الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المرأة في موروثنا الديني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يقصد بالموروث الدينى هنا الإنتاج المعرفى المستمد من النصوص الدينية، الذى خلفه العلماء فى مختلف فروع المعرفة، وتناقلته الأجيال إلينا، المرأة فى هذا الموروث كائن ناقص يفتقد الرشد، ولهذا فإن المرأة بحاجة دائمة إلى الولى المرشد، الذى يراقب تصرفاتها، خشية انزلاقها إلى ما يجلب العار لأهلها وقبيلتها، لأن تكوينها البيولوجى العاطفى عرضة لكل ما يشينها ويشين أسرتها، ومن هنا كان احتباسها ومنعها من التصرف بإرادتها المنفردة فى شئونها، أمرًا مبررًا، كون الولى الرجل هو الأكمل عقلا، والأرشد تصرفًا وسلوكًا.
دعونا نتساءل: من أين جاءت هذه الصورة الزائفة حول دونية عقلية المرأة وعاطفية سلوكها، فى مقابل كمالية الرجل، ورشادية سلوكه وتصرفاته؟!
لعل المطلع على كتاب «إحياء علوم الدين» لحجة الإسلام الإمام أبوحامد الغزالى (ت ٥٠٥ هجرية)، وهو كتاب ذائع الصيت يحظى بالقبول والتقدير، وله عشرات الطبعات، يجد الجواب عن هذا التساؤل.
كيف ينظر الإمام إلى طبيعة المرأة والتعامل معها؟
يبدأ الإمام العظيم فى الجزء ٢ من كتابه، صفحة ٢٤ بسرد «القواعد المثلى» للمعاشرة الزوجية، فعلى الزوج أن يكون سيدًا مطاعًا، لا يشاور زوجته، بل يعمل بخلاف رأيها، لأن «طاعة المرأة ندامة» وكيد النساء عظيم، فليكن على حذر منهن، والمرأة إذا أكرمتها أهانتك، لأن سوء الخلق وركاكة العقل طبيعة فيهن، ومنها: أن المرأة لا تخرج من البيت، ولا ترى الرجال، ولا يراها الرجال، والزواج عند الإمام نوع من الرّق، والزوجة رقيقة عند زوجها، وعليها طاعته طاعة مطلقة.
لقد كان تأثير الإمام الغزالي، فى البيئة الفكرية والاجتماعية للمسلمين طاغيًا، كما تأثير كتابه الآخر، تهافت الفلاسفة، فى تشويه الفلسفة، ما استدعى ردًا قويًا من ابن رشد لاحقًا.
هذه النظرة المشوهة للمرأة، هى التى حكمت الأفق الثقافى الاجتماعى للمجتمعات العربية، وشكلت الإطار المرجعى لمن جاء بعده من العلماء والأدباء فى نظرتهم للمرأة، عبر القرون التالية، وصولًا إلى القرن الثامن الهجري، حيث وجدنا كتاب «الكبائر» للإمام الذهبى «٧٤٨ هجرية» يردد المقولات المنتقصة من المرأة نفسها، بل إن صورة المرأة هنا تزداد قتامة، فالمرأة عورة كلها يجب حبسها، لأنها إذا خرجت استزلها الشيطان.
هذه الصورة المظلمة للمرأة اشترك فى إنتاجها وترسيخها فى البنية الثقافية الاجتماعية جميع أهل الفكر والأدب: من مفكرين وأدباء وشعراء، وليست مقتصرة على علماء الدين وحدهم، بحيث أصبحت ثقافة اجتماعية موروثة، عكستها المناهج التعليمية، والخطب الدينية، فى عصرنا.
ولترسيخ هذه الصورة النمطية للمرأة فى العقلية الجمعية، حفلت الكتب التراثية بمرويات منسوبة إلى رسول الإسلام، عليه الصلاة والسلام، تذم المرأة، منها:
١ - الشؤم فى ثلاثة: الفرس والمرأة والدار.
٢ - يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود.
٣ - طاعة المرأة ندامة، وشاوروهن وخالفوهن، لأن خلافهن بركة.
٤ - لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقه عليها.
٥ - لا تسكنوهن الغرف ولا تعلمونهن الكتابة.
٦ - دية المرأة نصف دية الرجل.
٧ - صلاة المرأة فى دارها خير من صلاتها فى المسجد.
٨ - أكثر أهل النار من النساء.
٩ - خلقت المرأة من ضلع أعوج.
١٠ - ناقصات عقل ودين.
١١ - تقبل المرأة وتدبر فى صورة شيطان.
١٢ - كيدهن عظيم.
بالإضافة إلى مئات المرويات والقصص فى الكتب التراثية التى ساهمت بشكل كبير فى رسم صورة مشوهة عن المرأة فى الذهنية العامة، وفى تصوير الإسلام سجانًا للمرأة، طبقًا للشيخ محمد الغزالي، رحمه الله تعالى.
ختامًا: ويبقى القول إن صورة المرأة فى القرآن والسنة العملية المتواترة، صورة إيجابية مشرقة ومشرفة، تناقض تمامًا صورة المرأة فى التراث الاجتماعى الديني، وهذا يدفعنا إلى إعادة النظر فى هذه المرويات، ومراجعتها على ضوء الثوابت القرآنية والنبوية، التى كرمت الإنسان رجلًا أو امرأة، وفِى سياق تعزيز مبدأ المواطنة المتساوية، وقد تصدى علماء معاصرون لهذه المرويات، وبينوا تهافت معظمها، واستبعدوا صدورها عن رسول الرحمة والمحبة وأعظم من ناصر المرأة، وقديمًا أنكرت أم المؤمنين السيدة عائشة، رضى الله تعالى عنها، حديث شؤم المرأة، مؤكدة: أن عليه الصلاة والسلام ما قاله قط.
نقلًا عن «الجريدة» الكويتية