الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"رقصة" الطائفية.. بين إيران وتركيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حرب «تكسير عظام» من نوع شائك تتجلى ملامحه فى صور عدة تحركات ومواقف على صعيد المنطقة العربية. ردود أفعال أمريكا ومنظمات المجتمع الدولى تجاه الصراع المحموم الدائر بين تركيا وإيران على اقتسام مناطق النفوذ فى المنطقة العربية اقتصرت على تعبيرات نمطية من نوعية (تراقب بقلق) وإخواتها!. منذ عام ٢٠٠٣، اقترن تاريخ التدخل العسكرى الأمريكى فى المنطقة بتغذية صراعات طائفية وعرقية، فى العراق، سوريا واليمن، بينما حولت قوات حلف الأطلسى (الناتو) ليبيا إلى مساحة فوضى ودمار نموذجية لانتقال مختلف التنظيمات الإرهابية إليها.
الدعم «الصامت» من الطرف الأمريكى تجاه الصراعات التى تتخذ الصبغة الدينية غطاء لأطماعها يبدو مفهوما فى إطار رغبة أمريكا نزع يدها عن الفوضى التى زرعتها فى المنطقة، خصوصا أنها صراعات ذات طبيعة تضمن استمرار إرباك وإضعاف الدول العربية فى ظل حروب المعروف أنها تمتد لعقود طويلة.
التدخل التركى فى مدينة عفرين السورية لم يكن مجرد حلقة ضمن سلسلة مذابح ارتكبتها تركيا فى حق عدو تاريخى يشمل عدة أحزاب كردية. تركيا تريد تأمين سيطرتها على منطقة نفوذ داخل سوريا فى مواجهة نفوذ قوات الحرس الثورى الإيرانى والميليشيات التابعة لإيران هناك. حرص تركيا على وضع يدها على جزيرة سواكن فى البحر الأحمر، رغم أنها وفقا لتصريح وزير خارجية السودان لن تتحول إلى قاعدة عسكرية، يتجاوز هدف الاستفزاز السياسى والأمنى لمصر إلى بسط نفوذها على موقع استراتيجى مقابل الاختراق الإيرانى لجنوب شبه الجزيرة العربية المتمثل فى زرع تنظيم الحوثيين باليمن.
الصراع الذى يكشف يوميا عن طبيعته الطائفية.. الحلم التركى باسترجاع الخلافة تقلص إلى ذريعة حمل لواء الدفاع عن الطائفة السنية، فى المقابل قصر زعيم إيران الروحى آية الله الخمينى حلمه على قيادة الطائفة الشيعية، هو قناع مثالى لإخفاء الأطماع الاقتصادية والسياسية، فى العراق الذى من المنتظر أن يشهد انتخابات برلمانية ومجالس محافظات منتصف شهر مايو المقبل، استبقت إيران بسط سيطرتها على الحدث عبر تهديد مباشر إلى رئيس وزراء العراق حيدر العبادى بإرسال ٦٠ سيارة مفخخة إلى العراق فى حال عدم تحالفه مع الميليشيات التابعة لها.. ضمن محاولات مستمرة فى تغذية ضغوطها الطائفية على العبادى وتوجهاته نحو إعادة جسور التواصل مع الدول العربية بحكم انتماء جذور العراق لهذه المجموعة رغم ما يبدو معلنا من عدم اعتراف إيران بهذه الحقيقة!.. بل تمضى أبعد فى سبيل تكريس هيمنتها على رأس السلطة فى العراق عبر دعم ترشح قيادات محددة من الحشد الشعبى وضمان وصولهم إلى البرلمان، فى المقابل تستمر المماطلة التركية فى سحب قواتها من منطقة «بعشيقة» شمال مدينة الموصل كقاعدة نفوذ أمنى فى مواجهة السيطرة الإيرانية تحت ذريعة استخدام مقاتلى حزب العمال الكردستانى لهذه المناطق كنقطة انطلاق لهجمات ينفذونها داخل الأراضى التركية.
كل الصراع الدائر الآن بين تركيا وإيران على تحقيق أكبر قدر من المكاسب الإقليمية عبر التوسع والامتداد داخل المنطقة العربية، لكن بإضفاء عناوين هى الأكثر إغراء فى الاستحواذ على الرأى العام الإسلامى تحديدا إذا ما مست المشاعر الدينية. تختلف ملامح السيناريو فيما يتعلق بمصر، إذ تعمد إيران إلى عدم التدنى إلى مستوى العنجهية الحمقاء التى لا تنقطع من الجانب التركي. إيران حاولت كسب مساحة تواجد سياسى فى مصر أثناء عام حكم «عصابة البنا»، ولم يخف الرئيس الإيرانى آنذاك أحمدى نجاد خلال زيارته لمصر التعبير عن هذا التقارب بإشارات واضحة فى زيارته للأزهر. بعد ثورة ٢٠١٣، لم تغفل إيران عن جهود مصر فى إعادة ضخ الدماء إلى شرايين تحالف عربى يملك المزيد من التأثير فى فرض المواقف والمبادرات تحديدا فى دول المنطقة التى ما زالت تعانى من صراعات جذورها أيضا طائفية أو عرقية.
كل ما حققته مصر على الصعيد العربى خلال الأربع سنوات الماضية يتقاطع مع الأطماع الإيرانية، تحديدا فى سوريا، العراق وجنوب شبه الجزيرة العربية.. ما يدفعها إلى تقديم مختلف وسائل الدعم للعناصر التكفيرية فى سيناء رغم كونها تنظيمات سنية متطرفة، سواء عن طريق التمويل أو تهريب الأسلحة الإيرانية عبر السودان. مسارعة إيران مؤخرا إلى مغازلة النظام القطرى واستخدامه كأداة خصوصا فى دعوة خطيرة دأبت إيران على إثارتها منذ الثمانينيات تلقى المزيد من الوقود الطائفى على الصراع المشتعل أيضا تبدو متسقة مع مواقفها، إذ عادت «سموم» فتح ملف تدويل الحرمين الشريفين فى انتهاك صارخ للسيادة السعودية.. والأدهى، فتح الأبواب أمام انقسام كارثى بين مسلمى العالم.
فشل كل «الظواهر الصوتية» التى حملت العداء التركى تجاه مصر منذ ثورة ٢٠١٣، دفع الغرور «العثماني» فى التمادى لمرحلة الاستفزاز الأمني، رغم أن واقع الحال يؤكد أن العسكرية التركية فقدت الكثير من مقومات قوتها بعد محاولة انقلاب عام ٢٠١٦ والتى شكلت ضربة قاسية لقيادات الجيش ونفوذه التقليدي، بل هويته العقائدية وولاءاته، بالإضافة إلى تعدد مناطق تدخله، شمال العراق، سوريا.. هذه العوامل المتظافرة تشكك فى جدية تهديدات تركيا المزعومة الصادرة مؤخرا عن وزير خارجيتها. الهلع التركى من نجاح مصر فى تكوين تحالف إقليمى يضمها مع قبرص واليونان، واستشعارها التحدى السياسى إزاء هذه الخطوة، من المؤكد لن يصل بالنظام التركى إلى مرحلة «جنون» إشعال صراع مسلح مع مصر.. مغامرة أمنية ستكون فيها تركيا هى الخاسر الأكبر.