رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الذئاب المنفردة" تهدد عاصمة النور

 صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أصبحت فرنسا هدفا أساسيا لتنظيم «داعش» الإرهابي، وذلك فى ضوء مشاركتها القوية فى التحالف الدولى ضده بسوريا والعراق، بالإضافة إلى أسباب أخرى يتذرع بها المتطرفون لتبرير استهدافها، ومنها قرارها حظر النقاب فى الأماكن العامة. ورغم أن باريس اتخذت إجراءات أمنية مشددة، وصلت إلى حد فرض حالة الطواريء، للحد من هجمات «داعش»، بعد الأحداث الدامية فى 2015، إلا أن «الذئاب المنفردة»، لا تزال تشكل خطرا داهما، يؤرق هذه الدولة، والقارة الأوروبية على حد سواء.

ولعل ما يزيد من مخاوف فرنسا، أن «داعش» كثف مؤخرا من نشر الإرشادات لذئابه المنفردة حول كيفية تنفيذ عمليات إرهابية فى القارة الأوروبية، كما نشر قبل أيام مقطع فيديو جديد بعنوان «ونراه قريبًا.. فتح باريس»، يتضمن مشاهد وهمية لاقتحام باريس، وبرج إيفل، أشهر معالمها السياحية.
وشهدت فرنسا طيلة ثلاث سنوات ماضية، العديد من الهجمات الدامية، من قبل الذئاب المنفردة والخلايا الداعشية النائمة، التى اتبعت أوامر زعيم التنظيم الإرهابى أبو بكر البغدادي، وأبو محمد العدنانى المتحدث السابق باسمه.
ففى وصية للمتحدث الرسمى السابق للتنظيم الإرهابي، أبو محمد العدناني، المقتول فى أغسطس ٢٠١٦، إثر غارة جوية نفذتها قوات التحالف الدولى بمدينة حلب السورية، قال مخاطبا ذئابه المنفردة فى تسجيل صوتى فى ٢٠١٤: «ابذل جهدك فى قتل أى أمريكى أو فرنسي، أو أى من حلفائهم، فإن عجزت عن العبوة أو الرصاصة، فاستفرد بالكافر، وارضخ له بحجر أو انحره بسكين، أو اقذفه من شاهق، أو ادهسه بسيارة».
ولم يتأخر تنفيذ الوصية الإرهابية السابقة، إذ شهدت فرنسا وعاصمتها باريس، التى يطلق عليها «عاصمة النور»، هجمات كثيرة من أشهرها الهجمات التى وقعت فى ١٣ نوفمبر عام ٢٠١٥، واليوم الدامى الذى عاشته باريس حينها، عندما استهدفت عدة هجمات متزامنة ستة أماكن حيوية فى العاصمة الفرنسية وضواحيها، بما فيها ملعب «ستاد دو فرانس» لكرة القدم، ومسرح الباتاكلان، ما أسفر عن مقتل ١٣٠ شخصا، وجرح ٣٦٨ آخرين، وهى الأحداث الأكثر دموية فى تاريخ فرنسا.
وفى الفترة الأخيرة، شكلت ظاهرة الفرنسيين الدواعش، العائدين من ساحات القتال فى سوريا والعراق، الكابوس الأمنى الخطير، الذى يؤرق مراكز القرار السياسى فى فرنسا، حيث تنتشر مخاوف واسعة من أن يقوموا بتنفيذ عمليات إرهابية أكثر وحشية من سابقاتها، للانتقام من الهزائم العسكرية، التى تلقاها داعش فى مختلف المناطق التى كان يسيطر عليها، إضافة إلى خشية الحكومة الفرنسية من أن تساهم هذه العناصر، فى زرع خلايا نائمة فى المجتمع الفرنسي.

تهديدات جديدة 
وجاءت التهديدات الأخيرة، التى أطلقها التنظيم منذ بداية فبراير عبر منابره الإعلامية، وقنواته الخاصة على موقع «التليجرام»، بشن هجمات جديدة فى باريس، لتضاعف القلق فى أوساط الفرنسيين.
وحمل الفيديو الداعشى الجديد، الذى جاء بعنوان «ونراه قريبًا.. فتح باريس»، والذى نشرته «مؤسسة العبد الفقير» الإعلامية التابعة للتنظيم الإرهابى على «التليجرام»، تهديدات واضحة وصريحة لفرنسا، بشن العديد من الهجمات بأراضيها.
وقام التنظيم الإرهابى فى هذا الفيديو بتركيب مشاهد حربية واقتباسها من اللعبة الشهيرة «Call of Duty Modern Warfare ٣»، بالإضافة إلى مشاهد وهمية، منها «سقوط برج إيفل». واستعان التنظيم أيضا فى الفيديو بكلمة المتحدث الإعلامى السابق باسمه «أبو محمد العدناني»، فى إبريل ٢٠١٦، والتى قال فيها قبل مقتله فى سوريا: «إننا نريد باريس قبل روما وقبل الأندلس وقبل أن نسوّد عيشكم وننسف بيتكم الأبيض وساعة بيج بن وبرج إيفل».
ولم يكتف التنظيم بما سبق، بل نشر أيضا مشاهد تمثيلية فى الفيديو، الذى لم تتجاوز مدته ٦ دقائق، لهجمات وهمية لعناصره فى باريس، منها مشهد لاستهداف سيارة تابعة للجيش الفرنسي، على أطراف المدينة، وتدخل الطائرات الحربية التابعة للتنظيم.
كما بث التنظيم كلمة للداعشى «أبو قتال الفرنسي»، منفذ هجمات باريس التى وقعت فى نوفمبر ٢٠١٥، قال فيها: «والله لقد جئناكم بالذبح، وإن سكاكيننا تقترب من حناجركم، يوما بعد يوم، ووالله لنقاتلنكم فى قلب باريس وعند ركن برج إيفل».
وامتدت تهديدات داعش إلى مواطنين فرنسيين بالاسم، حيث نشرت مؤسسة «الوفاء» الإعلامية، التابعة للتنظيم، تحذيرات لمدرب فرنسا «ديدييه ديشان»، الذى قاد فرنسا للفوز فى كأس العالم ١٩٩٨، تحت مسمى «الإرهاب العادل»، انتقاما من مشاركة بلاده فى التحالف الدولى بسوريا والعراق. 

إرشادات خطيرة 
وبالإضافة إلى ما سبق، نشر التنظيم عدة كتيبات حول «الذئاب المنفردة»، من أبرزها كتيب بعنوان «إرشادات الأمن والسلامة للمجاهدين الفرادى والخلايا الصغيرة»، لشخص يدعى «أبو عبيدة عبد الله العادم»، ويحتوى على ٦٢ صفحة، وتمت ترجمته إلى لغات عدة كالفرنسية والانجليزية، وتضمن نصائح لعناصره فى فرنسا وأوروبا، والذين يتواصل معهم عبر المنتديات الجهادية، ومواقع التواصل الاجتماعي، بشأن كيفية تنفيذ عمليات إرهابية جديدة ناجحة. 
ويعد الذئب المنفرد السلاح الأقوى لـ«داعش»، الأمر الذى دفع التنظيم الإرهابى إلى نشر كتيبات عدة تتعلق بتأمين سلامتهم فى تنفيذ عملياتهم الإرهابية، وكيفية تنفيذها بنجاح. 
وتضمن كتيب «إرشادات الأمن والسلامة للمجاهدين الفرادى والخلايا الصغيرة»، العديد من الإرشادات لتعليم الذئاب المنفردة فى فرنسا وأوروبا وأمريكا، كيفية التخفى من الحكومات لضمان عدم اكتشافهم قبل القيام بعملياتهم الإرهابية.
وجاء فى مقدمة الكتاب «لا شك أن اليوم، فى حقبة الذئاب المنفردة، يحتاج الإخوة فى الغرب أن يعرفوا بعض الأمور المهمة حول الأمن من أجل ضمان النجاح فى عملياتهم، اعتقدنا أن كثيرا من الإخوة الذين لا يتحدثون العربية سيجدونه مثيرا للانتباه وربما يطبقونه فى عملياتهم المباركة».
ومن بين الإرشادات التى كثف التنظيم الإرهابى على عناصره اتباعها للتمويه، ارتداء الموضات الغربية التى يصعب من خلالها الاشتباه بانتماء هذا الشخص للتنظيم، كارتداء الساعة ولبس الخواتم، وجاء فى الكتيب «إذا كنت ترتدى ساعة، لا ترتديها فى يدك اليمنى، فهذه علامة على أنك متدين، وإذا كان لديك خاتم خطوبة أو شيء من هذا القبيل، فمن الأفضل أن ترتدى واحدا ذهبيا أو الأفضل من ذلك، لا ترتدى أى خاتم على الإطلاق، فخاتم الفضة يمكن أن يشير إلى أنك متدين، حيث يحرم الإسلام على الرجال لبس خواتم الذهب».
وحرض الكتيب الداعشى أيضا الذئاب المنفردة على شن الهجمات بالأماكن التى تكثر فيها الأعداد من أجل زيادة عدد القتلى، خاصة الملاهى الليلية، المليئة بالموسيقى الصاخبة والسكارى، والأندية الرياضية فى المباريات الكبيرة، والأسواق الكبيرة، التى يعتبرها داعش الأماكن الأفضل لعملياته، وفيها يمكن تنفيذ العمليات الإرهابية فى ظل التواجد الأمنى الضعيف، ما يزيد من عدد الضحايا، ودون أن يتمكن أحد من اكتشاف المنفذ.
وقدم الكتيب الداعشى أيضا لائحة كاملة ببرامج التشفير، التى يمكن للخلايا النائمة أن يستخدموها لتشفير محتويات الهواتف المحمولة ورسائل البريد الإلكتروني، كما عرض الكتيب قسما خاصا حول سبل مراقبة الأماكن، التى يحاول الذئب المنفرد تنفيذ عمليته بها.
ونوه الكتيب إلى ضرورة عدم ظهور الذئب المنفرد فى المساجد والصلاة بها، من أجل أن يتجنب أى اشتباه به من قبل الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى عدم الحديث بالألفاظ الإسلامية، التى يمكن من خلالها التعرف عليه، مثل « السلام عليكم» و»بارك الله فيك» و»جزاك الله خيًرا»، من أجل عدم القبض عليه قبل تنفيذ عمليته.
وفى مواجهة الإرشادات الإرهابية السابقة، قررت الدول الأوروبية وضع مجموعة إجراءات مستقبلية لمواجهة إرهاب «داعش»، حيث قرر الاتحاد الأوروبى إنشاء قاعدة بيانات للمسافرين من داخل الدول التابعة له، وتتضمن الاحتفاظ بمعلومات جميع المسافرين إلى أوروبا لمدة ستة أشهر، ووضعها فى قواعد بيانات حتى تستطيع الجهات المعنية بالأمر الاطلاع عليها فى أوى وقت، خاصة فى الأوقات التى تحدث فيها هجمات إرهابية على القارة العجوز.
كما قامت دول أوروبية بينها فرنسا بتوقيع برتوكول تعاون لوضع نظام جديد لمكافحة الإرهاب الإلكتروني، خاصة أن تنظيم «داعش»، استطاع خلال السنوات السابقة أن يجند عددا كبيرا من الأوروبيين عبر شبكات الإنترنت المختلفة.
وبالإضافة إلى ما سبق، وقعت أكثر من ٢٠ دولة تابعة للاتحاد الأوروبي، من بينها ألمانيا وفرنسا، فى نوفمبر٢٠١٧، على ميثاق للدفاع عن النفس، مع دمج التخطيط العسكرى للقارة، بالإضافة إلى تطوير الأسلحة والعمليات العسكرية بهدف إقامة جيش أوروبى موحد من أجل مواجهة التحديات الجديدة، على رأسها الإرهاب.

خصوصية فرنسا فى القارة العجوز 
وقال عدد من الخبراء فى الشئون الدولية وشئون الحركات الإسلامية، إن أحد أسباب وضع فرنسا على قائمة الدول الأكثر استهدافا من قبل تنظيم داعش الإرهابي، هو مشاركتها القوية فى التحالف الدولى ضده بسوريا والعراق وليبيا.
وقال مختار الغباشي، نائب رئيس المركز المصرى للدراسات السياسية، إن فرنسا أكثر البلدان الأوروبية استهدافًا، لأنها ثانى أهم دولة أجنبية بعد الولايات المتحدة فى مواجهة الإرهاب بمنطقة الشرق الأوسط، وهذا الأمر يزعج «داعش» وجميع التنظيمات الإرهابية، لذلك يتم استهدافها أكثر.
وأضاف «غباشي» فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن فرنسا خلال الفترة السابقة تولت ملف الإرهاب فى ليبيا، بعد أن سيطر تنظيم «داعش» الإرهابى على مناطق كثيرة هناك وقام بالعديد من العمليات الإرهابية.
وأشار نائب رئيس المركز المصرى للدراسات السياسية، إلى أن تدخل فرنسا لحل أزمة سوريا، يعود لأنها كانت من الدول الاستعمارية، وكانت سوريا خاضعة للاحتلال الفرنسي، مضيفا أن فرنسا من أكثر البلدان الأوروبية، التى تهتم بحل الأزمة السورية، وتسعى جاهدة للقضاء على الإرهاب فيها.
وتابع أن الحكومة الفرنسية، بسبب الهجمات الإرهابية التى تعرضت لها، والتى من المحتمل أن تزيد خلال المرحلة المقبلة، ستتخذ حزمة قرارات أمنية مشددة للسيطرة على الإرهاب، ذلك بالإضافة إلى أنها ستقوم بإعداد قاعدة بيانات لجميع الجاليات العربية والمسلمة المتواجدة فى أراضيها.
وأكد «غباشي» أن أهم الأشياء التى ستقوم الحكومة الفرنسية بتعديلها هى قانون العمل الفرنسي، لأن هناك عددا كبيرا من غير الفرنسيين يعملون فى مؤسسات فرنسية كبري، دون وجود معلومات كافية عنهم، وجميع تلك الإجراءات، تزعج الجماعات الإرهابية والعناصر الإرهابية المتواجدة فى فرنسا بشكل غير شرعي.
وبدوره، قال سعيد اللاوندي، خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن فرنسا من أكثر البلدان الأوروبية المتواجد فيها عدد كبير من الجاليات العربية والمسلمة، ما يسهل اندساس متطرفين بينهم. 
وأضاف اللاوندى فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن فرنسا دولة ذات خصوصية كبيرة فى القارة العجوز، سواء كان ذلك من النواحى السياسية والعسكرية، إضافة إلى ذلك، فهى لها حضور ثقافى، ولديها القدرة على التأثير فى غيرها، واستيعاب كل من يقترب منها، وهذه الأمور تزعج الجماعات الإرهابية المتطرفة.
وتابع خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن من ضمن الأمور الأخرى التى تجعل فرنسا من أكثر البلدان الأوروبية استهدافًا، هو أن فرنسا تربطها علاقات وثيقة وكبيرة بالقارة السمراء، كما تمتلك مجموعة قواعد عسكرية فى بعض البلدان الإفريقية مثل «النيجر» وغيرها، فى إشارة إلى أن هذا يزعج الجماعات الإرهابية، التى تستغل الفقر والاضطرابات فى القارة السمراء للتمدد هناك.
وقال «اللاوندي»، إن أكثر العناصر الإرهابية التى تهاجم فرنسا تنحدر من دول شمال إفريقيا، وذلك لأن فرنسا خلال العقود السابقة كانت تحتل عددا كبيرا منها، وهذا الأمر خلق نوع من الحساسية وروح العدائية بين فرنسا ودول الشمال الإفريقي، وتلك العدائية تنشط بين حين وآخر.
وذكّر «اللاوندي» بدعم فرنسا للبرنامج النووى الإسرائيلى فى فترة الخمسينيات، وهذا الأمر أدى إلى عداء بعض العناصر المتطرفة لفرنسا، لذلك هى من أكثر البلدان الأوروبية المستهدفة.
وتابع أن من ضمن الأمور الأخرى، قيام فرنسا بإصدار قرار بمنع النقاب فى الاماكن العامة، والذى أغضب المتشددين فى المجتمع الإسلامى هناك.

وفى السياق ذاته، قال خالد الزعفراني، الإخوانى المنشق والخبير فى شئون الحركات الإسلامية، إن فرنسا من أكثر البلدان الأوروبية استهدافًا، لأن بها أكبر جالية عربية إسلامية، فعدد المسلمين فى فرنسا يتجاوز الـ٦ ملايين، وجميعهم معهم الجنسية الفرنسية.
وأضاف «الزعفراني» أن هناك عددا من الإرهابيين استطاع خلال الفترة السابقة اختراق الجاليات المسلمة، وجند عددا كبيرا منها.
وتابع هناك نحو ١٠٠٠ فرنسى مسلم انضموا إلى داعش خلال الفترة السابقة، وعدد كبير منهم عاد إلى فرنسا عقب خسارة التنظيم معاقله فى سوريا والعراق.
واستطرد «الزعفراني» قائلا: إن هناك نسبة بطالة كبيرة منتشرة بين الأوساط الإسلامية المتواجدة فى فرنسا، حيث وصلت نسبة البطالة فى فرنسا نحو ٤٠٪، وأغلب العاطلين عن العمل انضموا إلى الجماعات الإرهابية، وأصبحوا أكثر تطرفا.
وختم «الزعفرانى تصريحاته بالتأكيد على أن السجون الفرنسية من أسباب انتشار التطرف داخل المجتمع الفرنسي، لأن التنظيمات المتشددة تستغل وجود عدد من عناصرها داخل هذه السجون لنشر أفكارها المتطرفة، ونتيجة لهذا الأمر خرج منها عدد كبير من الإرهابيين، ونفذوا العديد من الهجمات فى باريس ومدن فرنسية أخرى».