الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الملياردير الفقير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اختار لنفسه مكانًا فى ركن بعيد، بدت على وجهه علامات الإرهاق وكأنه خارج لتوه من عمل شاق، كانت مبررات التأخير التى ساقها سببًا فى الدهشة التى اعترت وجهى، وعشرات الأسئلة التى تصارعت بداخلى، أستطيع أن أستوعب بساطة مظهره، فكم من ملياردير رأى فى البذخ سفه، وفى التعالى مرض، لكنى لا أستطيع استيعاب شكواه من ضيق اليد، ومن مرتب أحيانًا لا يكفى احتياجات أسرته، ومن سجال مع أبنائه كان سببًا فى تأخره عنا، حيث طالبوه بترك الشقة والانتقال إلى حياة القصور أسوة بأصدقائهم، لمَ لا وهو يمتلك المليارات؟! كان هذا سؤال أبنائه الذى أعدت طرحه حتى تذهب الدهشة ويتوقف صراع الأسئلة بداخلي، وجاءت الإجابة تحمل بين طياتها رؤية اقتصادية مفعمة بالوطنية، تشبه تلك التى اختارها رجل الصناعة محمود العربي، الذى ساقه الملياردير الفقير الجالس بجانبى كنموذج يجب أن يحتذى به كل رجال الأعمال المحبين لوطنهم، وهنا أدركت أهمية أن يخص الرئيس السيسى، الحاج محمود العربى بالسؤال عن صحته والثناء على وطنيته فى لقاء أذيع على الهواء.
الدكتور هانى قسيس هو ذلك الملياردير الذى تحول هو وأشقاؤه إلى موظفين فى مصانعهم بفعل والدهم، يتقاضى راتبًا شهريًا لم يمكنه من تلبية كل رغبات أبنائه، أرباح المصانع تذهب إلى التوسعات المستمرة التى تستوعب حاليًا أكثر من ثلاثين ألف عامل، تمرد فى البداية على رؤية والده، لكنه عاد ليقتنع بها ويسعى إلى إقناع أبنائه، يؤكد أنه لا يمتلك مالًا فى البنوك المصرية ولا فى الأجنبية، لكنه شيد مصانع غزا بإنتاجها الأسواق العالمية لتعود بالعملة الصعبة على الاقتصاد المصري، حتى ملكيته للمصانع تنصل منها عندما أكد أنها ملك للصناعة المصرية.
شأن هانى قسيس هو شأن الكثير من الذين يؤمنون بأهمية الصناعة.. حيث عانى بسبب الروتين والبيروقراطية التى عوقت الصناعة المصرية طوال السنوات الماضية، لذلك وجدوا فى الرئيس السيسى ضالتهم عندما عانقت أحلامه فى الصناعة أحلامهم، استجاب لهم ومهد الطريق أمام إنجازات كثيرة سوف تنعكس إيجابًا على الاقتصاد المصري، ويكفى ما يتم تشييده حاليًا من مصانع سوف تغنينا عن استيراد أكثر من ٨٠٪ من منتجات الجلود.
فرق كبير بين رجل أعمال يبحث عن مكان لإقامة مصنع يحل به جزءا من أزمة البطالة ويثرى بإنتاجه الاقتصاد المصري، وآخر استحوذ على مساحات شاسعة من الأراضى فى عهود سابقة ليتاجر فيها ويحقق المليارات، وفرق كبير بين رجل أعمال وجه أمواله إلى الاستثمار فى الداخل، وآخر هرّب كل أمواله إلى الخارج، وفرق بين رجل أعمال لا يمتلك من ماله إلا ما يعتاش به، وآخر جعل من أمواله مصيدة للحسناوات من خلال سهرات ماجنة ودكاكين عمل لا تعود بالنفع إلا عليه.
فى أحد اجتماعات الرئيس السيسى برجال الأعمال، تحدث كل منهم عن الصناعة وكيفية النهوض بها، وعن المعوقات التى تعترضهم، ووعد الرئيس بإزالتها وطالبهم بضرورة العمل للنهوض بالاقتصاد المصري، كان من بين الحضور أحد الذين يستثمرون فى الخارج أضعاف ما يستثمرون فى الداخل، وكان دائم الحديث عن وطنيته وإنجازاته، ولم يوقفه عن الكلام سوى محمود العربى، الذى أعطاه درسًا فى الوطنية الحقيقية وطالبه بالتوقف عن الاستثمار فى الخارج لأن مصر أولى برجال أعمالها الذين استفادوا منها، وآن الأوان أن يردوا لها الجميل.
ليس كل رجل أعمال رجل صناعة، وليس كل من يدعون الوطنية وطنيون، بعض هؤلاء انتفخت كروشهم بأموال الدولة فى عهود سابقة وهربوا أموالهم إلى الخارج، ثم عادوا ليبدأوا من جديد، فاكتشفوا أن الوضع تغير، وأنهم أمام مسئولية العطاء لا الأخذ، فاكتفوا بالكلام والفهلوة، يتباكون على الماضي، وينافقون الحاضر، ففى الماضى تستر عليهم من سددوا له الفواتير، وفى الحاضر كشف زيفهم من ليس له ولا عليه فواتير. الصناعة فى مصر لم تعد فى حاجة إلى التجار الذين يختبئون فى رداء رجال الأعمال، لكنها فى حاجة إلى مستثمرين حقيقيين، ومحمود العربى وهانى قسيس نموذجًا.