السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ثقافة المحليات و"عازفة الفلوت" "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يمكن أن ننسى من الذاكرة الوطنية مشهدين هامين، الأول وقفة المثقفين والفنانين لأول مرة فى تاريخ مصر الحديثة أمام وزارة الثقافة بالزمالك لمنع وزير الثقافة الإخوانى علاء عبدالعزيز، الذى جاء لينفذ استراتيجية الجهالة ويغلق الأنشطة الثقافية والفنية باعتبارها رجسًا من عمل الشيطان.
وكانت عازفة الفلوت الفنانة إيناس عبدالدايم، مشاركة فى المشهد ليس دفاعًا عن دار الأوبرا التى تشرف عليها، ولكن دفاعًا مع زملائها وعن الثقافة المصرية العريقة، ولعل المشهد العميق والأكثر دلالة، هو تلك الأنشطة الثقافية والفنية المصاحبة للاحتجاج والتى كانت تقام فى الشارع أمام مبنى الوزارة، من خلال عروض الباليه والمسرح والغناء والعزف الموسيقى والرقص الشعبى والأمسيات الإبداعية التى استمرت ما يزيد على ٣٠ يومًا فى مقاومة راقية من فنانين ومبدعى مصر ضد حكم الإخوان المرفوض.
والمشهد الثانى للأدباء والمثقفين فى المحافظات، الذين رفضوا المحافظين أثناء حكم الإخوان ومنعهم من دخول دواوين المحافظات، ذلك أن المشهدين لهما دلالات واضحة عن عمق وقدرة القوة الناعمة من المثقفين والفنانين التى انتصرت ثقافتها على فكر التعصب والمتاجرة بالدين.. أى العقل ضد التخلف، وإذا كنا نرحب بالوزيرة «عازفة الفلوت» فإننا نحمل عليها ونذكرها بمواجعنا الثقافية، خصوصًا ونحن فى أمس الحاجة إلى المكاشفة والمصارحة فى مواجهة الإرهاب والتطرف.
لقد أصبحت الأوضاع الثقافية فى المحافظات متدنية بشكل كبير وصلت إلى حد انعدام الخدمات الثقافية من أنشطة هامة يحتاجها المواطن باعتبارها حق رسمه الدستور فى المادة «٤٨» والتى تنص «الثقافة حق لكل مواطن، تكفله الدولة وتلتزم بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب، دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافى أو غير ذلك، وتولى اهتمامًا خاصًا بالمناطق النائية والفئات الأكثر احتياجًا. وتشجع الدولة حركة الترجمة من العربية وإليها».
ويكفى أن نشير أن وزارة الثقافة بأجنحتها الست «المجلس الأعلى للثقافة – الهيئة العامة للكتاب – قطاع الإنتاج الفنى – قطاع التنمية الثقافية – المهرجانات الدولية وهيئة قصور الثقافة» أصبحت غير قادرة على القيام بمهامها كاملة إذا عرفنا أن موازنة وزارة الثقافة لا تتعدى ٢. ٪ من إجمالى الموازنة العامة للدولة.
بئس الخدمات الثقافية التى أصبحت معدومة وفى ذيل المطالب للاحتياجات الأهم للمواطنين الذين يعانون غلاء المعيشة وازدياد الحاجة للأساسيات، وأصبح الحديث عن «الثقافة» باهتًا من المثقفين والنخبة والأحزاب وحتى داخل البرلمان، ومن قبل الحكومة التى تنظر للثقافة للأسف الشديد باعتبارها عديمة الأهمية وتنظر لها باحتقار فى أولوياتها، حتى تم نسيان وزير الثقافة فى عضوية تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف وهو ما يعنى الإهمال.
إن أوضاع الخدمات الثقافية فى المحليات أصبحت الأسوء حيث إن نصيب الفرد لم يتعد فى العام أقل من ثمانية قروش وتكشف أوضاع الثقافة الحجم المتواضع للمكتبات العامة فى المحافظات بطول البلاد وعرضها « مدن – مراكز – قرى».. كذلك انعدام الأنشطة الفنية من الرسم والفنون التشكيلية والشعبية إلى انخفاض الليالى والأمسيات الثقافية والشعرية مع قلة العروض المسرحية، بل وندرتها، وتهالك للأدوات والأجهزة بسبب الإهمال مع عدم وجود أوضاع وظيفية جيدة للعاملين وقلة التدريب.
هذا المناخ المأزوم فى المحافظات ينعكس على القيم وسلوك المجتمع وعلى الإنتاج وحتى على الصحة العامة والنفسية وعدم الرضا الذى يخلق ويساعد على الإرهاب والتطرف وانتشار الأفكار الظلامية والجريمة وانحراف يؤدى إلى شيوع الأفكار الشاذة.
ويكفى أن نشير إلى أن الكثير من محافظات الجمهورية ومدنها ومراكزها وقراها لا يوجد بها قصور ثقافة أو بيوت ثقافة وإن وجدت باستثناءات محدودة فإنها مهملة.. مع اختفاء مكتبات الأطفال المتخصصة ناهيك عن ما تعرضت له بعض المؤسسات الثقافية للحريق والتدمير «مكتبة السويس - المنصورة».
حتى دور العرض السينمائى فى المحافظات مغلقة «ضبة ومفتاح» وانخفض عددها من ٤٢٥ دورا للعرض إلى ٦٩ دورا، وفى القاهرة وحدها ٢٩ دار عرض بنسبة ٤٢ ٪ و٣٢ دور عرض فى ٨ محافظات فقط «الإسكندرية - الجيزة - دمياط - الغربية - بورسعيد - كفر الشيخ - الإسماعيلية - السويس» بينما توجد ١٠ محافظات ليس بها أى دار سينمائية.