الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من قلب اليأس يتولد الأمل

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استوقفتنى صورة معبرة للسلم المؤدى إلى قاعات المحاضرات فى كلية الطب جامعة النهرين - وهى إحدى الجامعات العراقية التى أنشئت عام ١٩٨٧ فى بغداد، وكانت تسمى بجامعة صدام قبل سقوط النظام العراقى عام ٢٠٠٣ - حيث كتب على درجات السلم كلمات باللغة الإنجليزية ثم العربية وهم على التوالى (لا تقف وتتأمل الدرج.. أسرع وابدأ بالصعود.. قد تتعثر أحيانًا.. انهض وواصل الطريق.. لكى تصل إلى أهدافك).. وهى كلمات تشع أملًا وتفاؤلًا، وتبعث فى الطلاب روح التحدى والصمود، أمام العثرات والعراقيل التى بالتأكيد سوف تواجههم، فما من أحد على هذه الأرض إلا وواجهته خلال رحلته المصاعب والعوائق، ولكن هناك من يتسم بروح مقاتلة، فيتغلب على الظروف ويهزمها، ويخلق منها دافعًا يدفعه للأمام نحو حلمه، وهناك من يستسلم ويهزمه اليأس.. ولأن الأمل هو مفتاح النجاح والتقدم، لذلك يحاربنا أعداء هذه الأمة ببث روح اليأس والاستسلام فينا، مستغلين جروحنا التى تنزف، خاصة الفساد المتوغل فى الكثير من المؤسسات والأمكنة، والذى يقضى على الأمل فى نفوس الكثيرين، وربما يؤدى لفقد الانتماء للمجتمع والدولة ككل.. ولكن إذا قرأنا التاريخ وتتبعنا رحلات الصعود والصمود لكل الناجحين الذين استطاعوا أن يصلوا إلى قمة ما تمنوه، سنجدهم قد مروا بالكثير من التجارب المؤلمة، التى كانت كفيلة بإحباطهم، ولكنهم قاوموا وأصروا على تحقيق أهدافهم، حتى على مستوى الدول، فكم من دول كادت تنتهى، ولم ينقذها سوى الإيجابية والإصرار والصمود والثقة بالنفس.. وقد قدم الإعلامى أحمد المسلمانى منذ أيام قليلة حلقة رائعة من برنامجه «الطبعة الأولى»، تحدث فيها عن الأمل وقدرته على بناء الشعوب واستنهاضها من كبواتها، واستعرض خلالها أجزاء من كتابه «الهندسة السياسية».. والذى تناول فيه تجارب العديد من الدول التى مرت بمراحل يأس شديد، ثم استطاعت أن تهندس وضعها العام، وتصل إلى مستوى متقدم، ومكانة يحتذى بها رغم امتلاكها حتى وقت قريب لكل أسباب اليأس.. وقد استشهد بالمفكر والسياسى الصينى الكبير/صن يات سين صاحب المقولة الشهيرة: «كان هذا (مجرد) فشلنا الأول»، وإذا تكرر فشله يقول: «كان هذا مجرد فشلنا الثانى».. مكررًا ذلك حتى وصل أخيرًا لمقولته: «كان هذا مجرد فشلنا الثالث عشر.. وفى المرة الرابعة عشرة تحقق النصر».. ودلالة كلمة «مجرد» كما أبرزها المسلمانى توحى بالاستخاف والاستهانة بالفشل واعتباره إحدى المراحل النبيلة للنجاح.. كما أشار لمقولة أيزنهاور: «لم يسبق للتشاؤم أن فاز بأية معركة».. كذلك استعرض سقوط باريس عاصمة الإمبراطورية الفرنسية أثناء الحرب العالمية الثانية، وهى التى كانت تحتل العديد من الدول فتم احتلالها من خلال ألمانيا، ومع ذلك خرج الزعيم/شارل ديجول، وتحدث فى خطاب تاريخى، قائلًا: «أيها الفرنسيون لقد خسرنا معركة، ولكننا لم نخسر الحرب».. فبعد أن ظن الفرنسيون أن فرنسا سقطت تمامًا، ولن تعود، وسيستمر الألمان فى احتلالها لقرون مقبلة، خرجت كلماته من قلب اليأس لتحيى الأمل، واستمر ديجول حتى تحرير فرنسا.. أما النموذج الأكبر الذى ذكره فكان ما حدث لليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وهزيمتها الساحقة ثم قذفها بقنبلتين نوويتين ما أدى إلى تدميرها وانهيارها تمامًا، إلى جانب ملايين القتلى والجرحى، ورغم أن كل أسباب اليأس كانت حاضرة، فإن هناك اثنين من المسئولين اليابانيين، الذين كانوا فى الصين فى ذلك الوقت، لم يستسلموا لفكرة انتهاء اليابان فذهبوا بعد ٢٤ ساعة إلى وطنهم، لم يتناقشوا فى الضحايا، ولكنهم تحدثوا فى القادم، وقدموا خارطة طريق للمستقبل، وفكروا فى كيفية إعادة إعمار اليابان، وهم على يقين أنها ستعود قوية كما كانت بل أقوى، وهو ما وصفه المسلمانى بجرأة الأمل، أما على مستوى الأفراد فقد تحدث عن «هوندا»، مؤسس شركة هوندا للسيارات، والذى عانى هو أسرته من الفقر الشديد، حتى إن هناك خمسة من أشقائه ماتوا نتيجة الجوع وسوء التغذية، ورغم ذلك استطاع أن يتحول من مهنة والده «تصليح الدراجات» إلى تصنيعها ثم تصنيع السيارات، وكانت له حكمتان فى منهج الأمل وصناعته: «إذا كان الخطأ جزءًا من التطور يكون مقبولًا».. وأيضا: «قمت بالكثير من الأخطاء.. لكن لا يوجد خطأ تكرر مرتين».. فبالطبع إذا كررنا نفس الأدوات والآليات بالطبع لا يمكن أن ننتظر نتائج جديدة.. أما آخر الأمثلة التى ذكرها فكانت عام ١٩٨٧، حيث قال رونالد ريجان لجورباتشوف: «حطم هذا الجدار»، وكان يقصد جدار برلين الذى كان يقسم ألمانيا (الشيوعيون شرقًا والرأسماليون غربًا)، ولم يكن أحد يتخيل إمكانية إسقاطه وتوحيد ألمانيا، وقد وصف الزعيم الألمانى «هيلموت كول» شعوره بقول ريجان إنه كلام خيالى وساذج، ويعكس عدم 
إدراكه لخطورته، ولكنه أدرك أن ريجان كان يملك رؤية حين حرر الغرب من الخوف وأدخله فى قلوب السوفييت.. لذلك علينا جميعًا أن نتمسك بالتفاؤل والحلم وجرأة الأمل، ونؤمن بالمقولة الرائعة: «الصخور تسد الطريق أمام الضعفاء.. بينما يرتكز عليها الأقوياء للوصول للقمة!