الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أربعة ريشة وهلال "7"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم أفكر مطلقًا أن أجرب حظى مع برنامج الهجرة العشوائية إلى أمريكا، الذى يتم تنظيمه مرة واحدة كل عام، وأذكر أنه قبل موعد الإعلان عن هذه الهجرة تستعد آلاف الأسر المسيحية فى مصر، حيث تبدأ فى إتمام الطلبات من ملء الاستمارات المخصصة لذلك والتصوير بطريقة معينة، والذهاب إلى مكاتب متخصصة فى هذا الشأن لتقديم تلك الطلبات، ثم الانتظار لشهر أكتوبر من كل عام على أمل أن تأتى نتيجة تلك القرعة العشوائية وأسمائهم مكتوبة ضمن قائمة الـ٥٥ ألف أسرة الفائزة بحلم الهجرة لأمريكا. 
وبالرغم من الضغط المتواصل الذى يشنه على أولادى وأسرتى قبل وأثناء التقديم إلا أننى نجحت فى كل مرة فى الخروج من هذا المأزق متحججًا بحجج كثيرة، وسنة وراء الأخرى تأتى الهجرة لأسرة من أقاربي، فيزداد إلحاح أولادى ومع هذا الإلحاح يزداد رفضي، وفى نفس الوقت تقل فيه الحجج التى أسوقها إليهم، إلى أن حدثت المواجهة الكبرى بينى وبينهم، وبدأوا يقدمون لى مبررات كثيرة تجعل من تقديمنا فى برنامج الهجرة أمرًا واجبًا، ومنها إحساسهم بأننا سنذهب لتلك المدينة الفاضلة، وسننعم بالجنة على أرضها، وسيفوزون بمستوى تعليمى أرقى وبرفاهية أفضل، وزاد من أملهم فى موافقتى هى تلك الأحداث الإرهابية التى تستهدف الأقباط وكنائسهم، ولكن رفضى هذه المرة كان قاطعًا، وبررت لهم هذا الرفض بهويتى التى أرفض أن تنتزعها منى حياة فى مكان آخر قد تبدو أفضل مما أعيشها الآن، ورضخوا لرأيى مجبرين، حتى بعد أن علموا بأن رفضى الدائم أساسه أننى أثق أن تلك الهجرة غالبًا ما تأتى لمن لا يرغبها.
ومؤخرًا التقيت أحد الأصدقاء الذين كتبت لهم تلك الهجرة الميمونة، وتحول من مدرس رياضيات يشار إليه بالبنان إلى عامل فى سوبر ماركت بإحدى الولايات الأمريكية، هذا التحول ساهم بقدر كبير فى تحول آخر على مستوى تفكيره، فقد أصبح بمرور الوقت ناقمًا على الحياة فى مصر، رافضًا كل ما يحدث، معترضًا على أى شيء، لا يقبل الرأى الآخر بالرغم من إيمانه بأنه فى أكبر بلد داعمة للحريات فى العالم، وحينما واجهته بهذا التحول الجذرى فى حياته قال لي: أنتم تعيشون فى بلد لا تعرف قيمة المواطنة، فالأقباط يعيشون حياة بائسة مهددون طوال الوقت فى أرزاقهم، أما فى أمريكا فالوضع أفضل بكثير، فطلبت منه ضرورة زيارتنا، ولبى طلبى وتركته لأولادى يتناقشون معه حول الحياة فى أمريكا والفرق بينها وبين الحياة فى مصر، وجلست أستمع إليهم جميعًا بدون التدخل أو التأثير على أولادى برأيى الذى يعلمونه مسبقًا، وفور مغادرته منزلنا قال لى أولادي: عندك حق فى رفضك الدائم لفكرة الهجرة، فصديقك انتهى به الحال من مدرس ناجح لناقم على ماضيه، ونحن نرفض أن نهيل التراب على ماضينا من أجل جنة خيالية لن نراها على الأرض.