الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

من جديد.. الموصل في مرمى "داعش" (ملف)

تنظيم داعش الإرهابي
تنظيم داعش الإرهابي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اعتقد البعض، أن المزاعم الداعشية الأخيرة حول العودة إلى مدينة الموصل، مجرد دعاية إعلامية، ومحض خيال، إلا أن الصدمة الكبرى، التى لم يتوقعها أكثر المتشائمين، أن تخرج اعترافات رسمية، سواء من داخل العراق، أو خارجه، بأن هذا التنظيم ما زال موجودًا، ولم ينتهِ، مثلما تم الإعلان فى وقت سابق.
ولم يقف الأمر عند ما سبق، بل ظهرت تحذيرات غربية أيضًا، من احتمال عودة المشهد فى العراق، إلى المربع الأول، عندما ظهر تنظيم الدولة، أواخر 2013، فى مناطق بالفلوجة، والرمادى، غربى العراق، وسرعان ما توسع إلى الداخل، حتى سيطر على الموصل، ثانى أكبر المدن فى بلاد الرافدين. 
ويبدو أن هناك وقائع على الأرض، ترجح صحة ما سبق، منها، التقارير المتداولة حول وجود شبكة أنفاق سرية أعدها التنظيم، وتعتبر من أهم أسباب بقائه، رغم الضربات الموجعة، التى تعرض لها العام الماضى، هذا بالإضافة إلى ما يتردد حول امتلاكه أيضًا حضورًا متزايدًا فى ثلاث محافظات استراتيجية، ديالى «شرقًا»، والموصل «شمالًا»، والأنبار «غربًا». 
وهناك أيضا، 3 أزمات كبيرة تشكل ثغرة خطيرة، يستغلها "داعش"، هي بطء مشاريع إعادة الإعمار، بعد الدمار الواسع، والخسائر الفادحة في صفوف العراقيين، خاصة السنة منهم، جراء الحرب ضد التنظيم، بجانب استفحال خطر ميليشيات "الحشد الشعبي" الِشيعية، في ظل عدم نزع سلاحها، وجعله تحت سيطرة الدولة، إضافة إلى استمرار الفساد، وانتشاره على نطاق واسع.
ولعل مسارعة رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى فى 9 ديسمبر 2017 إلى إعلان الانتصار على داعش، خدم التنظيم أيضا، إذ اتضح بعد ذلك، أنه لا يزال يتواجد فى مناطق عدة على امتداد الأراضى العراقية، وعلى الحدود مع سوريا، خاصة فى المناطق الصحراوية، والتى ينطلق منها لشن هجمات لزعزعة استقرار السلطات المحلية، تمهيدًا للانتقال بعد ذلك، إلى المدن الكبرى، ما جعل الشكوك تتزايد بين العراقيين إزاء التصريحات الحكومية، وأنها لا تعكس حقيقة الوضع على الأرض.
وجاءت تصريحات العبادي على هامش مؤتمر "ميونيخ" للأمن في 16 فبراير حول أن العراق مستمر في محاربة "داعش" لتزيد الطين بلة، لأنها أثارت التساؤلات حول جدوى الحرب التي شنها التحالف الدولي والقوات العراقية ضد التنظيم، فيما خرج التنظيم ببيان جديد أظهر فيه تحديا صريحا لبغداد وواشنطن، متوعدا بما سماها مفاجآت بالموصل خلال أيام.


"ملحمة الموصل" 
وكان «داعش» نشر منتصف فبراير، بيانًا عبر موقع «التيليجرام»، حرض فيه عناصره وخلاياه النائمة الموجودة فى العراق، وتحديدًا فى الموصل، على تكثيف هجماتهم، وتنفيذ المزيد من العمليات الانتحارية بأسرع وقت، ضمن ما سماه «ملحمة الموصل». 
وتضمن بيان التنظيم العديد من التوصيات والتعميمات لعناصره، مشيرًا إلى أن مقاتليه ما زال فى جعبتهم من الخبرة الطويلة فى معارك المدن وحرب العصابات، ما يساعدهم لمواصلة حربهم، بحسب البيان. وتابع: أن عناصره لا تزال فى أيديهم، الهجمات العكسية الخاطفة، والقدرة على المناورة وتشتيت «العدو» وإضعافه وإنهاكه واستنزافه حتى يسهل القضاء عليه، نظرًا لما تعلموه من خبرات فى المعارك داخل المدن خلال السنوات الماضية، حسب زعمه. واستطرد: «المعركة لم تبدأ بعد ولن تنتهى، والتنظيم سينتصر فى حربه»، مشيرا إلى أن ما تبثه وكالة أعماق، الذراع الإعلامية له، من أخبار حول الهجمات فى الموصل من اقتحامات وزرع للعبوات الناسفة، يؤكد أن التنظيم لا يزال متمسكًا بهذه المدينة، التى كان أعلنها فى ٢٠١٤ عاصمة دولته المزعومة. 
ولفت التنظيم أيضًا إلى أن خسارة مدينة أو قطعة أرض لا يعد فى تاريخ المعارك والبطولات بهزيمة، لأن «الأيام دول والحرب سجال»، مضيفًا أن الهزيمة هى فقدان الرغبة والإرادة فى القتال، بينما عناصره سينتصرون فى النهاية، ولا تزال هناك مفاجآت وبطولات كثيرة فى الأيام المقبلة، حسب زعمه.


الإنفاق السرية 
ورغم أن هناك مبالغة كبيرة في ادعاءات "داعش" السابقة، إلا أن هذا لا ينف أنها تتضمن أيضا إشارات خطيرة حول أن الأسوأ قادم في العراق، وهذا ما عكسته تصريحات لوزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، وأيضا عدة تقارير صحفية.
وقال تيلرسون، في 13 فبراير، إن انتهاء العمليات القتالية الرئيسة ضد تنظيم داعش لا يعني أن الولايات المتحدة وحلفاءها ألحقوا هزيمة دائمة بالتنظيم المتشدد.
وأضاف «تيلرسون» خلال اجتماع للتحالف الدولى ضد «داعش»، استضافته الكويت، أن داعش ما زال يمثل تهديدًا خطيرًا لاستقرار الشرق الأوسط ومناطق أخرى فى العالم. وتابع: «فى العراق وسوريا يحاول التنظيم التحول إلى تمرد، وفى أماكن أخرى مثل أفغانستان والفلبين وليبيا وغرب أفريقيا وغيرها، يحاول الاختفاء وتشكيل ملاذات آمنة».
وبدورها، حذرت صحيفة «التايمز» البريطانية فى تقرير لها فى ٧ فبراير الماضى، من استغلال «داعش» الفوضى الراهنة فى العراق وسوريا، لإعادة تجميع صفوفه والهجوم من جديد. وقالت الصحيفة: «إن داعش يستثمر الفوضى الراهنة، كى يضرب ثانية فى العراق وسوريا، عبر انتهاز فرصة الخلافات الطائفية ليجمع مقاتليه، ويشن هجمات جديدة فى العراق وسوريا». وبالنسبة للعراق، كشفت الصحيفة عن أن أكثر من ٤٤٠ عملية إرهابية نفذها التنظيم فى الأسابيع الأخيرة، وشملت تفجيرات واشتباكات واغتيالات وعمليات خطف فى المناطق، التى عرفت بوجود عناصر التنظيم فيها. وتابعت: «داعش يملك حضورًا قويًا فى مناطق عدة بمحافظات ديالى والموصل والأنبار، التى يعتقد أن زعيم التنظيم أبوبكر البغدادى يختبئ فيها، وينتقل فيما بينها.
وبدوره، قال الباحث مايكل نايتس، من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن "الدواعش في الواقع، عادوا إلى ما كانوا عليه، في 2013، أي قبل إعلان الخلافة في يونيو العام 2014"، بالنظر إلى أنه لا يزال لديهم جيوب عدة على امتداد الأراضي العراقية، مشيرا إلى مدن "الرمادي والفلوجة، والحزام المحيط ببغداد، ومناطق في محافظتي الأنبار وديالى".
وأضاف الباحث الأمريكي "من تلك المناطق الصحراوية، أو الجيوب الخارجة عن سيطرة القوات العراقية، سيسعى الدواعش إلى شن هجمات لزعزعة استقرار السلطات المحلية، ثم الانتقال بعد ذلك، إلى المدن الكبرى".
وفي السياق ذاته، ذكرت وكالة "شينخوا" الصينية في تقرير لها في 2 فبراير، أن داعش يعتمد أساليب واستراتيجيات متعددة لضمان استمرارية خلاياه المبعثرة بمناطق متعددة في العراق، لاسيما في ديالى والمناطق الحدودية مع محافظة صلاح الدين"شمالا"، والتي تعتبر مناطق غير مستقرة كونها تشهد أعمال عنف بين فترة وأخرى.
ونقلت الوكالة عن مسئولين في محافظة ديالى شرقي العراق، قولهم إن الأنفاق السرية، التي أعدها داعش، تعتبر أهم أسباب بقاء التنظيم الإرهابي في المناطق الساخنة بالمحافظة.
وكشف عضو اللجنة الأمنية في مجلس ديالى عبد الخالق العزاوي، أن سر بقاء التنظيم هو اعتماده على الأنفاق، التي حفرها في التلال والوديان وبشكل عميق وخزن فيها مواد غذائية ومستلزمات البقاء كافة، لتتحول إلى شبه مقرات دائمة يمكن البقاء فيها لأيام عديدة، دون الخروج منها.
وتابع العزاوي أنه قاد مؤخرا قوة قتالية لتعقب خلايا التنظيم في تلال حمرين شمالي المحافظة، وعثر على نفق حفر في قلب تل صخري وبشكل محترف لا يمكن رصده إلا عن قرب.
واستطرد "هذا يدلل على أن التنظيم المتطرف بدأ يعتمد بقوة على هذا الأسلوب للاختفاء،خاصة في العمليات العسكرية، وعند تحليق الطيران الحربي"، مضيفًا "التنظيم يغير بين فترة وأخرى استراتيجياته لضمان نشاط خلاياه وفلوله التي تنشط في المناطق النائية".
وفي السياق ذاته، قالت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، إن ٢٠١٨ قد يشهد عودة «داعش» فى العراق، بعد أن شهد ٢٠١٧ تراجع التنظيم. ونبهت الصحيفة إلى أن «داعش» ليس مجرد جماعة دينية متطرفة، فما جعله يصل لتلك الدرجة من الخطورة هو أن معظم قادته على درجة عالية من المهارة العسكرية.
وتابعت « قادة التنظيم توقعوا أنهم سيخسرون العديد من المناطق، التى سيطروا عليها، وأنهم لن يستطيعوا الصمود أمام هجوم برى مدعوم من طيران التحالف الدولى فى العراق، ومن القوات الجوية الروسية فى سوريا، ووضعوا فى الاعتبار التحول لحرب العصابات، والتى سيعتمدون فيها على الهجوم المباغت والكمائن، جنبًا إلى جنب مع العمليات الإرهابية لترويع المدنيين».
وتساءلت الصحيفة: «هل سيعود تنظيم داعش مجددًا؟»، وأجابت: «التنظيم لم يمت، فمن الممكن أن تكون فكرة الخلافة قد ماتت، إلا أن أبوبكر البغدادي» ما زال على قيد الحياة، بالإضافة إلى أنه بعد سقوط الموصل، لم يحارب داعش حتى الجندى الأخير فى أى من معاقله المتبقية، سواء فى تل عفر والحويجة بالعراق، أو حتى فى الدفاع عن الرقة السورية، وهو ما قد يشير إلى أن التنظيم يتصرف كأنه مصمم على الحفاظ على بعض قدراته القتالية». وأضافت «الإندبندنت»، أن «الأمل الأخير للتنظيم الإرهابى، هو «أن تعمى نشوة الفوز أعداءهم، ويبدأوا فى اضطهاد المناطق العراقية ذات الأغلبية السنية، التى من الممكن أن تنظر إلى داعش مرة أخرى على أنه مُحرر لهم».



تقارير مفزعة 
ويبدو أن الوقائع على الأرض فى الموصل تحديدًا، ترجح أن الأمل الذى ينتظره داعش لن يكون بعيد المنال، فى حال لم تتحرك الحكومة العراقية سريعًا للململة جراح المنكوبين فيها، وأغلبهم من السنة.
ففى ٤ فبراير، كشف المرصد العراقى لحقوق الإنسان عن أن أهالى الموصل، التى رزحت لسنوات مريرة تحت حكم داعش، يعانون حالة نقص فى العديد من الاحتياجات الأساسية، لا سيما الأدوية.
وأضاف المرصد فى بيان له أن المدنيين فى المدينة يواجهون الأمراض بخطورة لا تقل عن تلك التى كان يُشكلها تنظيم داعش أثناء سيطرته على المدينة، فى وقت، لم توفر المؤسسات الصحية الحكومية المساعدة الكافية لهم، كما أن بقاء الجثث فى المدينة، بعد ٦ أشهر على تحريرها، ساهم فى انتشار تلك الأمراض وتزايدها.
وتابع: أنه التقى عند مدخل مستشفى «ابن الأثير» فى مدينة الموصل ٤ عراقيين تحدثوا عن معاناتهم من نقص الأدوية المستمر، كما أنهم لا يستطيعون مراجعة العيادات الخاصة خارج المستشفيات لعدم توافر الأموال. وحث المرصد الحكومة العراقية على القيام بواجبها وتأمين العلاج اللازم للمرضى فى الموصل، فيما قال الدكتور هاشم شلاوى، إخصائى بطب الأسرة والباطنية، وأغلب مراجعيه من مدينة الموصل القديمة، إن «التهاب الكبد الوبائى، والتهاب الرئة والجهاز التنفسى والتحسس القصبى والجرب العنيد، والتهاب الدماغ، ونقص المناعة العام نتيجة فشل التطعيم، والتهاب الأوتار الصوتية بسبب الماء غير الصالح للشرب، كلها أمراض يعانى منها عدد كبير من سكان الموصل.
وبدورها، قالت الناشطة فى مجال الإغاثة الإنسانية فى الموصل، نغم طلال، إن الكثير من المشاكل الاجتماعية والصحية ظهرت فى المدينة بعد عمليات تحريرها من «داعش»، خاصة فى الساحل الأيمن.
وأضافت طلال، حسب المرصد العراقى، أن «المستشفيات والمراكز الصحية فى المدينة، دُمرت ولم تعد قادرة على استيعاب الناس، كما أن المواقع المستحدثة خالية من المستلزمات والبيئة الصحية».
وكانت الموصل القديمة لها الحصة الأكبر من الدمار الذى لحق بالمدينة، ورغم مرور ٦ أشهر على تحريرها، فإن جثث المدنيين وقتلى داعش بقيت ولم تُنتشل كلها، ما تسبب بأمراض كثيرة للسكان، حسب المرصد العراقى لحقوق الإنسان.
وتتوالى الكوارث، إذ كشف خبير نزع الألغام فى الأمم المتحدة، بير لودهامر، أن الألغام والمواد غير المنفجرة ستظل منتشرة فى مدينة الموصل العراقية لعقد من الزمن، ما يعرض مليون مدنى أو أكثر للخطر.
وأضاف لودهامر، فى مؤتمر صحفى عقده فى جنيف، فى منتصف فبراير، وأوردته قناة «روسيا اليوم»، أن تدمير الموصل خلف ما يقدر بـ١١ مليون طن من الحطام، ومن المعتقد أن ثلثى المواد المتفجرة، مدفون تحت الركام. وتابع: «تشير تقديراتنا إلى أن تطهير غرب الموصل سيستغرق أكثر من عقد من الزمن، ولن تسمح كثافة وتعقيد المواد المتفجرة بإتمام عملية التطهير هذه فى غضون شهور أو حتى خلال سنوات».
واستطرد: «نحن نرى ذخائر أسقطت من الجو، وقنابل تزن الواحدة ٥٠٠ رطل، تخترق الأرض لمسافة ١٥ مترًا أو أكثر»، مؤكدًا أن مجرد إخراج واحدة منها يستغرق أيامًا، وأحيانًا أسابيع». وفى العام الماضى، أزالت «دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام»، ٤٥ ألفًا من المواد المتفجرة و٧٥٠ شحنة ناسفة بدائية الصنع فى أرجاء العراق بينها أكثر من ٢٥ ألفًا فى غرب الموصل وحده.
وبصفة عامة، فإن العراق، يئن تحت وطأة أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية، وتوترات طائفية، وحروب بالوكالة، منذ الغزو الأمريكي في 2003، وهي أمور قد تمهد لعودة "داعش" من جديد، بل وظهور تنظيمات إرهابية أخرى أكثر دموية.