الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لا تعجبن بـ"دُنيا" أنت تاركها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اعتدنا فى أغلب الروايات الأدبية التى نقرؤها أو نراها على شاشات السينما والتليفزيون، أن نجد الخير ينتصر على الشر فى النهاية.. ولكننا أحيانا قد نجد بعض الأعمال الأدبية التى تنتهى بنهايات تقترب من الواقع، والذى كثيرا ما يصدمنا بأن النماذج السيئة والأكثر فسادا هى التى تنتصر وتصبح أكثر علوا وتمكينا، مثل رواية «لا» للكاتب الكبير مصطفى أمين، والتى كان من المقرر تحويلها لفيلم سينمائى يقوم ببطولته الفنان عبدالحليم حافظ، ولكن سبقه ملك الموت، ثم قُدمت من خلال مسلسل تليفزيونى قام ببطولته الفنان يحيى الفخرانى والفنانة دلال عبدالعزيز.. وهى تحكى عن رجل يتعرض لرحلة ظلم كبيرة، وكلما شعر أنه وجد من سيفتح له باب الأمل يجد الباب موصدا فى وجهه، ويتكالب عليه أخطبوط الفساد فى الكثير من مؤسسات الدولة، وعندما يفرح بالتغيير الوزارى الذى يجده الملاذ الأخير للتخلص من الوزير الفاسد الذى يمنعه حقه، ويتفاءل بأنها ستكون نهاية كل فاسد فى هذا الوطن، تنتهى الرواية بضحكاته الهيستيرية وصرخة زوجته بعد صدمتهم بأن هذا الوزير قد أصبح رئيسا للوزراء!!.. وقد يعتقد البعض أن هذا مرتبط بالعصور الحديثة، ولكنه فى الحقيقة مرتبط بكل الأزمنة.. فلو قرأنا ما سجله الفراعنة فى نقوشهم، لقلنا لأنفسنا ما أشبه اليوم بالبارحة!!.. وبالطبع ما من أحد سوف ينجو من الإحباط، إذا كان متيقنا من فساد أحد الأشخاص، ثم يجده قد تم تصعيده لمنصب أكبر..وهكذا يُفتن الكثيرون فى دينهم ودنياهم، ويظنون أن الفساد هو الوسيلة للوصول إلى ما يتمنونه.. ومنذ أيام استوقفتنى آية فى القرآن الكريم تقدم الجواب الشافى، لكل من يغتر بالدنيا أو يُفتن فيها، أو يشعر أن ميزان العدل فى الدنيا قد اختل.. بسم الله الرحمن الرحيم «فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ» (سورة المائدة ٤٤).. وقد فسرها الشيخ الشعراوى رحمه الله بأن هؤلاء الأشخاص الذين يتناسون ما ذكرهم الله به، لا يحرمهم سبحانه وتعالى من النعم ساعة أن تركوا شكرها، بل يفتح عليهم أبواب كل شيء، أى يعطيهم من النعم أكثر وأكثر، فيترفون ويعيشون فى ألوان من حياة العز والصحة والسعة والجاه والسيطرة والمكانة، حتى إذا فرحوا بالخيرات والأرزاق المتدفقة واستغرقوا فى الاستمتاع بها وخلت قلوبهم من ذكر المنعم ومن خشيته وتقواه، وانحصرت اهتماماتهم فى لذائذ الدنيا جاء موعد القانون الإلهى الذى لا يتبدل ولا يتغير أى أن الحادث الضار يأتى بدون مقدمات، لأن مجيء المقدمات قد يجعل الإنسان يتيقظ ويحتاط أو يتوقع، ولكن الله يصيبهم بالعذاب وهم مبلسون، أى يائسون لا منجى ولا منقذ ولا خلاص لهم، فيقعون فى حيرة تأخذ عليهم ألبابهم وتشتت قلوبهم وتقطع رجاءهم.. واستشهد الشيخ الشعراوى بالمثل الريفي: «لا يقع أحد من فوق الحصير» لذلك تكون العقوبة أن الله يعليه ثم يأخذه بغتة فيقع، ليكون الألم عظيمًا.. ورغم أن الفتح غالبا يكون فى النعمة، إلا أن الشيخ الجليل فسرها بأن الله سبحانه فتح عليهم، أى سلط عليهم، لا فتح لهم، كقوله سبحانه فى موقع من القرآن الكريم: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا» (سورة الفتح ١)..لأن الفتح لك غير الفتح عليك، لأن الفتح على أحد يعنى الاستدراج إلى إذلال قسرى سوف يحدث له، فكم هم الذين يفرحون بما أوتوا ولايخطر لهم على بال أن ذلك قد يكون استدراجا، فليس كل فتح فتحا، وليس كل عطاء عطاء، وليس كل فرح فرحا.. فإذا رأيت النعم تأتيك وأنت مقيم على الطاعات فاعلم أن ذلك فضل من الله ونعمه، وإذا رأيت النعم تتدفق عليك وأنت مقيم على المعاصى والذنوب فاعلم أن هذا استدراج.. لذلك يقول إذا رأيت إنسانًا أسرف على نفسه ووسع الحق عليه فى نظام الحياة، إياك أن تفتن، لأنك سترى نهاية هذا الظالم البشعة.. فعلينا أن نتمسك بمبادئنا يقينا بحكمة الله تعالى الذى حرم الظلم على نفسه، فلا نفتن أو يظن أحد معاذ الله أنه تعالى غافل عما يعمل الظالمون؟!.. وكما يقول الإمام على بن أبى طالب: «لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه».. أما من يمشون فى طريق الظلم والفساد والضلال، فلعل الله أن يهديهم ويستفيقوا قبل أن يأتيهم عقابه بغتة، فلا يغتروا بنعم الله التى لا يستحقونها، ويزيد الجشع والظلم والطغيان ظنا أنهم سيُتركون دون حساب.. وكما قال الفرزدق: «لا تعجبن بدنيا أنت تاركها كم نالها من ملوك ثم قد ذهبوا»!!