السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الخلافة الإسلامية.. حقائق وأوهام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
آن الأوان أن نفتح هذا الملف الشائك الذى تتبناه معظم جماعات الإسلام السياسى وتضعه قاعدة تبنى عليها أفكارها وترسم خططها ومستقبلها، فباتت عودة الخلافة هى المنتهى المتفق عليه عند جميع هذه الحركات والتنظيمات بما فيها جماعة الإخوان والتى تأسست عام ١٩٢٨ كرد فعل لسقوط الخلافة قبل هذا التاريخ بأربعة أعوام، والحقيقة أنه لم يكن عام ١٩٢٤ هو تاريخ إسدال الستار على الخلافة الإسلامية، كما يظن البعض، فالثابت أن الخلافة باتت مجرد صورة باهتة منذ نهاية القرن السابع عشر الميلادى حين افتقد منصب الخليفة إلى المقومات التى كان يقوم عليها وأصبح مجردًا من معظم السلطات الواسعة التى كان يملكها فيما سبق، وذلك بعدما نجحت الدول الاستعمارية فى احتلال معظم البلدان العربية الواقعة تحت السيطرة العثمانية ما أدى إلى تآكل الدولة تدريجيًا، وتحول الخليفة إلى مجرد شخص يتم الدعاء له على المنابر فى خطب الجمعة فقط، كنوع من التبعية الروحية وهذه التبعية كانت مرفوضة من البعض، إذ إن أكثر الشعوب العربية ظلت لسنوات طويلة لا تعترف بالخلافة العثمانية وتعتبر الوجود التركى على أرضها احتلالًا يجب مقاومته، ولذا فقد صار طومان باى بطلًا شعبيًا لكونه قد حارب الغازى وصمد أمامه حتى سقط فى قبضته وأعدم على باب زويلة عام ١٥١٧ وبكاه الشعب المصرى الذى كان يدافع عن أرضه ضد المحتل العثماني، لكن هذا الشعب الصبور قد رضخ بعد سنوات للأمر الواقع، واعتبر آل عثمان خلافة جديدة تمثل الامتداد الروحى للسلطة السياسية الدينية التى تم العمل بها عقب وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم، ورغم ذلك فقد عانى الشعب المصرى وسائر الشعوب العربية التى وقعت تحت الاحتلال العثمانى من اضطهاد ملحوظ، فالوظائف القيادية فى الدولة العثمانية لا يمكن للعرب أن يشغلوها، والخير والثروة للأتراك فقط، أما العرب فكانوا يعيشون فى بلادهم كمواطنين من الدرجة الثانية، فقد كان الوالى التركى المعين بقرار من السلطان العثمانى يحكم بالحديد والنار، وكان لا هم عنده سوى تحصيل الخراج من الفلاحين والتجار وإرساله إلى الباب العالى فى الأستانة ليرضى عنه السلطان، ويقرر البقاء عليه فى منصبه، وعلى مدار القرون الستة التى قبض فيها الأتراك على سلطة الخلافة كان الأمر لا يسلم من محاولات شعبية للثورة على هذا الحكم، وقد حدث ذلك فى الحجاز والسودان والشام ومصر، وكانت هذه المحاولات تقابل بالبطش وبكثير من الدماء، وقد أطلق العثمانيون على أبطال هذه المحاولات التحررية لفظ العصاه والذين كانوا يزدادون جيلًا بعد جيل، لا سيما بعد تفشى الفقر والجهل بين الشعوب العربية ما جعل شبابها يبغض تلك السلطة الغاشمة التى تسببت فى تأخر البلاد والعباد، وأكثر الذين يدافعون عن العثمانيين لم يقرأوا سطرًا واحدًا من كتب التاريخ، ولكنهم قرنوا الإسلام والخلافة بالأتراك فدافعوا عنها باستبسال واضح كدفاعهم عن دينهم رغم أن المدرك لحقائق التاريخ سيكتشف زيف هذه الأسطورة، فالجماعات الإسلامية المنادية بعودة الخلافة والتى تقوم بالبكاء على العثمانيين هم فى واقع الأمر أبناء الحركة الوهابية التى خرجت على العثمانيين، ورفضت حكمهم وحاربتهم، والخليفة العثمانى هو من طلب من محمد على والى مصر أن يرسل جيشًا إلى الحجاز لمحاربة الوهابيين باعتبارهم فئة ضالة خارجة على الجماعة، وهو من استصدر فتوى بتكفير محمد بن عبدالوهاب وأتباعه، وهذه الفتوى تم العمل بها فى جميع البلدان التى كانت خاضعة للخلافة العثمانية، عدا أماكن الثورات العربية، والمشهد الأخير فى قصة الخلافة حدث فى الثالث من مارس ١٩٢٤، حين أعلن مصطفى كمال أتاتورك إلغاء هذا النظام نهائيًا وقيام الجمهورية التركية وذلك عقب هزيمة تركيا فى الحرب العالمية الأولي، وبموجب هذا الإعلان أصبح السلطان عبدالمجيد هو الخليفة العثمانى الأخير والذى تولى الخلافة لعامين فقط ثم طرد من تركيا هو وأسرته، ولا شك أن هذا القرار قد أحدث دويًا هائلًا فى سائر البلدان العربية فقابله البعض بالفرحة والسعادة وقابله البعض بالحزن والاكتئاب، أما الذين قابلوه بالفرحة والسعادة، فهؤلاء الذين عانوا من قيد الاستعمار العثمانى وقسوته، وأما الذين قابلوه بالحزن والاكتئاب، فهؤلاء الذين كانوا يرون فى هذا النظام سلطة روحية تمتد إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء هم الذين دعوا إلى مؤتمر يرعاه الأزهر الشريف للبحث عن حل لتلك المشكلة الكبيرة التى يواجهها الإسلام حسبما قالوا وقتها، بينما لم يمثل الأمر اهتمامًا لعموم الشعب المصرى الذى كان ينظر للدولة العثمانية باعتبارها دولة غازية ومحتلة لأرضه وناهبة لخيرات وطنه، وكان الناس ينتظرون اليوم الذى سيرحل فيه أفندينا التركى المتعالى على البسطاء من الفلاحين، والحامل دائمًا لسوطه الذى ينزله على أجساد الفقراء، وعندما احتل الإنجليز البلاد فى عام ١٨٨٢ لم يفكر الخليفة التركى فى الدفاع عن قطعة غالية من أرض الخلافة بل تركها لقمة سائغة للمحتل ثم عقد معاهدة تضمن له وصول الخراج، فكل ما يهمه هو الخراج ولا شيء غير ذلك، وما انتشار الدعارة وتنظيمها وترخيص الخمارات إلا من أعمال الخلافة العثمانية، والتى كانت تعتبر ذلك تجارة تتقاضى عنها الرسوم والضرائب، وأذكر حين كنت طالبًا فى معهد الفنون المسرحية ودرست خيال الظل وما يصاحبه من حفلات ماجنة وحديث عن الشذوذ أننى تعجبت أن يحدث كل هذا فى ظل الدولة العثمانية التى كانت ترفع لواء الإسلام، ولكن هذه الدهشة ستنتهى حتمًا حين نسير فى طرقات قصور آل عثمان لنعلم كيف كانت تُدار الأمور وإلى أى درجة وصلت سيطرة النساء لا سيما الأجنبيات اللاتى تسابق الخلفاء على الزواج منهن.. وللحديث بقية.