (حصن)، التي ظهرت بشكل رسمي، أواخر مايو ٢٠١٤، بمناسبة تشييع أحد عناصرها، وهو نزار سعيد عيسى الذى قضى بانفجار داخل مخزن للصواريخ في مخيم جباليا، واعتبرته (حصن) «شهيدها» الأول وأحد قادتها الميدانيين.


التأسيس
فى مايو ٢٠١٤ ظهر حركة «صابرين»، لتكون أول حركة وجماعة شيعية في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية، لتؤكد نجاح السياسية الإيرانية فى اختراق النسيج الفلسطيني، خاصة بقطاع غزة تحت دعاوى المقاومة ورفع الحصار عن قطاع غزة.
وتتخذ حركة صابرين شعارًا قريبًا من شعار حزب الله اللبناني والذي يعتبر أيضًا قريبًا من شعار الحرس الثورى الإيرانى، وهو ما يشير إلى ارتباطها بإيران والحرس الثوري الإيراني، وتعلن الحركة نفسها باعتبارها حركة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي.

بداية البذرة

ظهر التشيع في قطاع غزة منذ أكثر من ١٠ سنوات، عندما تشيع عدد من قياديي وعناصر حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، منهم محمد الطوخي، ممثل الحركة السابق في إيران، إبراهيم البارود، يحيى جابر، الراحل محمد الزطمة ومحمد الطحايلة، كما أن إياد الحسنى قائد الذراع العسكرية للحركة ينتمى للمذهب الشيعي.

ولكن بداية ظهور حركة شيعية مقاومة في قطاع غزة، كان في عام ٢٠٠٨، عندما أعلن تنظيم اسمه «حزب الله الفلسطيني» وجوده في الضفة، وقابلت كل من السلطة و«حماس» تلك الخطوة بالتشكيك، ولكن ذلك الفصيل الذى وصف نفسه بأنه «إسلامي جهادى سنى لا علاقة له بالعملية السياسية» لم يدم طويلًا، واختفت أخباره لاحقًا.

كذلك شهدت غزة إعلان خلية عسكرية تحت مسمى «مجموعات عماد مغنية» - نسبة لأحد قادة حزب الله اللبناني، وأول قائد عسكري لميليشيات الحزب، والذى اغتالته إسرائيل في دمشق عام ٢٠٠٨ - مسئوليتها عن عدة عمليات، وظهر تاليًا انتماء تلك الخلية إلى «فتح».

وقبل سنوات فضت الشرطة الفلسطينية - قبل انقلاب حماس على الحكومة السلطة الفلسطينية - احتفالية لعشرات كانوا يقيمون مجلس عزاء في ذكرى أربعينية الإمام الحسين شمال القطاع، وشهدت مدينة خان يونس (جنوب) في عام ٢٠١٣ اشتباكات بالأيدي ثم السلاح بين أتباع شيخ سلفي اعتاد أن يهاجم النظام السوري ومعه إيران وحزب الله على المنابر، وشباب ينتمون إلى «الجهاد الإسلامي» حتى طوّقت الأخيرة الخلاف.

وسبق ذلك في ٢٠١١ الظهور اللافت لجماعات شيعية، خاصة في بلدة بيت لاهيا، إذ كان أول ظهور علني لمتشيعين في غزة، وقامت أجهزة أمن حماس بحملة اعتقالات حينها طالت العشرات من «المتحولين» إلى المذهب الشيعي.

إلا أن إدارة الأمن الوطني في حكومة حماس في غزة، داهمت بيوت الناشطين العاملين بالتنسيق مع طهران، وبدعم من الجهاد الإسلامي في حينه، وعزت حماس ذلك في حينه، إلى أنه لم يسبق لفلسطين أن كان فيها شيعة، إلا أن حماس تراجعت لاحقًا عن ملاحقة المتشيعين في غزة، وعن حركة «صابرين - نصرا لفلسطين»، بعد إعادة المصالحة بين حماس وإيران، وبتهديد «إيراني لحماس وحتى لحركة الجهاد بربط المساعدات بعدم ممارسة ضغوط على هؤلاء».


العدد والتسليح
لا يعرف عدد أعضاء حركة «الصابرين» أو المنطوين تحت لوائها، ولكن ما يشير إليه الخبراء والمتابعون للشأن الفلسطيني خاصة في قطاع غزة إلى أنها حركة فى ازدياد مع استغلال أعضائها الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها القطاع.
وعلى صعيد تسليحهم، يرى المراقبون أن الحركة تتمتع بتسليح جيد، فيما يدور الحديث عن قيام محمود جودة، القائد السابق لجماعة التكفير والهجرة فى غزة، بلعب دور كبير فى التنظيم، وذلك بعد أن أعلن تشيعه قبل سنوات بزعم انتسابه لآل البيت، وتصدره للمشهد الشيعي في القطاع.

مجلس شورى الحركة
أسست الحركة ما يعرف بمجلس شورى، لا يعرف عددهم بالضبط، ولكن يرأس المجلس شخص كنيته «أبومحمد»، يرفض المحيطون به تعريف اسمه، لأنه لا يمثل شخصيًا حركته «الصابرين» كما يقولون، «بل هناك مجلس شورى يتخذ القرار فى التنظيم، وهذا المجلس ليس جديدًا، لكنه تأخر فى الإعلان لظروف معينة سبقتها مرحلة كمون طويلة»، لا يظهر الكثير عن «أبومحمد» فى البحث عن سيرته لاتصافه بالغموض وسرية التحرك، فهو مطلوب لإسرائيل منذ ١٨ عامًا.
وكان بروز اسمه فى العمل المقاوم جاء بعدما حاولت قوات الاحتلال اعتقاله مطلع الانتفاضة الأولى لمسئوليته عن عملية قتل فيها ٣٥ جنديًا إسرائيليًا فى تل أبيب، لكنه خرج من البيت قبل وصولها، فقررت هدم منزله المكون من ٦ طوابق، ما أدى إلى استشهاد والده وتشريد عائلته، كما يتهم بأنه على علاقة قوية مع متنفذين فى الجمهورية الإسلامية فى إيران، ما وضعه تحت أعين أجهزة حماس الأمنية التى اعتقلته أكثر من مرة من دون إثبات تهمة معينة عليه، وسبق أن اعتقل فى سجون الاحتلال والسلطة خلال الثمانينيات والتسعينيات.

المؤسس
المؤسس لحركة صابرين والأمين العام للحركة هو هشام سالم، وكان يعمل مدرسا، فيما كان قبلها يشغل منصبًا قياديًا فى حركة الجهاد الإسلامى قبل أن يُفصل منها. 
وكان رئيسًا لجمعية «ملتقى الشقاقي» الخيرية والتى سبق وأحيت ذكرى قيام ما يسمى بالثورة الإسلامية فى إيران، شمال القطاع.
ويقول سالم الذى يعمل مدرسًا حكوميًا بالقطاع: «إن الحركة هى حركة فلسطينية وطنية مقاومة، هدفها مقاومة المحتل ودحره عن الأراضى الفلسطينية من البحر إلى النهر.
وفى تحقيق صحفى لموقع قناة «فرانس برس» منشور بتاريخ ٦-٤-٢٠١١ حول المد الشيعى فى القطاع التقى المراسل به، حيث أكد سالم أن جمعيته «تتلقى دعمها المالى من إيران» التى زارها فى ٢٠٠٧، مضيفًا «أتحدث أحيانًا باسم الشيعة فى النقاشات، فأنا مقتنع بما يطرحه المذهب الشيعى ولا نعتبر هذا جريمة لكن مذهبى علاقة مع الله”، فضلًا عن المقاطع الكثيرة له فى موقع يوتيوب، والتى يمجد فيها الخمينى وخامنئى على الطريقة الشيعية.
كما كان المعمم جلال الدين الصغير، رجل دين شيعيًا عراقيًا مقربًا من قائد فيلق القدس الإيرانى الجنرال قاسم سليمانى، ويتمتع بعلاقات قوية مع مراجع الشيعة الكبار خاصة فى المرجعية «قم»، تحدث أن حركة الجهاد الفلسطينية هى حركة شيعية وقيادتها شيعة، فسارع أحد قادة الجهاد فى غزة، الدكتور محمد الهندى، إلى الرد بعنف على حديث جلال الصغير مؤكدًا أن الحركة سنية.
وقال الدكتور الهندى، إن حركته «سنية فلسطينية»، فيما كان رجل الدين العراقى جلال الدين الصغير قد قال خلال شريط مصور إن حركة الجهاد الإسلامى تعد «حركة شيعية».
المتحدث باسم الحركة المعروف بـ«أبويوسف» قال: «موقفنا الداخلى لا يمنع أيًا من عناصرنا من حرية اختيار مذهبه الذى يتعبد عليه الله فى إطار المذاهب المتعارف عليها فى الشريعة الإسلامية، لكن إبراز هذا الموضوع على أنه مشكلة هو أسلوب، الذين يتعاملون بسياسة الاصطياد فى الماء العكر والبحث عن فتيل الفتن.
وأضاف فى تصريحات صحفية «نؤمن بالوحدة الإسلامية، ونرفض الحديث باللغة المذهبية، بل إنّ من يثير هذا الموضوع يخدم أعداءنا الصهاينة، ومن ورائهم الاستكبار العالمى، الذى يسعى إلى شرذمة هذه الأمة وتفريقها». 
ومضى، قائلًا: «تشابه الشعار مع شعار حزب الله اللبنانى الشيعى ليس سببًا لاتهامنا بالتشيع، فشعارات الفصائل المقاومة متشابهة مع بعضها كثيرًا».

«صابرين» و«حماس» علاقة غامضة!
بينما لا يُعرف تحديدًا طبيعة العلاقة بين حركة حماس وبين «الصابرين»، ويفرض الواقع الأمنى فى غزة، على أى فصيل سياسى أو عسكرى، التنسيق مع حماس بصفتها أكبر تنظيم مسلح فى غزة، بغض النظر عمّا ستؤول إليه نتائج المصالحة والملف الأمنى، ويتابع شئون هذه التنظيمات جهاز الأمن الداخلى التابع للحكومة أولًا، وثانيًا جهاز الأمن الخاص بكتائب القسام الذراع المسلحة للحركة.
ورغم تأكيد مصادر أمنية فى القطاع، أن أجهزة الأمن التابعة لحماس ألقت القبض على عدد من عناصر الحركة فور الإعلان عن نفسها فى أعقاب مقتل «نزار عيسى» أثناء إعداده عبوة ناسفة، إضافة إلى محاولتها تضييق الخناق على الشيعة ومداهمة منازلهم واعتقال من تثبت إدانته بنشر التشيع.
إلا أن نفوذ حركة «صابرين - نصرًا لفلسطين»، التى تحظى بتمويل مريح، وتؤسس لشبكة خدمات خيرية مجتمعية فى غزة، بات يشكل تحديًا لحماس، التى تحاول الحفاظ على دورها كقوة أكبر فى غزة من جهة، وترفع لواء السنة، فى ذات الوقت الذى تحرص على وجود تفاهمات وعلاقات خاصة مع إيران.